نسرين شيخو
كما يحارب الشوك كل من يتجرأ على قطف الوردة، وكما يكتسي الجلد عظامنا، والجسد لا يحيا دون الروح، فإن آمال الشعب الكردي ورغباته وتطلعاته مرتبطة بهذا الشكل بحزب العمال الكردستاني، حيث إنهم وجدوا ذواتهم وتاريخهم الضائع والذي طُمِس على يد الأنظمة الاستعمارية في الحزب الذي تأسس تخليداً لذكرى الشهيد حقي قرار، لبعث رسالة للعدو بأن الكرد قادرين على تدمير القبر الذي أعده المحتل ـ كما توهم ـ لهم، ونتنفس المقاومة والسلاح مُنتصب على أكتاف قواتنا، وبخوضهم لمعركة البقاء والوجود والإعلان عن الهوية الكردية.
حزبٌ صانع لـ الجمال، النقاء، الإخلاص، الحياة، حزبٌ يخلق ويُبدع، شمخت به أرواحنا، وبعث فينا الحياة وصمم على نزع اليأس منّا، وبدّله بالإصرار وعشق الحياة، قدّموا شهداء بقدر أوراق الشجر إلا إنهم لم ينكروا هويتهم وأصرّوا على إنهم كُرداً وسيحيون كرداً ويموتون كرداً.
ست وأربعون عاماً مرّت لم تتمكن أكبر القوى في العالم من القضاء على هذه الحركة، وهل تخلّى “درويش” عن حب عدولته، حتى عندما كان يلتقط أنفاسه الأخيرة، ألم يمت مم هياماً ولوعاً بـ “زين”؟ ألم يخاطر بحياته عندما أعلن عن حُبه لها رغم إدراكه بأنه لن يحصل عليها، وستبقى حلماً وحسرةً في قلبه، وطيفها سيلاحقه في صحوته ونومه؟ وحال مقاتلو الكريلا لا يختلف عن قصص العشق الذي عاشه هؤلاء الكرد، لأنهم يرون في كردستان عدولتهم الكبرى وزيناً سيدفعون كل عمرهم في سبيل تحريرها لأنها تستحق.. لأنها كردستان الرقعة الجغرافية التي لا تنسى وتُفدى بالروح في سبيلها ولأن أعينهم لا تُبصِر سواها.
الصخور وسائدهم والحمل ثقيل، وبخطوات ثابتة مصيرية في الأيام الشاقة، بينما السلاح أثمن ما لديهم، ما يقارب النصف قرن والحركة تخوض حرباً حمراء، كالنهر تمكنت من تجاوز الجبل الذي يقف أمامها بتغيير مسارها (متجددةً)، مع الثبات على خيار المقاومة تطورت وتعاظمت، فهي انتفاضة التاريخ، وهي العشق والطريق الذي يقود لـ الحب.
من كمال بير، محمد خيري دورموش، عاكف يلماز، علي جيجك، مظلوم دوغان إلى عكيد “معصوم قورقماز”، نقشت الحركة أعظم أمثلة عن الإرادة الصلبة وعشق الحياة في صفحات التاريخ بإضرابهم عن الطعام، بإضرامهم النار بأجسادهم، بإطلاقهم أول رصاصة في جبين العدو، بهذه العمليات ساهموا في إبقاء الحركة على قدميها، ومنحوا للكُرد الحياة وساعدوهم على الشفاء والنهوض مجدداً بوجه العبودية المفروضة عليهم، رتبوا فوضاهم وكانوا بمثابة المواساة الحقيقية، بعد عُمرٍ طويل من إنكارٍ لهويتهم.
من لباسهم إلى سلاحهم إلى أسلوب حياتهم، أجزم بأنها من أجمل اللوحات الفنية التي شهدها التاريخ، وهل تقارن جدائل مقاتلاتنا التي تحمل بين خصلاتها قصص تعجز الأبجدية عن نقلها بلوحة لدافينشي (الموناليزا)؟؟ أما مقاومتهم بإرادتهم وارتباطهم العميق بأصلهم والاعتزاز بهويتهم ودمجهم للشجاعة والحكمة في قتالهم فهي رواية أخرى.. الحركة بحد ذاتها أعظم فن وفكرة.
عبروا الأنهار وهم يرددون أغاني تُعبّر عن افتخارهم بهويتهم الكردية، ملامسين بذلك النفوس والقلوب ببهجةٍ، أما تسلّق الجبال فأصبحت هوايتهم المُفضلة، في رحلة من الأمل والألم والبحث عن الحرية والسلام.. بهذا التعبير الصادق عن المشاعر الحيّة تجاه كردستان يخلقون الجمال من البساطة.
يقول الفيلسوف ديكارت “أنا أفكر إذاً أنا موجود”، أما بالنسبة لنا نحن الكرد فنقول “الكريلا موجودين.. إذاً نحن موجودين”، هم جغرافيتنا ووطننا الخاص، أذرعنا وأجنحتنا، ننتمي لهم، وهم الحب، ولهم الحب.