د. طه علي أحمد
يقف مفهومُ “الأمة الديمقراطية” الذي يقدمه المُفكر عبد الله أوجلان عند نقطةٍ محوريةٍ بين الميتافيزيقا كأسلوبٍ يَنْبش عن الحقيقة في عُمق التاريخ الإنساني ويتجاوز حدود الزمن والأسلوب العلمي كونه أداة قادت الإنسانية إلى “التشيؤ” من خلال إسقاط الإنسان في أتون الهيمنة الرأسمالية والقضاء على القيم المتأصلة في جوهر الإنسانية.
والأمةُ الديمقراطية هي خُلاصة لامتزاج الفلسفة مع الميثولوجيا والدين، بل وحتى العلم رُغم الدورِ الذي يلعبه في ترسيخ وجود أنظمة الرأسمالية العالمية من خلال صياغة قوانين وآليات الربح، ومن ثم تكريس الحروب والأزمات التي مُنِيَت بها الإنسانية مثل الانقسام الطبقي ودمار البيئة والانفجار السكاني وغيرها وصولاً إلى إفلاس الاشتراكية العلمية ذاتها، ونتيجة لدور الأسلوب العلمي في هذه الأزمات، لم يُعَوِّل المفكر عبد الله أوجلان عليه كثيراً ولم يضعه على قمة تراتبية نسق الحقيقة كما فعل مع الميثولوجيا خلال رحلته الفلسفية التي قادته لمفهوم “الأمة الديمقراطية” كغايةٍ وسيطةٍ تقود إلى التعايش وتجاوز الحدود العرقية والمذهبية كما فعلت الذهنيةُ القومية التي كرَّستها الحداثة.
رُغم ذلك، لم تغفل هذه التراتبية أهمية الأسلوب العلمي ودوره في استكشاف المادة المُتَضمَّنة بداخل الإنسان، وإن كان ذلك لا يغني عن استشكافٍ موازي عن المعاني التي يصعب التوصل إليها في المختبرات العلمية القائمة على النسبية والتي لا تعترف بالقياسات المُطْلَقَة، وهو ما يُرَسِّخ ثنائية المادة والمعنى.
وعلى هذا، ففي حين انطوت الميثولوجيا كنهجٍ ميتافيزيقي على جذور الحقيقة الكامنة في عُمْق التاريخ الإنساني، باتت مُهمة إعادة تعريف وشرح الموضوعية التي يرفع رايتها دعاة الأسلوب العلمي بمثابة الفريضة الواجبة حتى يمكن مواجهة الرأسمالية وتجاوز آثارها.
غاية القول إن الطريق نحو الحل الديمقراطي وترسيخه في الذهنية الشرق أوسطية بات محتوماً بالتخلص من نَسَقِ الحقيقة القائم للأنظمة الرأسمالية والضامن لبقائها، والانتفاض على ذهنية تقديس الأسلوب العلمي كحلٍ أحاديٍ، بل وإعادة هيكلة العلم الذي يُمَكِّن من الدُنُوِّ أكثر من الحياة الحرة؛ تلك هي أُسُسِ الثورة الذهنية التي تتوق إليها الإنسانية لكسر قيود الرأسمالية والارتقاء نحو آفاق الحل الديمقراطي والانضواء تحت ظلال “الأمةِ الديمقراطية”.