رفيق إبراهيم
القضية الكردية وحلها في تركيا، تعود إلى الحرب العالمية الأولى، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، طالب الكرد في تركيا، بحكم ذاتي لهم في المناطق الكردية، وبخاصةٍ أن اتفاقية سيفر التي وقِّعت بين الدول المُنتصرة في العام 1920، والتي أكدت على وجوب حصول الكرد على حقوقهم المغتصبة في تركيا، لكن توقيع معاهدة لوزان عطّل بنود معاهدة سيفر، والتي تجاهلت وجود الكرد، لذلك قام الكرد بالعديد من الانتفاضات منذ بداية العشرينات وحتى منتصف الثلاثينات، كثورة الشيخ سعيد بيران في عام 1925، وديرسم وآغري.
وبعد القضاء على تلك الانتفاضات بوحشية لم يُسبق لها مثيلاً، كانت هناك فترة حوالي 35 عاماً، من الجمود نتيجة المجازر التي ارتكبتها الفاشية التركية بحق الكرد، ولكن الكرد لم يستكينوا لتلك السياسات القمعية، مع تصاعد النضال اليساري والشيوعي في تركيا، كان النهوض الحقيقي للكرد في العام 1978، بتأسيس حزب العمال الكردستاني، بقيادة الشخصية التي لن تتكرر في تاريخ الكرد، المفكر عبد الله أوجلان، الذي شكّل البُعد القومي للكرد ليس في تركيا فقط، بل على مستوى أجزاء كردستان الأربعة والشرق الأوسط أيضاً، فيما بعد. وكانت الانطلاقة الحقيقية للحزب عندما قام بقفزة 15 آب 1984، والتي شكّلت نقطة الفصل في بداية الثورة الكردية الجديدة، لإجبار الفاشية التركية الاعتراف بالقضية الكردية كقضية مركزية يجب الاعتراف بها وحلها، وعلى الرغم من ذلك لم تهتم الحكومات التركية المتعاقبة على سدة الحكم، بالقضية الكردية والسير في طريق حلها، وكانت تصف دائماً دفاع حزب العمال الكردستاني، عن حقوق الكرد بالعمل الإرهابي، وبأنها لا ترتبط بأية صلة بالكرد، هكذا كانت تُقنع نفسها.
الدولة التركية الفاشية تطالب دائماً بإلقاء حركة التحرر الكردستانية سلاحها، قبل الخوض في أيّة مباحثات بشأن حل المشكلة الكردية في تركيا، وبخاصةٍ بعد المؤامرة الدولية التي طالت مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في العاصمة الكينية نيروبي، في 15 شباط عام 1999، والذي لا يزال معتقلاً في سجن إمرالي، حيث تُفرض عليه عزلة مشددة، وكانت تركيا تأمل بأنه بأسر المفكر عبد الله أوجلان، سينتهي حزب العمال الكردستاني وحركة التحرر الكردستانية، ولكن اختطاف الفيلسوف عبد الله أجلان، لم يشفع لتركيا في مطالبة الكرد بحقوقهم، ولم تكن تتوقع بأن أسره سيُفيد القضية الكردية، بهذا الشكل اللافت، حيث كان لأطروحاته ومرافعاته وكتبه الأثر البالغ في تشبث الكرد بحقوقهم بشكلٍ أكبر.
المفكر عبد الله أوجلان، اليوم أصبح رمزاً من رموز الكرد التاريخيين، حيث يتبنّى أفكاره الملايين من الكرد، وأيضاً الأحرار حول العالم، حيث جعل من إمرالي مركزاً للفكر الحر الذي يُعنى بحل كافة القضايا العالقة في المنطقة، واستمرار فرض العزلة المشددة عليه، جريمة إنسانية بكافة المقاييس، وترفضها جميع القوانين والمواثيق الدولية، وبخاصةٍ إن الأمم المتحدة أصدرت في عام 1955 قراراً يمنع تطبيق سياسة العزل على المعتقلين، وبخاصةٍ السجناء السياسيين، وهناك وبعد التعديل “قواعد نيلسون مانديلا” عام 2015، وعلى الرغم من توقيع تركيا على تلك القوانين لكنها ترفض تطبيقها في قضية الفيلسوف عبد الله أوجلان.
الدولة التركية الفاشية ترتكب جريمة كبيرة بحق المفكر عبد الله أوجلان، بفرض ما يسمى بالعقوبات الانضباطية بحقه، وهي تُدرك تماماً بأن مفاتيح الحلول في تركيا والمنطقة أيضاً بيده، وبقاءه خارج دائرة عملية الحلول، سيؤدي إلى تفاقم المشاكل الداخلية والخارجية في تركيا والشرق الأوسط على العموم، وعلى العكس تماماً التفاوض معه هو الحل الأسلم لتعافي تركيا وتجاوزها مراحل الأزمة التي تعانيها داخلياً وخارجياً، وعلى تركيا أن تُدرك ذلك قبل فوات الأوان.