محمد شحادة
تعتبر الأزمة السوريّة واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً، إذ تتداخل فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية، مما يجعلها محط اهتمام وتحليل مستمر. ولقد عانى الشعب السوري من ويلات الحرب والدمار لأكثر من عقد من الزمن، وكان تأثير هذا الصراع بعيد المدى على المنطقة والعالم. رغم ذلك، تبقى الأُسس التي تم تحديدها في القرارات الدولية، خاصةً قرار مجلس الأمن 2254، بمثابة الأساس الذي يُفترض أن يُؤدي إلى حلٍّ سياسي دائم وشامل. الحل العسكري، رغم ما قد يُقدمه من انتصارات ميدانية، لن يكون سوى حل مؤقت، بينما الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الدائم وإعادة بناء سوريا.
القرارات الدوليّة والحل السياسي
في سياق الأزمة السوريّة، يمكن القول إن الحل السياسي هو الخيار الأمثل، وهذا ما يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وخاصةً قرار مجلس الأمن رقم 2254. هذا القرار، الذي تم تبنيه بالإجماع في 2019، يعزز الجهود الدولية لحل الأزمة السوريّة من خلال مسار سياسي يقوده السوريون أنفسهم، ويشمل كافة الأطراف في البلاد، وقد أكد القرار على ضرورة العمل على تطبيق “مبادئ إعلان جنيف” لعام 2012، التي تنص على تشكيل حكومة انتقالية ذات مصداقية، تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية، وضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة.
محتوى قرار مجلس الأمن 2254:
يُعد القرار 2254 من أهم القرارات التي تم اتخاذها بشأن الأزمة السوريّة، حيث ينص على المواد التالية:
- الوقف الفوري للأعمال القتالية: يدعو القرار جميع الأطراف إلى وقف الأعمال العدائية بشكلٍ كامل، ويشدد على ضرورة حماية المدنيين.
- التأكيد على الحل السياسي: القرار يطالب بضرورة تسريع المسار السياسي وفقاً لقرار جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254، مع التأكيد على إن الحل الوحيد الذي يمكن أن يحقق السلام والاستقرار هو الحل السياسي.
- تشكيل لجنة دستورية: ينص القرار على ضرورة تشكيل لجنة دستورية سوريّة لإعداد دستور جديد، يتم التصويت عليه من قِبل الشعب السوري في انتخابات حرّة ونزيهة.
- إعادة بناء سوريا: يدعو القرار إلى إعادة إعمار سوريا على جميع الأصعدة، مع ضمان مشاركة السوريين في العملية السياسية والاقتصادية.
لماذا الحل العسكري غير مُجدي؟
لقد شهدت سوريا العديد من المحاولات العسكرية التي كان الهدف منها الحسم العسكري للصراع، ولكن هذه المحاولات فشلت في إنهاء الحرب بشكلٍ كامل أو تحقيق الاستقرار الدائم. أبرز الأمثلة على ذلك تدخّلات قوى إقليمية ودولية متعددة، مثل التدخّل الروسي والتركي والإيراني، والخليجي، بالإضافة إلى الدعم الذي تقدمه بعض الدول الغربية لفصائل المعارضة. ورغم أن هذه التدخّلات قد تحقق على الأرض انتصارات لجهات معينة، إلا أن الوضع العسكري لم يُسهِم في إنهاء الصراع، بل أضاف تعقيدات جديدة.
أحد أبرز العوامل التي تجعل الحل العسكري غير مُجدٍ 1ـ التكلفة الإنسانية الضخمة التي دفعها الشعب السوري. مئات الآلاف من الشهداء والقتلى والجرحى، إضافةً إلى ملايين اللاجئين والمشردين والمهجرين، هي نتائج مباشرة لهذا الحل العسكري. في ظل هذا الواقع، يصبح من الصعب تصوّر أي نوع من الاستقرار السياسي أو الاجتماعي في البلاد طالما أن الحل العسكري مستمر.
- 2. فشل الحسم العسكري:
على الرغم من الانتصارات العسكرية لبعض الأطراف، لا تزال العديد من المناطق السوريّة في حالة حرب أو تحت سيطرة المجموعات المرتزقة. وحتى مع استعادة حكومة دمشق للكثير من الأراضي، لا يزال هناك مناطق أخرى تحت سيطرة المرتزقة. هذا يوضح أن الحل العسكري لا يمكن أن يُحقق السلام المستدام في ظل التعددية العسكرية والسياسية في البلاد.
- 3. تفاقم الأزمات الإنسانية:
التدمير المستمر للبنية التحتية، وانعدام الأمن، وانتشار المجموعات المرتزقة، كل هذه العوامل تجعل الحياة اليومية للسوريين شبه مستحيلة. الحل العسكري لا يمكن أن يوفِر حلّاً للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب السوري. وعلى العكس، فإن استمرار الصراع العسكري يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمات.
التحديات التي تواجه الحل السياسي:
ورغم أنه لا يمكن إنكار أهمية الحل السياسي، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه تطبيق هذا الحل في سوريا.
- تباين مصالح الأطراف الدولية والإقليمية:
تتدخل العديد من الدول في سوريا، وكل منها له مصالح وأهداف مختلفة وتسعى هذه الأطراف إلى إطالة الأزمة السورية لتحقيق مصالحها. فروسيا، على سبيل المثال، تسعى إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة، بينما تسعى تركيا إلى احتلال المزيد من المناطق في شمال وشرق سوريا. هذه التباينات تجعل من الصعب التوصّل إلى توافق دولي حول الحل السياسي.
- غياب الثقة بين الأطراف السوريّة:
لا يمكن إنكار أن هناك فجوة كبيرة من عدم الثقة بين الأطراف السوريّة المختلفة، سواء كانت الحكومة أو ما تسمى بالمعارضة أو المجموعات المرتزقة. ويعود هذا إلى التجارب السابقة التي شهدت خروقات للاتفاقيات السياسية، ما يعزز من صعوبة التوصّل إلى اتفاقات جدية.
في الختام، يمكن القول إن الحل العسكري في سوريا لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة والدمار، ولن يحقق الاستقرار الدائم. الحل السياسي وفق قرارات جنيف 2254 هو الطريق الأكثر ضماناً لإنهاء الصراع وتحقيق السلام في البلاد. يتطلب هذا الحل الإرادة السياسية من جميع الأطراف المعنية، وكذلك الدعم الدولي لتيسير عملية الانتقال السياسي. لا شك أن الطريق إلى السلام في سوريا طويل، لكن مع تضافر الجهود السياسية، يمكن تحقيق التغيير المطلوب، وضمان حقوق السوريين في بناء مستقبل أفضل.
