رفيق إبراهيم
أعاد الشعب الأمريكي، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلى سُدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، عبر انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، ما أثار ردود أفعال إيجابية وسلبية في آنٍ واحد، وردود الأفعال هذه تعتمد على تجربته السابقة التي بدأها في العام 2016 وانتهت في العام 2020، حيث قسمت سياساته الأمريكيين بين مؤيد ومعارض للسياسات التي تبناها خلال فترة رئاسته تلك.
وحتى في سياسة ترامب مع إيران العدوة اللدودة لواشنطن ظاهرياً، انقسم الأمريكيون حيالها إلى قسمين، فمثلاً ترامب فسخ الاتفاق النووي الذي وقّعه سلفه باراك أوباما مع طهران، في العام 2015، حسبه الأمريكيون الذين وقفوا مع ترامب بالجيد، أما من خالفه فقدروه بالسيئ، ولكن اليوم تغيرت المعالم في المنطقة، وليس من الواضح إن كان ترامب سيمارس السياسات نفسها التي كان يتخذها إبّان حكمه السابق لأمريكا، ولكنه بالتأكيد سيحافظ على المصالح الأمريكية الخارجية، على أن تكون أولى الأولويات بالنسبة له.
قضايا وصرعات هامة تنتظر الولاية الجديدة
ففي الأوقات التي يستعد ترامب باستلام دفة الحكم للمرة الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية، تنتظره قضايا هامة وصرعات وحروب في المنطقة والشرق الأوسط والعالم، وبخاصةٍ ما يحدث في غزة ولبنان وأوكرانيا، والصراع بين إسرائيل وإيران، والأوضاع الأخرى العصيبة في المنطقة بشكلٍ عام، تلك التي يجب أن توضع لها النهاية، بشكلٍ أو بآخر، وهي ستكون في صُلب السياسة الخارجية الأمريكية، وبحسب تصريحات ترامب بعد الفوز بالانتخابات الرئاسية، سيكون لهذه القضايا حيزاً هاماً في سياساته القادمة.
وعلى رأس أجندات سياسة ترامب الخارجية كيفية التعامل مع إيران، التي تمر في هذه الأوقات بأزمة داخلية عميقة، وبخاصةٍ أنها لم تحقق سوى الفشل في استغلال الحروب في المنطقة لصالحها، رغم تدخلها في دول المنطقة كسوريا والعراق، وفي الآونة الأخيرة في حرب غزة وما يحدث في لبنان، وباعتقادي أن الامتحان الحقيقي لترامب سيكون في كيفية التعامل مع إيران ومع قضايا المنطقة الأخرى، وإيجاد الحلول لها.
وفي ظل الفترة الرئاسية المقبلة لترامب، على إيران إعادة النظر في الكثير من القضايا التي تتعلق بسياساتها الخارجية، وبخاصةٍ أن أذرعها في المنطقة تلقت ضربات موجعة، لن تستطيع القيام منها على المدى القريب، وقد تخسر حلفائها في المنطقة بشكلٍ نهائي، وبخاصةٍ حزب الله اللبناني، الذي بات اليوم في مرحلة الإنعاش وقُرب النهاية، بعد القدرة التي أظهرتها إسرائيل على تفكيكه، حيث دمرت قدراته المالية والاقتصادية والعسكرية بشكلٍ شبه نهائي.
وكلنا يعلم كيف تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية، مع إسرائيل، حيث أن السياسية الأمريكية تجاهها، لا تتغير أياً كان سيد البيت الأبيض، إن كان من الديمقراطيين أو من الجمهوريين، وهناك خطوط عريضة لتلك السياسة لا يمكن تخطيها، ولاحظنا كيف تعامل جو بايدن مع الحرب في غزة بين حماس وإسرائيل، وكيف انحاز بشكل كامل إلى جانب إسرائيل، وسيُسير ترامب في المنحى نفسه؛ لأن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية مبنية على أساس المصالح المشتركة في المنطقة، وليس من الوارد أن يغير ترامب من تلك السياسة في التعامل مع إسرائيل، على المدى المنظور.
وقد يكون لإيران مصلحة فيما يحدث في المنطقة، لأنها لا تُحبذ انتقال الحرب إلى الداخل الإيراني، وبخاصةٍ الحرب على حزب الله، وهي تدعم الحزب من أجل دفعه لارتكاب المزيد من الأخطاء، والهدف تدمير لبنان، وهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد ذلك، ولعلنا نتذكر الخطاب الأخير للأمين العام الجديد لحزب الله نعيم قاسم، عندما قال: “سنتابع الهجمات على إسرائيل وسنرد عليها”، وهذا يعني المزيد من الدمار وبخاصةٍ على القرى والبلدات الحدودية مع إسرائيل، وكلنا يعلم بأن من يقوم بقيادة حزب الله اللبناني، هم من قيادات الحرس الثوري الإيراني، وإيران بهذه الطريقة تحاول كسب المزيد من الوقت، لإعادة ترتيب أوراقها التي احترقت معظمها في المنطقة.
إعادة التوازن إلى الشرق الأوسط والعالم
ومن القضايا الهامة والمُعقدة الأخرى التي ستواجه ساكن البيت الأبيض الجديد، إخراج العراق من تحت عباءة ولاية الفقيه التي تمسك بزمام السلطة في بغداد، وتديرها كيفما شاءت، وعمل على كيفية جعل العراق خط الدفاع الأول عن إيران، وفي هذا الجانب سيحاول الرئيس الأمريكي الجديد وفريقه، عمل المستحيل للحلول دون السقوط النهائي للعراق ليكون لعبة بأيدي نظام الملالي في طهران، وهذه قضية مهمة ستكون على جدول أعمال الحكومة المُقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل المشهد المعقد في الشرق الأوسط، فأن الأشهر المُقبلة وبعد تسلم ترامب لمقاليد الحكم في أمريكا، سيحاول إعادة التوازن في المنطقة والعالم، وبخاصةٍ في سوريا والعراق، وتركيا وتدخّلاتها في المنطقة، بما لا يؤثر في علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل، ونحن نعلم بأن هناك رغبة إسرائيلية في متابعة الحرب في غزة ولبنان، وأيضاً توجيه الضربات القاصمة على الحوثيين في اليمن، وحزب الله والميليشيات الإيرانية وقواعدها في سوريا، والعراق أيضاً، وسيكون هناك توافق بوجهات النظر بين أمريكا وإسرائيل في هذا الجانب.
القضايا في الشرق الأوسط سيكون لها حيزاً كبيراً في سياسة حكومة ترامب القادمة، ولكن هذا لا يعني إنه لن يتدخل في قضايا أخرى مهمة؛ لأن هناك قضايا لا تقل أهميةً من قضايا الشرق الأوسط والمنطقة، هناك الصين المارد الآسيوي القادم بقوة للسيطرة على الاقتصاد العالمي، والقضايا الداخلية ستكون لها أهمية بارزة في سياسة ترامب في الأربع سنوات المقبلة، ومن أهمها قضية الهجرة الغير شرعية والحد منها، وأيضاً الحرب الروسية الأوكرانية سيكون لها أهمية كبيرة في سياسات ترامب المقبلة، وسيحاول قدر الإمكان حلها بأقل الخسائر الممكنة، وقد يقلل ترامب من دعمه لأوكرانيا مادياً وعسكرياً ما يثير مخاوف الأوروبيين، على صمود أوكرانيا أمام روسيا.
فالحرب الروسية الأوكرانية، تزداد تعقيداً، في ضوء معلومات مؤكدة عن وصول قوات ومعدات عسكرية كورية شمالية لروسيا، وأيضاً قرار بايدن بالموافقة على استخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى وللمرة الأولى من قبل أوكرانيا، ما يزيد من فرص المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، وتعقيد المشهد في الحرب الروسيّة الأوكرانية، وعند ذلك على ترامب التدخّل باعتبار أن كوريا الشمالية من الأعداء اللدودين لأمريكا، ما سيؤثر على العلاقات بين أمريكا وروسيا أيضاً، ومن الممكن حدوث مواجهة غير مسبوقة بينهما.
الرئيس الأمريكي الجديد – القديم، دونالد ترامب سيكون أمام العديد من الامتحانات في القضايا المُعقدة في المنطقة والعالم، ولكن ما يهمنا في إقليم شمال وشرق سوريا، أن تُساهم هذه السياسيات في حل الأزمة السوريّة، وإيقاف الهجمات التركية المستمرة على الإقليم، ودعم الإدارة الذاتية، وقوات سوريا الديمقراطية، بما لا يدع مجالاً لعودة داعش والإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وحل القضية الكردية حلا سلمياً عادلاً، بما يساهم في حل عموم قضايا المنطقة العالقة.