إبراهيم عبود
من يتابع الأحداث السياسية في العالم ومنطقة الشرق الأوسط عن كثب وباستمرار يكون على قناعة أن كل الأحداث التي تقع تكون مترابطة كأحجار الدومينو، وأن أي تحريك لهذه الأحجار في مكان ما سيظهر صداه في مكانٍ آخر ولا سيما في الحرب السوريّة التي كنا جزء من فصول أحداثها على مدار ثلاثة عشر عاماً، والتي تحتوي كل القوى الدولية والإقليمية على أرضها مع اختلاف توزع نفوذها. وإن أي تغيير في المعادلات المفروضة على الأرض لن يتم إلا باتفاق دولي أو توافق دولي إقليمي.
ما يجري في هذه الأيام من عملية عدوانية كبيرة على حلب لا يختلف عما يجري من أحداث في المنطقة بل هي إحدى الأوراق التي يتداولها هؤلاء اللاعبين لتنفيذ مصالحهم الاستراتيجية على الأرض السوريّة وللاستفادة من نتائجها في ملفات أخرى.
في بداية الأمر والأكثر أهمية توقيت هذه الهجمات وسرعة تنفيذها بهذا الزخم وكأنه جرى الإعداد لها مُسبقاً وبتنسيق قديم مع انتظار وقتها المناسب. هذه الهجمات تطرح تساؤلات كثيرة عن المصلحة الكبرى من ورائها في هذا التوقيت ومن المستفيد منها.
وللإجابة عن هذه الأسئلة يجب التوسّع في هذا المقال لأكثر من فكرة لمناقشة كل هذه الأبعاد.
أولاً: توقيت هذه الهجمات من ناحية تطورات الأوضاع في فلسطين ولبنان حساس جداً ويشير إلى شبهات كثيرة منها إن هذه الهجمات أتت بعد وقف إطلاق النار الذي حدث بين حزب الله وإسرائيل بوقتٍ واحد.
ثانياً: توقيت هذه الهجمات يشير إلى حضور إسرائيلي بشكل مباشر أو بشكل متدرج، من ناحية صرف انتباه وإعادة إشغال الرأي العام في الشرق الأوسط بأزمات ثانوية بعيداً وتخفيفاً عن الضغط الناتج عليها عن مجريات الإبادة الجماعية التي تقوم بها داخل القطاع، وكأنها تمهيد لإبادة أكثر حجماً ستحدث خلف الكواليس الإعلامية بعد صرف الانتباه عما يحدث ولتخفيف نتائج قرار محكمة العدل الدولية عليه بعد إصدار قرار اعتقال بحق نتنياهو.
ثالثاً: توقيت هذه الهجمات خطير جداً من ناحية تقسيم سوريا، فتأتي بعد سنوات كثيرة من اتفاقيات خفض التصعيد لكنها تأتي بعد أن لوّح نتنياهو بخريطة دول الشر والخير وأنه سيقوم بتنفيذها تِباعاً، وفي سوريا ستدفع العمليات شمالاً لخلق فرصة لإسرائيل للتقدّم جنوباً أكثر بعد عمليات فتح في الجدار الحدودي بين سوريا وإسرائيل.
رابعاً: توقيت هذه الهجمات مرتبط بالحالة الانتقالية التي تعيشها أمريكا من خلال تبادل السلطة بين ذهاب بايدن وقدوم ترامب وفي هذه المرحلة الكل سيحاول تقاسم التركة الأمريكية من خلال خلط الأوراق وتصعيد الأوضاع وعند قدوم ترامب سيتم الاتفاق معه، وهو الذي يعالج السياسة الأمريكية كما مشاهداته التجارية وفي هذا المجال الرابح سيكون تركيا الحليف في حلف الناتو.
خامساً: توقيت هذه الهجمات مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يجري من أحداث في مستوى العالم، فقبل أعوام كثيرة لم تكُن روسيا مُنشغلة بالحرب مع أوكرانيا وفي هذا الصدد التركيز العملياتي لروسيا باتجاه أوكرانيا وبعد التأثير الأوكراني بالعمق الروسي من خلال السيطرة على كورسك وتهديد الدولة الروسيّة، حيث أصبحت الأرض السوريّة ملف ثانوي أقل أهمية من وضعها الداخلي، وفي ذاك الوقت حزب الله لم يتعرض لضربة قوية جعلته ينشغل بوضعه الداخلي، وبعد اغتيال أمينه العام، سيزداد الضغط عليه لإخراجه من سوريا.
سادساً: توقيت هذه الهجمات مرتبط بحالة المصالحة السوريّة التركية، ونستذكر هنا ما قاله بوتين إن سوريا في الأشهر القادمة ذاهبة لتصعيد خطير وهنا إذا فشلت عملية التطبيع سيكون هناك تطبيع علاقات بقوة السلاح من الطرفين.
سابعاً: توقيت هذه الهجمات مُرتبط بعدم تقديم حكومة دمشق تنازلات تُذكر بعد اتفاقيات الخطوة مقابل الخطوة التي تبنّتها الجامعة العربية ولعدم قبول التنازلات مقابل التفاوض مع تركيا.
ثامناً: توقيت هذه الهجمات يُذكّر بما جرى في العراق من حالة حرب مع إيران وتلتها الكويت ثم حالة حصار اقتصادي بعدها يكون الضغط العسكري وهذا ما يحدث الآن من خلال الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه كل السوريين باختلاف توزع مناطقهم ومن خلالها يتم فرض أمر واقع وعليه إذا ما كان هناك توافق دولي إقليمي من الكبار سنكون أمام حرب أهلية أو طائفية لأن من يقود المعارك هي الجماعات المتشددة، وسوريا تعيش حالة انقسام مناطقية وأي تأثير في هذه المناطق سينعكس على بنية المجتمع السوري ككل.
في خلاصة القول: الأزمة السوريّة طالت أكثر من اللازم، وبعد عدم الاتفاق على خطوات ملموسة من الجميع في قبول حل سوري ـ سوري وفي حالة الفراغ الأمريكي سنشهد تصعيداً خطيراً يُنذر بإعادة الأوضاع إلى نقطة البداية وتلعب تركيا في هذه الأزمة الدور الرئيسي.