عريفة بكر
تتعرض المرأةُ في الصراعات والحروب والأزمات والكوارث الطبيعية إلى الكثير من المعاناة والتحديات والصعوبات، فمع دخول الصراع عامه الثالث عشر في سوريا، والذي ما زال مستمراً، تجِد المرأةُ نفسها في خِضم تحدياتٍ كبيرة من الفوضى العارمة والنزوح الجماعي ودمار البنية التحتية من جرّاء هجمات الدولة التركيّ على المنطقة، وارتكابها جرائمَ يندى لها جبينُ الإنسانية من المجازر والتعذيب و الاختطاف وحرق الأشجار والتغيير الديموغرافي بتوطين عوائل المجموعات المسلحة وداعش بدلاً عن السكان الأصليين؛ حيثُ أدى إلى موجة نزوحٍ كبيرة، أثرت بشكلٍ سلبي و مباشر على حياة المرأة من جميع النواحي الصحيّة و النفسيّة والجسديّة.
وما زاد من معاناتها؛ فقدانها لفلذة كبدها أو أحد أفراد أسرتها، وفقدان شعورها بالانتماء، مما يُضعف الروابطَ الاجتماعية وصعوبة الاندماج مع البلد المضيف، فالنازحُ الذي يضطر لمغادرة مدينته والعيش في المناطق المحيطة بها يشعر بالغربة وعدم الاستقرار والأمان، وما يزالُ المُهجرون قسراً الذين استقروا في نواحي الشهباء وعفرين يتعرضون لهجمات الاحتلال التركي في مساحةٍ صغيرة محاصرة من قبل النظام السوري ومرتزقة الجيش الحرّ، وهم محرومون من أبسط حقوقهم.
وكما يعاني مهجرو عفرين، يعيش أهالي “سري كانيه وكري سبي” وجميع مناطق سوريا نفس المعاناة من جرّاء التهجير، ومن المؤكد أن النصيب الأكبر من هذه المعاناة والآلام كان من حصّة المرأة والأطفال وكبار السن، فقد عانوا الأمرّين ما بين مرارة النزوح والحصار، فألمُ فراق البلد والبيت والأرض والذكريات والتوجّه إلى حياةٍ غامضة ومستقبلٍ مجهول و مبهم مليء بالحسرة والحزن والعيش على أمل العودة فضلاً عن نظرة /البعض/ من المجتمع الجارحة المليئة بالشفقة والشعور بالنقص لاعتبار النازحين عالةً على المجتمع المُضيف، والمعاناة من فقدانهم لأبسط مقومات الحياة، دفعهم للهجرة وترك أوطانهم بشكلٍ كامل والتوجه إلى أوروبا، رغم المخاطر المحيطة بالهجرة والتعرّض للموت وصعوبة الاندماج مع ثقافة جديدة، واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية وحرمانهم من حقوق منصوصة في دساتيرهم والاكتفاء بحقوق بسيطة كما يُقال (قوت لا تموت). فالأعمال التي يعملون بها شاقةٌ وقذرة لا يعمل بها الأوروبي، ويضطر المُهجرون إلى تحمّل أعباء الغربة فيبقون محرومين من اللقاء مع عوائلهم، ويوماً بعد يوم يتعرضون للضياع والانهيار والأمراض النفسية، وربما وصل الأمر بالبعض إلى الانتحار.
إلى جانب كل هذا تعاني المرأة حالة من التشتت وضياع الهوية، فتبتعد عن ذاتها وعاداتها وتقاليدها، هذا ما يولّد عندها الإحساس بالوحدة وضعف الشخصية وهو ما يندرج في أحد أساليب العنف ضد المرأة، وأحياناً يؤدي بها الحال إلى أمراضٍ نفسية يصعب علاجها وتصل إلى حدّ الانتحار. أيضاً المرأة الشابة هي ليست بمنأى عن آثار النزوح السلبية، بل هي الفئة الأكثر تضرراً من النزوح، فهي تتعرض للحرب الخاصة كتعاطي المخدرات والدعارة، فتصبح عرضةً للضياع.
ولنسلط الضوءَ على وضع المرأة السوريّة في المخيمات، فالمرأة النازحة تعاني الكثير من التحديات أينما كانت، ولكن تزداد معاناتها في المخيمات في ظلّ الظروف الصعبة وشديدة التعقيد، حيث تعاني من بنية تحتية سيئة ونقص الاحتياجات اليومية والحرمان من التعليم، فأغلب المخيمات تعاني من نقصٍ في الخدمات الصحية والظروف الاقتصادية المتردية، وتتعرض النساءُ في أغلب الأحيان إلى الاستغلال، مثل الاغتصاب أو التحرش الجنسي أو الجسدي، لذلك تضطر الأسرة إلى تزويج الفتيات في سنٍّ مبكرة وإنجاب الأطفال بكثرة وتعرضهم لمشاكل اجتماعية وصحية، وهناك أيضا مشكلة تعدد الزوجات وزيادة مُعدلات الطلاق نتيجة الظروف الصعبة التي يتعرضنَ لها، مما يؤثر على حالتها النفسية كالاكتئاب وانفصام الشخصية.
وفي محاولة إحصاء عدد النازحين في سوريا، فقد بلغ عدد النازحين 6,8 مليون نازح داخل سوريا، وعدد المخيمات 1293 مخيم من بينها 282 مخيم عشوائي أُقيمت في أراضي زراعية لا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية، وأمّا على مستوى شمال وشرق سوريا فيوجد 17 مخيماً كبيراً للنازحين، بالإضافة إلى عشرات المخيمات الصغيرة في شمال وشرق سوريا، وتقطن النساء المهجَّرات قسراً من سبع مقاطعات بدءاً من الشهباء إلى الطبقة ومنبج وقامشلو وديرك، ووفقاً للمعلومات التي حصلنا عليها من مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية، هناكَ 16701 امرأة مُهجّرة في مخيم الهول في الحسكة و 8530 في مخيم “سري كانيه” و 4290 امرأة في مخيم واشوكاني و 3002 امرأة في مخيم عريشة و 849 امرأة في مخيم “روج” و 1093 امرأة في مخيم نوروز و 7359 امرأة في مخيم المحمودلي والطوحانية في الطبقة، و 3128 امرأة في مخيم تل السمن في الرقة و 1792 امرأة في مخيم منبج الشرقي الجديد و 1187 امرأة في مخيم منبج الشرقي القديم و 3157 امرأة في مخيم أبو خشب بدير الزور، هكذا يكون المجموع 51088 امرأة مُهجّرة في شمال وشرق سوريا، أما عدد النازحين الذين وصلوا إلى إقليم شمال وشرق سوريا 20,206 من الجنسيات اللبنانية والسوريّة من بينهم 6193 امرأة من الجنسية السورية واللبنانية.
طبعاً كل ما ذكرناه من عدد الإحصائيات تُّعدّ جزءاً بسيطاً من المعاناة التي تعانيها المرأة في المخيمات، ونتساءلُ دوماً: أين دور المنظمات الإنسانية والحقوقية وقوانين الأمم المتحدة المعنيَّة بحقوق الإنسان وحقوق الطفل؟! إذ لم نرَ سوى الصمت المُريب البعيد عن المعايير الإنسانية