روناهي/ حمزة حرب ـ تحاول دولة الاحتلال التركي منذ سنوات، تحقيق أهداف سياسية خارجية بشكل أكثر كثافة من المعتاد، إلا أنها لا تملك القوة أو الإمكانات، أو الوسائل لتحقيق أهدافها وأطماعها الخارجية، سواء في ليبيا، أو في البحر المتوسط، أو في سوريا، والعراق، وباشور كردستان، وهذا يعني أن أردوغان يورّط بلاده ونظامه في مواجهة قوى دولية عديدة دون تحقيق أي نتائج إيجابية كما يدعي.
من المعلوم أن الأنظمة المنخرطة في حروب ونزاعات متعددة حول العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، تسعى لتكثيف حضورها، سواء على الصعيدين السياسي أو العسكري، تصويباً لمسار الفشل الداخلي في بلادهم، وعلى رأس هذه الأنظمة نظام دولة الاحتلال التركي، الذي تعرض لعددٍ من الانتكاسات الداخلية، من تزوير نتائج انتخابات أو تردّي الأوضاع الاقتصادية، وغيرها من المشكلات الكبيرة الداخلية، التي يحاول أن يصدرها إلى الخارج.
سياسات متخبطة
بعد أن تربّع الحزب الحاكم التركي لعقود على عرش الطورانية التركية، وكان يعد بمستويات اقتصادية متطورة جدا، ما لبث أن هبط هذا الحزب وحدثت فيه نكسات سياسية ليس أهمها استقالة أحمد داوود أوغلو وزير خارجية دولة الاحتلال الأسبق، إضافة إلى خسارة الانتخابات المحلية البلدية في أهم المدن التركية الكبرى، كإسطنبول، وأنقرة، وإزمير.
من هذه العوامل كلها، حاول من خلالها رئيس نظام دولة الاحتلال رجب أردوغان الهروب إلى الأمام فالجميع يعلم ماهية الدور التركي في سوريا والعراق، وليبيا، والعداء مع مصر، والإمارات، والسعودية، وتدني العلاقات بينه وبين أنقرة وموسكو، وواشنطن، هذه التجاذبات دفعت أردوغان إلى إعادة إحياء الطورانية سواء مع أذربيجان، أو كازاخستان، ودول الجوار.
لم يتوقف الأمر هنا، فامتد الهروب من الأزمة الداخلية، لأن تعبر البحر المتوسط؛ الأمر الذي نقل الموضوع إلى الأمم المتحدة بعد الخلاف التركي، وشبه جزيرة قبرص، واعتماد مشاريع مد الغاز سواء مشروع الغاز الجنوبي أو مشروع تاب، أو مشروع تاناب الأخير لإيصال الغاز إلى أوروبا الذي قد يخلق أزمة مع روسيا. فاعتمدت هذه الدول الذهاب خارج دولها، وتنشيط السياسة الخارجية على حساب الوضع الداخلي المتأزم في بعض هذه الدول، قد يخفف من حدة الأزمات على المدى المنظور، لكن على المدى البعيد، سيخلق بيئة مواتية لخصوم تلك الدول، ولمعارضتها الداخلية.
فسياسة الأنظمة الطورانية في العصر الحديث لم تعد تجدي نفعاً خصوصاً مع التخبط الكبير الذي منيت به على الصعيد الدبلوماسي والعلاقة مع الحلفاء، والأعداء على السواء، وعدم اتضاح الرؤية المناسبة للخروج من مأزق أزماتها الداخلية وعوضاً عن التفاتها لحلها تحاول هذه الأنظمة تصديرها إلى الخارج ظناً أن ذلك سيشكل طوق نجاة لكن ذلك يعدُّ فشلاً متراكماً في عالم السياسية الحديث.
وربما يجبرهم على تغيير واقع الحكم والقطبية المتبعة، كما حدث في الانتخابات التركية المحلية، إذ لا يهم أي شعب في العالم ما يحدث خارج حدود بلاده، طالما أن الجوع يدق بابه، فالسياسات الخارجية أثبتت فشلها على الرغم من قدرتها على تدمير الدول والاستفادة من ذلك.
اقتصاد متهاوٍ
على الصعيد الاقتصادي فسياسات نظام دولة الاحتلال التركي جعلت مستويات التضخم مرتفعة جداً، وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع الأسعار وتراجع الإقبال السياحي، وهو العامل الأهم لزيادة المعروض من النقد الأجنبي، وتحقيق توازن السوق، وهو ما ينذر باستمرار تهاوي سعر الصرف.
إلى أن معدلات التضخم، وصلت لأكثر من 79% وهذا مؤشر خطر على الأسعار ومعيشة الأتراك، وكذا على عدم جدوى السياسات الاقتصادية والخطة الحكومية، أو تأخر انعكاسها على الأرض، على أقل تقدير، لأن الطمأنة والوعود رأت أن يرى المستهلك انفراجاً، لكن على أرض الواقع هناك مزيد من تراجع سعر العملة، وارتفاع معدل الأسعار.
لأن نظام دولة الاحتلال راهن على الأموال التي دخلت تركيا، وعوّل عليها إلا أنها كانت سياسة “عقيمة وغير منتجة” حسب خبراء اقتصاديين؛ لأنها دخلت السوق تحت إغراء سعر الفائدة المرتفع “50%”، غير مستبعد انسحاب تلك الأموال “المضاربة” عند تغير المؤشرات الاقتصادية، لأنها لم تدخل باستثمارات صناعية أو زراعية، بل في قطاعات مالية وخدمية، ما سيزيد من أزمة الليرة بحال انسحابها.
أيضاً من جملة العوامل التي تعد انتكاسة حقيقية فمن الطبيعي أن يتراجع سعر صرف العملة التركية من جراء ما يصفونه بـ”الصراعات الداخلية”، وعدم انعكاس خطط وزارة المالية في النظام التركي على الأرض، بل على العكس تم رفع أسعار الطاقة وتكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي، ما رفع أسعار المنتجات الاستهلاكية على المواطن التركي.
وأثر ذلك على قدرة الصادرات على المنافسة بالأسواق الخارجية، لتدخل البلاد نتيجة السياسات الخاطئة في “أزمة اقتصادية متدحرجة” منطلقها التضخم، ومنتهاها تراجع نسبة النمو، لتكون معيشة المواطن فيما بين حدي الأزمة، التي ستتولد عنها أزمات اقتصادية واجتماعية من جراء تراجع مستوى المعيشة، وارتفاع نسبة البطالة. وكان رئيس اتحاد نقابات العمال الأتراك، إرغون أتالاي، قد بين في تصريحاتٍ إعلامية إن البلاد تواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخها، مشيراً إلى أنها تختلف عن أزمات 1994، و2001، و2008. وأضاف أتالاي أن التعامل مع العمال، وكأنهم عبيد لن يؤدي إلى إصلاح الاقتصاد، محذراً من أن العمال لن يقبلوا بأن تكون تكاليف الإصلاح الاقتصادي على حسابهم، وداعياً الحكومة إلى الكفّ عن هذه الممارسات.
وأشار أتالاي إلى أن 20% فقط من الشعب التركي يعيش برفاهية، في حين أن الـ80% الباقي يتحمل العبء الأكبر للأزمة الاقتصادية فالحد الأدنى للأجور الحالي لا يكفي لتغطية احتياجات العامل لمدة أسبوع واحد فقط، مما يعكس عمق المشكلة الاقتصادية، التي تعاني منها تركيا، وإن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى المزيد من المعاناة للعمال والفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع.
عامل آخر لتهاوي الاقتصاد التركي وهو إحجام رأس المال العربي عن قطاع العقارات خصوصاً بعد حملات العنصرية، التي غذاها النظام التركي ضد السوريين والخليجيين. لذا؛ بات السياح ورؤوس الأموال يصنفون تركيا على أنها بلد غير آمن للوافدين ما سبب أيضاً تراجع معروض الدولار بالسوق، فقطاع العقارات هو الرافد الرئيسي للاقتصاد التركي بينما اليوم يشهد هذا القطاع حالة جمود بعد نشاط وإقبال وارتفاع أسعار على مدى السنوات الخمسة الأخيرة.
سياسة تصدير الأزمات إلى الخارج
الساحة الداخلية في تركيا يسودها ارتباك سياسي واقتصادي، فضلاً عن تأزم الوضع الصحي جراء فشل نظام أردوغان في إدارة هذه الأزمات، التي شكلت معاناة سياسية واقتصادية تعاني منها تركيا لذا بات حزب العدالة والتنمية وزعيمه رئيس نظام دولة الاحتلال التركي رجب أردوغان يسعيان لتصدير أزمات أنقرة الداخلية إلى الخارج عبر التدخلات العسكرية في دول المنطقة، وذلك لإشغال الرأي العام التركي عما يحصل من تدهور سياسي واقتصادي في الداخل التركي.
إن نظام أردوغان حسب مراقبين يسبح الآن في بحر من الأزمات الداخلية، التي يحاول الهروب منها عبر تصديرها إلى الخارج بالتدخل العسكري في سوريا وليبيا والعراق، وذلك لتحقيق هدفين، الأول خدمة أطماعه ومشروعاته التوسعية المشبوهة في دول المنطقة العربية، والآخر إلهاء الشعب التركي وصرف نظره عن الأزمات الداخلية الطاحنة التي تعاني منها تركيا.
على المستوى السياسي، تشهد الساحة السياسية في تركيا توترات وخلافات حادة، ووصلت العلاقة بين أردوغان وأحزاب المعارضة إلى طريق مسدود، فضلاً عن تصدع حزب العدالة والتنمية الحاكم، وتراجع شعبيته وشعبية زعيمه إلى أدنى مستوى وفق نتائج استطلاعات الرأي، الأمر الذي دفع أنصار أردوغان إلى الترويج لمقترح تغيير قانون الانتخابات الرئاسية، ليتم انتخاب الرئيس في الجولة الأولى بحصوله على (40%+1) بدلاً من (50%+1)، وهو المقترح الذي يمكن أردوغان من البقاء في السلطة لأطول وقت ممكن.
سياسات أردوغان تسببت في أزمات اقتصادية طاحنة يئن منها الشعب التركي، ويكفي الإشارة إلى فشل أنقرة في الحصول على قروض مالية عاجلة لتسديد ديونها الخارجية المستحقة لهذا العام، وهي حوالي 180 مليار دولار وكل تلك الأزمات يستغلها أردوغان لتحقيق مصالحه وأهدافه الشخصية عبر عودة النشاط التركي خارج الجغرافية التركية.
وهذا ما يلاحظ من التدخلات التركية في الشمال السوري، وكذلك استهداف عمق باشور كردستان والعمق العراقي ككل إلى جانب التدخل السافر في العملية السياسية والواقع الأمني في ليبيا، فأردوغان بحسب ما يؤكده متابعون يحكمه حلم اليقظة بعودة أمجاد الدولة العثمانية، وسلطانها وهو ما ولّد لديه هوساً اسمه استباحة سيادة الدول وحرمة أراضيها.
ففي سوريا أوضح الأمثلة على الأطماع التركية، فقد بدا واضحاً أن تحرّكها فيها يرمي إلى السيطرة طويلة الأمد، فهي تواصل تعزيز نفوذها بشتى الوسائل في شمال سوريا، من خلال استراتيجية تعزيز وجودها العسكري والتدخل في جوانب الحياة المدنية والاقتصادية والأمنية والتعليمية والثقافية، والعمل على تتريك المنطقة، تمهيداً لضمها حين تحين ظروف ملائمة في المستقبل.
في عفرين التي احتلتها دولة الاحتلال التركي عملت تركيا على إجراء تغيير ديموغرافي في المنطقة من خلال استبدال السكان الكرد أبناء المنطقة بآخرين نزحوا من مناطق استعادتها حكومة دمشق من الجماعات المدعومة من أنقرة وفق مسارات وصفقات، ومقايضات ما سمي بمسار “أستانا “.
وفي اعتداءاتها للسيطرة على الشمال السوري اتبعت سياسية ممنهجة لبسط نفوذها شملت سياسة التتريك الكتب المدرسية ولافتات الطرق والمؤسسات، التي باتت تنطق باللغة التركية، وإنشاء فروع جامعية وترويج بضائع تركية والتعامل بالليرة التركية عوضاً عن السورية بل تعدى ذلك الحد لأن وصل إلى اتباع هذه المناطق بالولاة الأتراك في المناطق القريبة من الحدود السورية.
ضياع البوصلة
وفق ما مر به نظام دولة الاحتلال من تخبطاتٍ ومطبات حولت الشعار، الذي رفع سابقاً “صفر مشاكل” إلى 100% مشاكل وعزلة، والذي وضعه داوود أوغلو الذي همّشه أردوغان مثلما همّش شخصيات بارزة أخرى، ومنهم رئيس النظام السابق عبد الله غول، والقيادي في الحزب علي بابا جان والذين شقوا طريقاً مغايراً لطريق أردوغان الذي عوضاً عن أن يصفر مشاكله مع جيرانه، وفي الداخل صفر علاقاته وحول البلاد الى حكمٍ عائلي بعد مسرحية انقلابه المزعوم عام 2016.
إلى جانب تحركات دولة الاحتلال الخارجية وأطماعها بثروات المتوسط التي أثارت مشاكل واعتراضات أوروبية ودولية مستمرة، فالعديد من التحليلات تؤكد أن تركيا لا تملك القوة أو الإمكانات لتحقيق أطماعها الخارجية، سواء في ليبيا أو في البحر المتوسط، لافتةً إلى أن سياسات أردوغان فرضت على أنقرة عزلة دولية وإقليمية متزايدة.
كما أن تركيا تحاول منذ سنوات، تحقيق أهداف سياسية خارجية بشكل أكثر كثافة من المعتاد، إلا أنها لا تملك القوة أو الإمكانات، أو الوسائل لتحقيق أهدافها وأطماعها الخارجية، سواء في ليبيا أو في البحر المتوسط أو حتى في سوريا والعراق وباشور كردستان، وهذا يعني أن أردوغان يورّط بلاده ونظامه في مواجهة قوى دولية عديدة دون تحقيق أي نتائج إيجابية كما يدعي.
لذا؛ باتت السياسية التركية الرامية لتحقيق أهداف خارجية من طرف واحد غير مجدية، لأن أنقرة تحتاج إلى الشركاء الدوليين لتحقيق ما تريد، في حين أنها باتت معزولة دولياً بشكل متزايد وما سيكسر هذه العزلة هو عودة تركيا لحجمها الطبيعي وتحقيق سياسة حسن الجوار، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الالتفات لحل العقد المستعصية والقضايا الداخلية في البلاد والابتعاد عن سياسة العداء ودعم المخططات الخبيثة في الخارج، والتي لن تجلب للبلاد إلا المزيد من الويلات حسب مختصين في الشؤون التركية والشرق أوسطية.