No Result
View All Result
المشاهدات 62
إبراهيم عبود
في مقالٍ سابق تطرقت إلى أغلب النقاط حول ما يجري من أحداث في مدينة حلب، حيث أكدت إن كلمة السر هو توقيت هذه الهجمات، ومن هي الأيدي المحركة لها، ولمن تعود المصلحة الكبرى فيما يجري؟
أغلب الأسئلة التي طرحت خلال اليومين السابقين تمت الإجابة عنها دراماتيكياً، وما تزال الكثير من الأسئلة عالقة، وفي كل لحظة تتوالد وتلوح أسئلة جديدة.
عمليات السيطرة التي حدثت في كثير من المناطق، تكاد تكون طبيعية، لأن هذا أمر طبيعي عندما يحدث فراغ في مكان ما، الطبيعي إن يقوم طرف آخر بتعبئة هذا الفراغ.
لكن الغريب والأكثر جدلاً سرعة هذا الفراغ الحاصل، حيث تم الانسحاب من خلاله من كل الشمال الغربي لسوريا وبالتحديد مدن حلب وحماة وإدلب وريفها مجتمعة وتوجه قوات حكومة دمشق نحو الداخل.
أسئلة كثيرة تُطرح في هذا الوقت الذي لا يمكن لأحد التنبؤ بما هو قادم، وأين ستنتقل كرة النار بعدها وليس عبثاً إذا ما أسميتها ناراً لأن ارتداداتها ستكون سلبية على كل السوريين، وستحرق الكثير.
أحد هذه الأسئلة هو لماذا جبهة النصرة (الفرع والوجه الثاني لتنظيم القاعدة) هي اليد الضاربة في هذه المعارك، ولماذا كل هذا الدعم لها في هذا الوقت، وهي أخت داعش فكرياً وعقائدياً، والتي كانت تحت الرعاية التركية كل هذه المدة ومن خلفها تأتي أمريكا.
السؤال الثاني: لماذا هذا الصمت المُطبق من تركيا وروسيا وإيران، قادة منصة مفاوضات آستانا ورعاة خفض التصعيد التي تحمي هذه المناطق.
السؤال الثالث: ما تأثير ما يجري الآن في إقليم شمال وشرق سوريا، وعلى سوريا بكامل جغرافيتها، وعلى آلية الحكم فيها.
للإجابة عن جملة هذه الأسئلة يجب السرد طويلاً كما جرت العادة لأنها أحداث مترابطة لا يمكن إخفاء أي منها وعدم التكهن بأي منها.
أولاً: طريقة انسحاب حكومة دمشق في هذه المعارك تختلف اختلافاً جذرياً عن فصول الحرب السابقة.
ففي السابق كانت تتم عمليات انسحاب مشابهة من مناطق كثيرة، لكن كان يبقى بعض هذه القوات في مناطق محددة وقطع “نقاط” عسكرية معينة تعتبر في العلم العسكري قواعد انطلاق، وبناءً على ذلك يتم العمل عليها لاحقاً ودعمها فيما إذا كانت هناك نية للعودة، وهذا ما لا يحدث الآن حيث تم خروج وانسحاب هذه القوات من كل الشريط الشمالي الغربي وصولاً للحدود الإدارية لحمص.
ثانياً: طريقة الانسحاب المفاجئ تشبه إلى حدٍ كبير ما حصل في العراق في عام ٢٠١٤ بعد أن انسحب الجيش العراقي، وسيطرة داعش على مساحات واسعة من شمال وغرب العراق، وبات على أبواب العاصمة بغداد، وترك عتاد عسكري بما يُقارب أربعة فرق بكامل تسليحها العسكري، وهذا يؤكد أن هناك ما يجري خلف الكواليس، وفي غفلة من القنوات الإعلامية.
أما في هذه الحالة فجبهة النصرة ليست بحاجة هذا الدعم.
ثالثاً: حالة الصمت التركي الغامض، وهي من أصحاب القرار في هذه المناطق من خلال نفي، وعدم تبني تركيا هذه العملية، وعدم اعترافها بإعطاء الأوامر لجبهة النصرة، والضغط على النظام في دمشق، وكأنه تخطيط ذاتي من هذه المجموعات وهذا لا يمكن تصديقه.
رابعاً: حالة الصمت المطبق والرد الخجول من قبل روسيا، وكأنها على علم مُسبق بما يجري من أحداث، وكلامها محصور ضمن الإطار الدبلوماسي لهذه اللحظة على أقل تقدير.
خامساً: غض الطرف عن جبهة النصرة في هذه المعارك وإعطائها زخم وهالة إعلامية تذكّر بما حصل مع تنظيم داعش بعد أن سيطر على مساحات كبيرة في دولتين هما العراق وسوريا، وفي آخر المطاف تم تقاسم نتائج هذه المغامرة من قبل الأطراف الدولية، التي قدمت له الدعم لتحقيق مصالح على الأرض السوريّة وهذا ما حدث مع داعش وذلك بعد أن أدى المهمة المُلقاة على عاتقه، وبعدما قضت قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف على وجوده الجغرافي المنظم، وقد يتكرر السيناريو ذاته مع جبهة النصرة.
في هذه الفقرة بالتحديد: أذكر ما قاله وزير الخارجية الإيراني السابق حسين أمير عبد اللهيان في كتابه “صبح الشام” وبعد أن روى ما دار من مناقشات بينهم وبين الروس ومحاولة إقناعهم الدخول في سوريا للوقوف مع حكومة دمشق، وخطورة ترك سوريا لهذه المجموعات، وهذا الكلام على لسان حسين أمير عبد اللهيان.
“كان جواب بوتين أنه سأل وزير الاستخبارات السعودي بندر بن سلطان في ذلك الوقت عن كيفية الإجراءات التي يمكن أن يقوموا بها.
وكان جواب الوزير السعودي على لسان “بوتين وعبد اللهيان” بالحرف، أنه بعد الزج بالمجموعات المرتزقة والمتطرفة والسيطرة على دمشق وإسقاط الحكم فيها، فإنهم سيقومون بالتعاون مع الغرب بقصف الجماعات والقضاء عليها، كما جرى في ليبيا، وسابقاً في أفغانستان بعد طرد السوفييت منها، وهذا ما تم منعه بعد دخول روسيا في ذلك الوقت.
لكن الآن نشاهد تكرار هذا السيناريو من جهة دعم هذه الجماعات وتسهيل سيطرتها على هذه المناطق، وإمكانية تقدمها إلى دمشق بعد أنباء عن غياب السلطة هناك، وبعد الفراغ في المناطق التي كان يسيطر عليها حزب الله.
وعلى هذا السيناريو سنكون أمام التخلص من جبهة النصرة، بعد أداءها مهمتها لأنه لا يمكن أن تكون هناك مجموعات متطرفة تحكم سوريا، وعلى مقربة من أسوار تل أبيب وهي الحاضرة في هذا المشهد.
خامساً: أعود وأكرر حالة التفاهم الروسيّة التركيّة، التي كانت ترعى وتنظم المفاوضات والدعوة إلى التطبيع بين تركيا وسوريا، وإن هذا كله هدفه التخلص من هذه التنظيمات بعد أن تكون
اقتربت من النقاط الحمراء في سوريا.
لكن جبهة النصرة استغلت هذا الظرف، واستكملت طريقها بتنسيق وتوجيه أمريكي، لوضع تركيا وروسيا وإيران أمام أمر واقع لا مفر منه..
وإذا نظرنا أسفل الخريطة نشاهد إن السويداء خارجة عن سيطرة الدولة منذ أكثر من عام وهي كذلك جاهزة لحكم أو إدارة ذاتية، ولا ننسى إسرائيل الجارة على الحدود الجنوبية، المستفيد الأول من كل ما يجري، وفي هذه الفرضية يتجلى للمتابع إن تقسيم سوريا ـ إذا ما استمر سير الأمور في هذا الاتجاه ـ قادم بقوة السلاح بعد كل ما جرى من أحداث في المنطقة، ويبدو أن سوريا مثلها مثل كل الدول التي تدخل في نزاع مسلح وتكون النتيجة التقسيم المناطقي، ولا نغفل هنا عن مشروع الفيدرالية واللامركزية الديمقراطية كحل مطروح من قبل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
سابعاً: إذا وقع ما نتحدث عنه وأصبح التقسيم أمر لا مفر منه حلاً للأزمة السورية فيجب التأكيد أنه إذا لم يكن هناك اتفاقية بين الدول الإقليمية والعظمى على ما يجري من أحداث، فإننا أمام حرب أهلية لا تُبقي ولا تذر، وقودها السوريون باختلاف طوائفهم، والأمثلة كثيرة مثل ما يحدث في السودان الآن وليبيا بعد التخلص من القذافي، وهذا الخطير في هذا الأمر لأن كل سنوات الحرب السابقة لم نصل إلى هذه المرحلة.
ثامناً: في هذه المرحلة الحساسة في المنطقة وفي سوريا تحديداً فأن كل الاحتمالات مفتوحة أمام أي احتمال يمكن أن يحدث، وحتى الانقلابات العسكرية، حيث تظهر أخبار كثيرة في هذا الخصوص، ولو إنها لم ترتقِ عن مستوى الإشاعة، لكن وجب التنويه بعض الشيء عن بعض النقاط التي لا يمكن إغفالها.
في كل تاريخ سوريا لا يمكن أن يحدث انقلاب عسكري إلا بعد دعم وتنسيق من إحدى الدول الكبرى، وكل تاريخ الانقلابات السابقة تبرهن هذه الفرضية. وإذا ما كان هناك انقلاب فيجب إن نسأل أنفسنا ما هي البدائل التي ستكون مطروحة على الطاولة.
هل هي إدارة أزمة جديدة، تراعي كل هذه السنوات التي مرت على هذا البلد، وتجمع كل السوريين باختلافهم أم سنكون أمام حالة من الفوضى في كل شيء..؟!.
السؤال الأكثر جدية وغرابة في ذات الوقت: هل يمكن أن تتخلى روسيا وإيران عن حلفائها، وروسيا لولا دخولها في سوريا لما عادت روسيا دولة كبرى تصارع أمريكا على نفوذ العالم، وبعد قيامها بما يقارب من ٢٠٠ ألف طلعة جوية لدعم حكومة دمشق أن تترك هذه الأشياء تذهب سدىً، وإنها بخروجها من سوريا؛ فإن نفوذها في الشرق الأوسط سيذهب أدراج الرياح.
إيرانياً أيضاً يبدو إن هناك صفقات كبرى تحدث الآن، وأن البديل إذا ما حدث سيكون إرضاء روسيا في مواقع وملفات أخرى، أهمها الملف الأوكراني وهذا الأمر يبدو بعيد كلياً عن الحقيقة بسبب حالة التصعيد الخطير هناك.
في الواقع حدوث انقلاب في سوريا إذا ما تم لن يكون في هذا التوقيت، وعلى الأرجح بعد أن يتم تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل (يجب أن نتذكر أنور السادات كمثال) وهذا الهدف الأساسي من تدحرج كرة النار.
أيضاً قبول سوريا بتغيير الوضع القائم في البلاد والسماح بالتنازلات المطروحة على الدولة منذ عشر سنوات، سيناريو آخر، وجعل العقلية السورية تشبه عقلية دول الخليج كآلية صنع قرار، وتغير الوعي الجمعي السوري من العداء مع إسرائيل كما يحدث في دول الخليج.
على المستوى التكتيكي إسرائيل فشلت فشلاً ذريعاً في مواجهة حزب الله الذي تعرض بكل مفاصله التنظيمية والسياسة والعسكرية لضربة قوية كانت على وشك إنهاء وجوده. ولو أنه لم يقبل بوقف إطلاق النار لشهدنا انهيار في تل أبيب وهذه النقطة الجوهرية التي أدت لما هي عليه المنطقة من متغيرات دراماتيكية، وهي حالة زعزعة استقرار المنطقة ككل ولا ننسى إننا أمام متغيرات على مستوى العالم.
في الواقع حكومة بايدن قامت بإشعال العالم قبل قدوم ترامب ويجب أن نتوقع أنها ستورط روسيا أكثر في حرب أوكرانيا، بعد مفاجأة الانتخابات الأمريكية التي أدت لتغيير في السياسة العالمية.
No Result
View All Result