د. طه علي أحمد
يُمَثِّل الدينُ أحد أضلاع مُربع نَسَقِ الحقيقةِ الذي اتبعه المُفكر عبد الله أوجلان في أطروحاته التي قامت على المنهج النقدي في عالمٍ غارقٍ في غياهِب عُبودية الحَداثة المُرتكزة على فلسفات الغرب الوضعية، والتي دَأبَت على إضعاف القدرةِ النقديةِ وتجميد الذِهْنية الجَمْعية لشعوب الشرق الأوسط، وهو ما يجعل الطَرْحَ الأوجلاني بمثابةِ ثورةٍ ذهنيةٍ نقديةٍ ضد ما اعتُبرَ لآلاف السنين مُسلماتٍ غير قابلةٍ للاقتراب أو النقد.
والدين كَنسَقٍ ميتافيزيقي، لا يقتصر على السلوكيات والممارسات الطقوسية المُمَثَّلة في العبادات والعقائد، يَعْتَبره المُفكر عبد الله أوجلان مِنْظارا يرصد من خلال مسيرة التاريخ الإنساني وتطوره التي تجذَّر خلالها الأسلوب الديني في أنماط تشكَّل العقلُ الإنساني، باعتباره كلامَ الآلهةِ المُتَربِّع فوق الطبيعة والمجتمع يترتب على مُخالفَتِه “بِئْسَ المَصير”.
وكَمُفَكِّرٍ عُضوي نابِع من عُمْق بيئة الشرق الأوسط، فقد وجد أنه في حين استُخدِم الدين لإغراق الإنسانيةِ في خِضَمّ العبودية تحت حكم المُتَقمِّصين قِناع الرب لتتحول الحياةُ معهم لقحطٍ شديدٍ طيلة العصور الوسطى، إلا أن الأسلوب الديني قطع شوطاً كبيراً نحو تأصيل الأخلاق في المجتمع لتمييز الإنسان عن عالم الحيوان وتشكيل أرضية صَلْبةٍ للتطور الأخلاقي، وقد مَهَّد ذلك الطريق للدعوة إلى ما يسميه المُفكر أوجلان بـ “المجتمع الأخلاقي”، فعلى مَر آلاف السنين وقف الدين، بجانب الفلسفة والميثولوجيا، مًتصَدياً للعناصر الرأسمالية مثل المُرابِين، والمُضارِبين، والمنتفعين من فوارقِ الأسعارِ والمُتلاعبين بها، بل لم تعترف بشرعيتها وظلَّت تنبذها، وهو ما يؤكد الطبيعة الثورية والأخلاقية للدين، ولعل في ذلك ما يفسر استخفاف الفلسفات الوضعية بهذه المقاربات الثلاث، وتربُّص قوى الحداثة وما بعد الحداثة ضد الأخلاق والميتافيزيقا.