حمزة حرب
في خضم وحل المصالح الدولية والإقليمية التي اتضحت معالمها بعد الصدمة الكبيرة التي فرضتها التطورات الميدانية عانى الكرد من مهجري عفرين في حلب والشهباء من تغريبة جديدة ورحلة شاقة ومتعبة “لم يُنسهم صقيع الطقس إلا لهيب الحسرة ولوعة التهجير القسري مجدداً”؛ وذلك بعد أن اشتعلت الجبهات مجددًا بين جيش حكومة دمشق ومرتزق الاحتلال، التي على ما يبدو ما هي إلا محاولة لإعادة تعويم مرتزقة داعش مجدداً.
كأنما عقارب الزمان عادت إلى الوراء فبين ليلة وضحاها عاد الظلام ليخيم على حياة السوريين ويخلق واقعاً قاتماً عنوانه الإرهاب والترهيب والإجرام والتنكيل والتصفية العرقية والتهجير القسري والتغيير الديمغرافي، فسيناريو سقوط مدينة حلب بيد مرتزقة جبهة النصرة الذراع السوري لتنظيم القاعدة يعيد للأذهان سقوط الموصل العراقية بيد مرتزقة داعش وما أشبه اليوم بالأمس فداعش الإرهابي يعود تحت مسمياتٍ أخرى بينما الدول الإقليمية والعامية لم تبدِ موقفاً فاعلاً تجاه هذا التصعيد الخطير للأحداث في الشرق الأوسط ومحاولات إعادة إنتاج مرتزقة داعش.
انهياراتٌ متسارعة ساهمت في إنعاش المرتزقة
أسبوعٌ مضى منذ أن شنّت مرتزقة الاحتلال التركي، والمنضوية تحت ما يسمى “هيئة تحرير الشام” “جبهة النصرة” الإرهابية، مدعومةً بآلاف الإرهابيين الأجانب وبالأسلحة الثقيلة وأعداد كبيرة من المسيّرات، هجوماً واسعاً ومباغتًا من محاور متعددة في جبهات حلب وإدلب وحماة بالأراضي السورية، لتفرض سيطرتها على مدينة حلب وأجزاء من ريفي إدلب وحماة وصولاً لمدينة حماة في غضون 72 ساعة.
وعلى الرغم من تحرك الطيران الحربي التابع لحكومة دمشق وآخر روسي، لدك مجاميع المرتزقة التي تغلغلت في المدن وبين الأحياء وسط انهياراتٍ متسارعة لجيش حكومة دمشق إلا أن الاشتباكات مازالت على أوجها، مع حالة من الانهيار المتلاحق للحكومة تاركتاً خلفها مخزوناً كبيراً من الأسلحة والذخائر والمواقع الحيوية كالمطارات العسكرية والمدنية كمطار حلب الدولي ومطار منغ العسكري.
الصحفي ميرخان عمادي بين خلال تصريحاتٍ خاصة لصحيفتنا: أن “هيئة تحرير الشام الإرهابية وبدعم من دولة الاحتلال التركي، شنت هجوماً واسعاً ومتعدد الأطراف على مدينة حلب، حيث تمكنت من السيطرة على حلب وإدلب واقتربت من السيطرة على حماة، وجاء هذا الهجوم بالتزامن مع التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وانشغال العالم بالحرب، التي كانت دائرة بين إسرائيل وحزب الله والضربات الموجعة التي كانت تتلقاها إيران وأذرعها في سوريا والانشغال الروسي بحربه مع أوكرانيا”.
ويأتي هذا الهجوم المباغت كأول تحرك للمرتزقة في سوريا منذ آذار2020، عندما وافقت روسيا ودولة الاحتلال التركي على وقف إطلاق النار الذي أدى إلى توقف التحركات العسكرية في شمال غرب سوريا، وهذه المرة أيضاً سيطرت المرتزقة ضمن جملة ما سيطرت عليه هي المناطق ذات الغالبية الكردية، خصوصاً في الشهباء والشيخ مقصود والأشرفية، ما يذكرنا بمشهد الصراع ما قبل 2016، عندما وقعت حروب ضارية بين قوات سوريا الديمقراطية وذات المرتزقة الإرهابية التي أطلقت على نفسها آنذاك “داعش”، لكنها عادت هذه المرة تحت مسمى “هيئة تحرير الشام” الإرهابية.
الصحفي ميرخان عمادي؛ أوضح أيضاً أن “ما جرى في حلب يعيد إلى الأذهان سيطرة مرتزقة داعش على مساحات واسعة من سوريا، بعد هروب قوات حكومة دمشق وتركهم الشعوب لقمة سائغة بين فكي الإرهاب، وفي حلب وباقي المناطق التي وقعت تحت سيطرة مرتزقة الاحتلال التركي تم إعادة السيناريو ذاته، حيث تُرك الشعب في تلك المناطق وجهاً لوجه أمام خطر إبادة كبير، ومن جديد ينكشف القناع عن مؤامرات جديدة ستكون من نصيب الشعب السوري الذي عانى الويلات ليبدأ من جديد رحلة تهجيرٍ جديدة”.
اللافت في الهجوم مرتزقة شيشان، أويغور، تركستان، تحت مسمى “المهاجرون” وكما جرت العادة مدعومون ويدارون من الاحتلال التركي الذي استغل الأوضاع المتوترة التي يشهدها الشرق الأوسط من الحرب بين إسرائيل وحماس وما تبعها من تصعيد بين إسرائيل من جانب وحزب الله وإيران من جانب آخر.
معاناة تعمق الجراح النازفة
“حرقت منازلنا للمرة الثانية وخرجنا بحقائب سفر وأمتعة قليلة ولباسنا الذي نرتديه لا يقينا لسعات البرد القارس”، بهذه الكلمات التي تملؤها غرغرة الحسرة واللوعة الممزوجة بدموعٍ حبيسة الجفون المحمرة التي رسمت واقع الحال حين تحدث لصحيفتنا أحد الناجين المهجرين قسراً من الشهباء بعد وصوله مناطق في إقليم شمال وشرق سوريا، ولا يساوره غير الأمان مع استمرار الحرب الدائرة في سوريا منذ 13 عاماً.
فبأرتالٍ طويلة حاملين أرواحهم على كفهم لا يمكن وصفها إلا بتغريبة كردية ثانية بعد تلك التغريبة العفرينية، لكن هذه المرة كانت المرارة أدهى وأمر لأنه وبحسب شهود ناجين من بطش التنظيمات الإرهابية، أنهم تعرضوا في مسيرهم إلى شتى أنواع الإهانة والتجريح من العناصر الإرهابية التي واجهتم لأنهم كرد.
آلاف العائلات الكردية وأخرى عربية وصلوت بعدة ارتالٍ تباعاً في أفواج، نحو مراكز الإيواء المؤقتة التي أعدتها الإدارة الذاتية في الطبقة والرقة لاستقبال هؤلاء المهجرين، الذين يقارب عددهم الـ 200 ألف مهجّر ونازح لم تلتفت لهم المنظمات الإنسانية الدولية لتقديم الدعم المطلوب للمهجّرين قسراً من مناطق الشهباء، وعفرين المحتلة، وبلدات تل رفعت، وأحرص وفافين والشيخ عيسى.
مرتزقة الاحتلال التركي، والتي تحمل بين ثناياها راياتٍ لمرتزقة داعش الإرهابي، ويعتقد أنها قادة بارزة في صفوف داعش، احتضنهم الاحتلال وأعاد تنشيطهم في المناطق المحتلة وحسب توثيقاتٍ حقوقية وشهود عيان ارتكبوا جرائم وانتهاكات ضد الإنسانية، في ظل استمرار انقطاع الاتصالات والكهرباء عن المدنيين المحاصرين في منطقة الشهباء وريف حلب الشمالي التي سيطرت عليها مرتزقة الاحتلال التركي، حيث وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان جريمة ذبح سيدة، وعشرة رجال على الأقل في منطقة الشهباء.
ميرخان عمادي نوه خلال تصريحاته أيضاً إلى أن” وسط هذا التخبط الميداني والانهيارات المتلاحقة، وجب دفاع مشروع عن النفس استطاع أهالي الشيخ مقصود والأشرفية وعبر اتخاذ مبدأ الحماية وحرب الشعب الثورية الصمود بوجه الإرهاب من جديد، ومنذ أيام تم تقديم مقاومة لا مثيل لها بوجه الهجمات وخاصة في حلب والشهباء، ومن أجل التصدي لهذه الهجمات، نظموا أنفسهم من جديد تحت اسم قوات حماية الشيخ مقصود والأشرفية، وتصدوا للعشرات من هجمات المرتزقة التابعة لدولة الاحتلال التركي”.
لكن ومع ذلك تم توثيق جرائم عدة في مناطق الشهباء وتل رفعت، حيث اعتقل العشرات من الشباب الكرد بعدما طالبوهم بالانتظار في أماكن محددة في أحرص دير جميل، وشيراوا تمهيدا لنقلهم في قافلة إلى خارج المنطقة، في حين أقدم عناصر الفصائل على تقييد أيدي الشبان والاعتداء عليهم بشكل وحشي في الساحات قبل أن يتم نقلهم إلى جهة مجهولة.
انتهاكاتٌ وجرائم موثقة
الانتهاكات التي وثقتها مرتزقة الاحتلال التركي بحق المدنيين الكرد من خلال ما يتداول من لقطاتٍ مصورة للتشهير بالضحايا وإثبات المرتزقة إجرامهم المطبق بحق هؤلاء مستمر، وأرقام الضحايا لا يمكن إحصاؤها لأنها متغيرة بمناحٍ تصاعدية، وهي نتاج فعلي لتخاذل المجتمع الدولي تجاه المدنيين العزل الذين تركوا لقمة سائغة لهذه المجموعات المرتزقة والمتطرفة، التي استهدفت مناطق الشهباء بريف حلب وهي المنطقة، التي تأوي بالأساس مهجرين من عفرين بعد أن بطشت بهم آلة الحرب وهجرتهم من أراضيهم ومنازلهم.
الكرد المدنيون لم يبقَ أمامهم بعد حصارهم في الشهباء إلى وجهتين لا ثالث لهما، كي ينجوا بحياتهم الوجهة الأولى إلى شمال شرق سوريا، والثانية إلى أحياء “الشيخ مقصود والأشرفية” في حلب، لكن القاسم المشترك بين هؤلاء المهجرين أنهم ماضون دون حد أدنى من الدعم والمساعدات الإنسانية الأساسية. لكن؛ المئات منهم لم يتمكنوا من الفرار وبقوا في منازلهم في “منطقة الشهباء” شمالي حلب، معظمهم فقد التواصل معهم أثناء محاولتهم الفرار من الهجمات في “تل رفعت”، ومناطق الشهباء شمالي حلب، ولا معلومات حول مصيرهم بينما جرى اعتقال أغلبهم على يد مرتزقة الاحتلال التركي معظمهم قضوا تحت التعذيب علاوة على التصفية الميدانية بحق المدنيين العزل، وهو ما أثبتته لقطات مصورة نشرتها مرتزقة الاحتلال على حساباتٍ مختلفة.
ميرخان عمادي أكد بهذا السياق، أن “دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها تمارس سياسة الإبادة بحق الشعوب ولا ننسى أن تسميات المرتزقة تتغير والمضمون واحد، وتاريخ الإجرام المطبق بحق الكرد مستمر وما تتداوله المرتزقة من لقطاتٍ مصورة تثبت للعالم أجمع حجم المعاناة، التي يعيشها المدنيون الكرد في المناطق التي حوصروا فيها، وهذا يتطلب إرادة دولية حقيقية لإنصاف الضحايا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه على الأرض”.
ففي مدينة “تل رفعت” شمالي حلب ارتكبت معظم هذه المجازر التي تضمنت الدعس على أجسادهم وضربهم وإهانتهم، الأمر لم يقتصر على الانتهاكات التي يطبقها العسكر فقط إنما هناك لقطات مصورة وثقت اعتداءات بحق المدنيين نفذها من يسمون أنفسهم “إعلاميين” تابعين لهؤلاء المرتزقة.
هذه الأحداث المأساوية لا تنم إلا عن استمرار سلسلة الانتهاكات ضد الكرد في مناطق عفرين والشهباء وحلب ومهما تعاقبت أدوار المرتزقة على البطش والإجرام يبقى الكرد يدفعون الثمن الأكبر، ويتلقون المجازر تلو المجازر فمن معاناة الكرد الإيزيديين على يد مرتزقة داعش الإرهابي في شنكال وصولاً لما عاناه الكرد في عفرين على يد مرتزقة الاحتلال التركي الإرهابية، واليوم تتكرر معاناتهم على يد مرتزقة هيئة تحرير الشام الإرهابية ليبقى المجتمع الدولي يتخذ موقف المتفرج تجاه هذه الانتهاكات والمجازر التي ترتكب بحقهم دون أن يقدم أدنى مستويات الدعم الإنساني أو الأخلاقي.
الإدارة الذاتية الحاضنة الآمنة
بعد أن اتضح للعالم أجمع ما يريده الاحتلال التركي لتغيير ديمغرافي في المنطقة، بعد أن كرر تهجير السكان الأصليين في عفرين، وسري كانيه وكري سبي، اليوم هجرت مرتزقته مجدداً المدنيين إلى مناطق شمال وشرق سوريا، بعد إن فتحت الإدارة الذاتية أبوابها للسوريين من الشهباء ونبل والزهراء، وتل رفعت، وبعض القرى المحيطة بهم.
ومنذ أيام والإدارة الذاتية تستقبل المهجرين قسراً بعد أن بنت مخيماتٍ مؤقتة في الرقة والطبقة وسط شحٍ كبير في الدعم المقدم للإدارة؛ كي تتمكن من تلبية كل احتياجات المهجرين لذا قدمت كل ما تملكه من إمكانات تعتبر متواضعة مقارنة بهول المتطلبات وحجم المخيمات الموجودة سابقاً، وحالياً في مناطقها حيث اعتبرت بوصلة لكل المهجرين من المناطق الأخرى من سوريا.
الصحفي عمادي أشار إلى هذه النقطة بالقول: “إن إعلان التعبئة العامة من الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا والتفاف الشعوب من الكرد والعرب والآشوريين والسريان والأرمن والشركس حول قواتهم، وإدارتهم وهذا الترابط والتماسك بين الشعوب كانت رسالة واضحة للمتربصين، ولكل من يراهن على سقوط المشروع الديمقراطي بأن هذا الهجوم يمثل استكمالاً للمخطط الذي فشلت في تحقيقه تركيا من خلال داعش واليوم فشلت في تفتيت النسيج الاجتماعي من خلال جبهة النصرة وباقي المرتزقة التي تدعمهم دولة الاحتلال”.
ومساندة للإدارة الذاتية أطلق أهالي مقاطعتي الرقة والطبقة وقامشلو وكوباني وغيرهم من المناطق مبادرات لجمع المساعدات للمهجرين قسرًا من مناطق الشهباء وعفرين المحتلة وتل رفعت ونبل والزهراء، الذين وصلوا إلى الرقة حيث جمع أهالي المقاطعتين، الأثاث المنزلي والألبسة والمواد الغذائية، بالإضافة للمعدات المنزلية؛ لتزويد المهجرين بها، لاستخدامها في مراكز الإيواء كنوعٍ من التكاتف المجتمعي وتعبير عن حالة العيش المشترك والتضامن المجتمعي القائم على وحدة المصير بين السوريين كافة.
عمادي أضاف، إن “شعوب المنطقة وجميع المؤسسات ومنذ بداية الهجوم في حالة استنفار وتم تشكيل خلية للأزمة لمواجهة التحديات المترتبة على هذا العدوان وتقديم الدعم لأهالينا القادمين من مناطق حلب والشهباء بعد أن توجهوا لمناطق الإدارة الذاتية منعاً لتكرار حدوث المجازر، وهو ما ساهم إلى حدٍ كبير في الحفاظ على سلامة الأهالي”.
وبذلك أثبتت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا مرة أخرى أنها وجهة حقيقية، وحاضنة جامعة لكل السوريين وإنها تشكل نواة حلٍ حقيقي يجتمع ويلتف حوله السوريون بكافة انتماءاتهم وتوجهاتهم، لكن مع كل ذلك لا زالت الجراح نازفة لكل من هجر من منطقته، وترك خلفه منزله وأرضه ومصدر رزقه لتعيث به ثلة من مرتزقة إرهابية ترتهن وتمتثل لرغباتٍ محتلٍ تركي وضع السوريين تحت وطأة الإرهاب من مرتزقة داعش إلى النصرة.