روناهي/ دير الزور ـ يُحافظ فن نسج البسط على هويته وثقافته الغنيّة في وادي الفرات، حيث تُعَدّ مهنة نسج البسط، التي تميّزت بها نساء الريف في مقاطعة دير الزور، جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الثقافية لهذا الوادي العريق.
يُمثل فن نسج البسط في وادي الفرات إرثاً ثقافياً غنياً مُحاطاً بأسرار وحكايات تناقلتها الأجيال عبر العقود. تُشكّل هذه المهنة مصدراً رئيسياً لتميّز الهوية الثقافية للمنطقة، إذ تعكس عبر تصاميمها وألوانها التقاليد والعادات المحلية.
إن صناعة نسج البسط عمليةً مُتعددة المراحل، بدءاً من تجهيز الخامات الأولية وتجهيز النول، وصولاً إلى نسج القطع الفنية.
نقل الفن عبر الأجيال
بهذا السياق؛ أكدت إحدى نساء ريف مقاطعة دير الزور “عائشة الحسين”، النموذج الحي للحرفيات اللاتي يواصلن نقل هذا الفن القيم إلى الأجيال الجديدة، بمهارةً فائقةً، حيث تُعَلّم أبناءها فنون نسج البسط لتُحافظ على هذا الإرث الثقافي، وأشارت إلى، “أن العمل في نسج البسط متعب، إذ يتطلب شراء الصوف وغزله، ولفّه ليصبح خيوطاً قاسية، وصبغ بعضها بالصبغات”.
وأضافت: “تُشكّل أساليب نسج البسط في دير الزور، تقليداً غنياً، يُعبّر عن هوية المنطقة. ففي كل منطقة، تُستخدم الخطوط الهندسية المُتفاوتة من قرية لأخرى، وغالباً ما تُستعمل الألوان التقليدية مثل الأحمر والأسود والأبيض، مع لمسات من الأخضر والأصفر. وتُبرز أهميّة الصبغة الحمراء التقليدية، التي تتم طريقة إعدادها من قشر الرمان”.
مراحل نسج البسط
فيما بينت عائشة، أن خيوط البسط تتفاوت حسب نوعها؛ من خيوط الصوف (الخامّة الأساسيّة)، إلى خيوط بقايا الأقمشة المميّزة بدير الزور، إضافةً لخيوط القطن البيضاء أو السدو، التي تُشكل أساس البساط. وتتضمن تصاميم البسط، الرسوم التقليدية القديمة، كالأشجار والنجوم والحيوانات والطيور.
وأوضحت، يُعدّ النول اليدوي، جزءاً لا يتجزأ من عملية النسج، حيث يتألف من أجزاء رئيسيّة كـ”الجومة”، “البزار”، “المكوك”، “المشط”، “الدولاب”، “السدوة”، “الدعاسات”، “المطواية”، و”الدف”. وذكرت عائشة المراحل المتتابعة لنسج البسط: بدءاً من فصل الصوف الخام وتنظيفه، وصولاً لغزله وصباغته وتقوية الخيوط، وصولاً إلى نسج البساط.
واختتمت “عائشة الحسين”، حديثها: “بات البساط الصوفي رمزاً للصمود في وجه التحديات، والحفاظ على الهوية الثقافية، وقطعاً تراثيّة تُعَد ركيزة أساسية للحفاظ على التقاليد، بقي هذا الفنّ، مع الزمن، جزءاً حياً من ذاكرة وادي الفرات، مُعززاً التراث السوري”.