قامشلو/ دعاء يوسف – الشاعر والفنان حكمت إبراهيم على مشارف الستين من العمر، متذوق للفن وممارس الفن التشكيلي والتكوين بطريقة فريدة، فهو يمنح الكثير من الجمادات روحا ولسانا ناطقا، ويضفي عليها مسحة من الجمال الآسر، ثم يعرج إلى مواد أخرى طبيعية فيسخرها في توظيف رسالته لتنطق بالجمال وتترك الناظر في اندهاش، وتجبره على التوقف مليا ليتلقى حقيقة ما ترسله له من رسائل قد لا ينتهي فحواها في لحظة وضحاها.
حكمت إبراهيم يستنطق الحجر وبقايا الشجر والحصى والعيدان والخشب والرمل، رسم الطفل “الآن الكردي” المهاجر، الذي افترش البحر المتوسط سريراً لتتلاعب الأمواج المصنوعة من الرمال الملونة بجسده الملائكي، وأطفال لم تتجاوز أعمارهم ثلاث سنوات تتخبطهم الأمواج، بينما ينام آلان على رمال الشاطئ، فقد عبر من خلال لوحته عن حال الكثير من الأطفال اللاجئين الذين ابتلعتهم أمواج البحار.
كما تناول الهجرة في الكثير من لوحاته، لأنه فرد حمل أحلامه بحثاً عن الحياة في بلاد الغربة مودعاً عائلته وأطفاله، ولوحة لعائلة نازحة ومهجرة تحمل ذكريات منزل وأرض سلبت منها، وترى العديد من اللوحات التي وصفت الهجرة والنزوح كل لوحه تتميز بقصتها، ولم تخلُ قصص لوحاته من القضايا السياسية كلوحة وصف فيها السلطة، وكيف تتحكم بالبشر، كما رسم الطبيعة بفصولها وألوانها المميزة، وهدوء الليل وجمال القمر.
فيما طغى على لوحاته الفنّ المحمل بالمشاعر كالأمل والحلم، والحزن، والفرح، فتراصت الحجار جنباً إلى جنب لتعبر عما يجول في داخل الفنان، ويعد هذا الفن من الفنون المميزة في سوريا، لأنه يعتمد على الحجارة التي لا يمكن إعادة تشكيلها، إن لم تناسب اللوحة وهذا ما بينه الفنان إبراهيم: “إن البحث عن الحجر المناسب في المكان المناسب من أصعب الأمور في اللوحة”.
ويقضي حكمت إبراهيم أغلب وقته في غرفة جمع فيها العديد من الحجارة، والحصى بإحجام وألوان مختلفة إلى جانب أكياس الرمال والحصى وألوان الدهان، التي يستخدمها عوضا ًعن ألوان الرسم، وقد يستغرق إعداد لوحة يوماً واحداً، وقد تمتد لأسبوعين، لتثبيت الحجارة والمواد الأخرى، ناهيك عن إيجاد الفكرة وجمع الحجارة بإحجام مناسبة للوحة.
يستخدم إبراهيم الألوان نادراً، لأنه يرى الجمال في الألوان الطبيعية للحجر، وقد بدأت الفكرة باستخدام الحجارة في رسم اللوحات من فنان سوري عرض لوحات حجرية شدت انتباه إبراهيم ليقوم برسم لوحتين من أعماله، وبعدها أتبع أسلوبه الخاص لإيجاد محاور لوحته ومعانيها، وقد استلهم من قصص الواقع وطبيعة الجزيرة العديد من اللوحات، فجسد الشهيد والحصاد ونقل البضائع على الحيوانات، وغيرها من الأمور.
أكثر الأمور التي استوحاها الفنان من بيئته هي البحث عن الحرية والسلام، فهناك الكثير من اللوحات التي وصفت السلام مكبلاً بالأغلال، وجسد الحرية كامرأة مقصوصة الجناح، ورسم الخذلان والانكسار في لوحتين منفصلتين لفتاة صغيرة بأجنحة فراشة إلا أنها تجلس عاجزة ومخذولة، ولوحة أخرى لامرأة تكورت على نفسها مجسدة الانكسار.
شارك حكمت إبراهيم في معارض جماعية، معرض في الرقة، وافتتح معرضه الخاص في مركز محمد شيخو في قامشلو بـ 160 لوحة، كما شارك في مهرجان روج أفا للثقافة والفن العاشر بمعرض خاص به ضم أكثر من 60 لوحة متنوعة.
تلقى الفنان حكمت إبراهيم الدعم من ابنة أخيه التي مولت مشروعه، واستأجرت له مرسماً خاصاً، ولكن لم يدم المكان كثيراً، وحالياً يعمل في غرفة ضمن مركز اتحاد كتاب كردستان سوريا ويؤمن المواد الأولية من راتبه إذ يقتطع جزءا منه كل شهر لشراء لوازم لوحة ما، فلا يوجد من يدعم فنه.
وعن طموحات الفنان حكمت إبراهيم فهو يسعى لدمج الفن والأدب من خلال المسرح والشعر والرسم، فيما يتطلع بالمستقبل لنشر لوحاته لتعريف المنطقة بهذا الفن الذي يعد جديداً في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، وإقامة معارض خارج سوريا لنقل ثقافة وتراث وآلام وأحلام شعوب المنطقة عن طريق هذا الفن الذي ترك الحجارة تنطق.