عبد الرحمن ربوع
إن البندقية المأجورة لا تصنع نصرًا، وإن صنعته فهو نصر زائف مؤقت لا يلبث أن يذهب أدراج الرياح حين يتوقف الممولون عن تمويل حملة السلاح ويقطعوا عنهم الرواتب والأعطيات، فبعد أن يجلس الكبار على طاولات التفاوض والسلام لا يكون من نصيب أولئك المرتزقة سوى الحسرة والندامة والتكلل بالخزي والعار. فجأة وبعد ست سنوات انتبهت المجموعات المرتزقة في إدلب وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) أن بإمكانها استعادة السيطرة على المناطق التي خسرتها خلال معارك مع قوات حكومة دمشق وحلفائها الإيرانيين والروس وحزب الله؛ وإن “اتفاق بوتين ـ أردوغان” يقضي بكون طريق الـM5 خطًا فاصلاً بين قوات حكومة دمشق في حلب المجموعات المرتزقة في إدلب، لكن ولأن قوات حكومة دمشق وحلفاءها “تمادوا” وخرقوا الاتفاق وتعمقوا لعشرة كيلومترات غربي هذا الخط، ووصلوا إلى حدود تفتناز وسرمين؛ فإنه يجوز للمرتزقة انتزاع حقها بالوصول إلى الضفة الغربية للـM5 !.
على مدى ست سنوات أو أكثر كانت مجموعات المرتزقة، بما فيها هيئة تحرير الشام، ممنوعة من خرق اتفاقات خفض التصعيد التي وقّعتها المجموعات نفسها (ما عدا هيئة تحرير الشام) في أستانة بقيادة الدكتور أحمد طعمة مهندس اتفاقات المصالحة والتسليم بين مجموعات المرتزقة وقوات حكومة دمشق في أستانة، وكانت القوات التركية باعتبارها (الضامنة لالتزام المرتزقة بالاتفاقات) تمنع بكل صرامة وحزم أي محاولات فردية أو جماعية لخرق اتفاقات أستانة، كما تلبي طلبات روسية متكررة في إدلب، وعلى رأسها طلب تحييد المجموعات المرتزقة. وبالفعل قامت هيئة تحرير الشام بإبعاد المرتزقة الروس عن خطوط التماس. كما أبعدت عناصر الحزب التركستاني الصيني بطلب من تركيا أيضًا وإرضاءً لروسيا.
صحوة مُتأخرة
على مدى ست سنوات اكتفت المجموعات المرتزقة بتنفيذ الانسحابات تلو الانسحابات من المناطق التي تسيطر عليها في إدلب وحلب واللاذقية وحماة بطلب من تركيا. في مقابل ضمان روسي بعدم شن قوات حكومة دمشق وحلفائها الإيرانيين وحزب الله أي هجوم شامل على إدلب. والركون لحل سياسي يُنهي الحرب الأهلية والأزمة السياسية. مع التأكيد على استبعاد المجموعات المتطرفة والإرهابية من أي مشروع حل وطني في سوريا.
واليوم وبعد شهور من الدعوات والاستجداءات التي أطلقها الرئيس التركي أردوغان لبشار الأسد كي يقبل التصالح معه، وفتح صفحة جديدة من العلاقات السياسية والدبلوماسية.. ومع الرفض المتكرر من قبل الأسد، الذي يركن هذه الأيام إلى مبدأ النأي بالنفس وتنويم كل القضايا العالقة ريثما تمر رياح الحرب الإسرائيلية العاصفة والكاسحة على دول وتنظيمات حلف المقاومة.. والتي قضت بشكلٍ كبير على كل من حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان. كذلك تهدد بحملات مشابهة على كل من فصائل المقاومة العراقية وجماعة الحوثي اليمنية.. وكذلك تهديد الجيش العربي السوري نفسه وحكومة دمشق ذاتها إذا ما قررا دعم أو مساندة حماس وحزب الله..
بعد كل ذلك يلجأ أردوغان للضغط من جديد على الأسد عبر السماح للمجموعات المرتزقة بشن هجوم على منطقة غربي الـM5 للرضوخ لمطالبه بالمصالحة بين أنقرة ودمشق مستغلاً ثغرة في تفاهمات بوتين – أردوغان في إدلب خرقها الأسد من قبل، وحان اليوم أوان “تصويبها”. ولا يكتفي بذلك بل يدفع بمرتزقة الجيش الوطني، وهي مجموعات مرتزقة تأتمر بأوامر المخابرات التركية والجيش التركي، وممولة منهما أيضًا في أتون المعركة نفسها لتقديم الإسناد والمؤازرة لهيئة تحرير الشام ومجموعات غرفة عمليات الفتح المبين في إدلب وحلب.
توقيت واسم لافتان
وبشأن توقيت الهجمات واسمها فقد اختار الأتراك “الاثنين”. “التوقيت” بعد مجزرة معتادة من قبل قوات حكومة دمشق نفذتها ضد مدرسة للعلوم الدينية في مدينة أريحا جنوب إدلب. وراح ضحيتها عدد من الأطفال والمعلمين، للإفادة من الدافع العاطفي والوجداني لدى عناصر المجموعات المرتزقة الذين ألِفوا الاضطجاع والدعة وربوا الكروش من المندي والبرياني، أما الاسم فهو “ردع العدوان” على وزن “نبع السلام” وغصن الزيتون”.. تلك الأسماء الخُلبيّة التي توحي بالأحقية والمصداقية فيما هي اعتداءات واحتلالات وجرائم حرب.
الدنيا مقلوبة في سوريا والأسد في موسكو
اللافت أيضاً أنه فيما الدنيا مقلوبة في إدلب، والمجموعات المرتزقة على مشارف مدينة حلب بدعم وتخطيط تركي.. يطير بشار الأسد بشكلٍ سري إلى موسكو ويلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولأن لا أحد يعرف، أو سبق أن عرِف، ما يدور بين الأسد وبوتين من مباحثات واتفاقات، فالواضح أن فحواها هو طلب المساعدة العاجلة. خصوصًا مع انكفاء إيران في سوريا وانحشارها في البوكمال وديرالزور، وعودة الآلاف من عناصر حزب الله اللبناني إلى لبنان بعد الضربات المؤلمة التي تعرض لها حزب الله على يد الجيش الإسرائيلي، وفقد الآلاف من عناصر ومسلحي الحزب بين مقتول وأسير ومعطوب ومدفون تحت الأنقاض وفي الأنفاق
لتجد قوات الجيش العربي السوري نفسها في موقف لا تُحسد عليه في إدلب وحلب، لدرجة أنه فيما قررت المجموعات المرتزقة الزحف نحو خط الـ M5 استجابةً لطلب أردوغان؛ وجدت نفسها تتخطاه وتصل إلى تخوم مدينة حلب في ساعات وتسيطر على أكثر من نصف المدينة خلال يوم واحد من بدء هجومها، دون أي مقاومة تُذكر مع غطاء جوي روسي خجول لقوات حكومة دمشق وتواجد رمزي للحرس الثوري الإيراني في المنطقة المستهدفة.
