د. علي أبو الخير
إن مفهوم الأمة الديمقراطية كما فهمناه من مؤلفات وكتب المفكر عبد الله أوجلان مفهوم مرتبط بالهوية الإنسانية؛ ليكون التعايش المشترك داخل نطاق جغرافي وتعددية مسامحة، ويكون هو السبيل الذي يمنع الحروب؛ وهنا تنشأ الأمة الديمقراطية ذات هوية شاملة تجمع ولا تفرّق.
ومفهوم الأمة لا يقضي على الهوية ولا يستغلها؛ كما هو رأي الدكتور محمد علي صلابي في موقع الجزيرة؛ ولكنه رأي كما نرى غير مستوفي أركان الهوية بصورةٍ عامة؛ وعليه نحاول الوصول للهوية الحقيقية؛ من خلال مصطلحي (أنا ونحن).
الهوية… أنا ونحنُ
يرى علماء الاجتماع والمؤرخون الباحثون عن”هوية نحنُ – أنا” بأنه لا توجد هوية “أنا”من دون هوية” “نحن”، لأن الهوية تخرج عن عملية تاريخية وحضارية؛ تنتقل بالبشرية من الهيمنة الشمولية لنحنُ إلى حالة متقدمة للتفرّد، فالمجتمع يتكون من ممارساتنا وعلاقاتنا المتبادلة، وهذه العلاقات”حرّة”، فهي ليست قوى طبيعية، لا يوجد الفرد إلا في مجتمع، ويتوقف التفرّد على نمط التنظيم الاجتماعي، ولقد فرضت الدولة -الأمة نفسها بالتدريج كصبغة غالبة لنحن المجتمعية؛ فإنه وتأسيساً على المقاربة الفلسفية، تُعبِّر الهوية عن حقيقة الشيء المُطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية التي تميّزه عن غيره، كما تعبِّر عن خاصية المطابقة، أي مطابقة الشيء لنفسه أو لمثيله، وبالتالي فالهوية الثقافية تكون بالقدر الثابت والجوهري من السمات والقسمات العامة التي تميّز حضارته عن غيرها من الحضارات .
ولقد تعددت النظريات السياسية والتاريخية والفلسفية حول الهوية وعلاقة الأنا بنحن، وهو أمر تطول الكتابة فيه وعنه، ولكن الهوية في نظرية المفكر عبد الله أوجلان أوسع وأشمل وأوفى، لأنه ربط الهوية بنظريته العلمية (الأمة الديمقراطية)، كما ربط بين الدين والهوية، كما سنرى.
الهويّة من المنظور الديني عند المفكر عبد الله أوجلان
هنا ندرك الفرق بين ما طرحه علماءُ الاجتماع وغيرهم من الفلاسفة؛ بالمقارنة بما طرحة المفكر عبد الله أوجلان؛ لأنه أولاً حدد هوية الأمة الديمقراطية من منظور إنساني؛ ولم ينسَ الدين كأصل ضروري في تشكيل الهوية وفرز الضمير.
ومن خلال كتبه ومؤلفاته ومقالاته المتعددة، مثل الأمة الديمقراطية ومانيفستو الحضارة وموقع الحوار المتمدن (مقال ظاهرة الأمة وتطورها) وغيرها؛ نجد أن المفكر عبد الله أوجلان يرى أن هوية المجتمع في الأديانِ التوحيدية؛ هي الدين والإله بالذات، حيث يستحيل تَصَوّر المجتمع منفصلاً عن الدين، أو الدين منفصلاً عن المجتمع.
لذا، فإنه يقول إن حصيلةَ هذه العلاقة، بالمستطاع هو تعريف الدين وإلهه، بأنهما أحدثا توعية المجتمع بصددِ وجود الإله الذاتي وكينونتِه، فمعرفة المجتمعات الإسلامية مثلاً يندر فيها فصل الدين عن الذات الإلهية، كما أن الدين أحدثَ وعياً كاملاً في فهم العدل الإنساني، وبصفة عامة يمكن القول إنه ضمن نطاق الوعي الديني الذي تعتنقه .
تعدّد الهويات عند القائد عبد الله أوجلان.. وولادة الأمة الديمقراطية
يرى المفكر عبد الله أوجلان أن ثمة انتماءات أخرى أيضاً، كالهويةِ السياسية، والهويةِ القَبَلية، والهويةِ الطبقية والهويةِ الفكرية، لكن جميعها مصبوغةٌ بطابعِ الهوية الدينية، كهويةٍ عامة، لأن أيُّ مجتمعٍ أو جماعةٍ أَكُونُهُ أنا؟ إنهاَ التحقيق في الهوية.
ثم شرّع المفكر عبد الله أوجلان وشرح أن مفهوم الأمة الديمقراطية يولد من خلال هوية تحررية؛ لكن ما حدث من حروب؛ منع أي محاولة لفكرة مسامحة جديدة؛ لأن ولادة الأمةِ، تكون – كما يرى- من خلال تنامي السوق وتصاعُد العلاقات والأواصر الاجتماعية؛ ونفهم أنه يقصد النظام الرأسمالي، وهوية السوق تنبع من الفكر الاحتكاري، وهو ما يرفضه بصورةٍ واضحة، فهو يبحث عن العدل الكامل بصيغة الفرد وبصيغة الجماعة، ولقد ظهرت لديه فكرة الأمة الديمقراطية، من خلال نقد فكرة الأمة الأوروبية، لأنها كانت ولادة مشوّهة؛ يقول: إذن، والحالُ هذه، فالأمة ظاهرةٌ أو مجموعُ علاقات اجتماعية ملتفة حول الوعي القبائلي + الوعي الديني + السلطة السياسية المشتركة + السوق؛ وهي كلها مفردات لا تؤدي إلى سلام بين الأمم؛ ولا داخل الأمة الواحدة.
رؤية المفكر عبد الله أوجلان تشمل المفردات نفسها ولكنها لا تنسى العامل الديني الحقيقي؛ وليس الدين يتمثل في رجال الكهنوت؛ لأنهم أكثر الناس تعصباً وأقلهم شفقةً؛ وهو ما فهمناه مما ذكره في مشروعه العلمي؛ ومجتمع الأمة الديمقراطية من خلال الهوية الإنسانية، كما يرى، وكما فهمنا منه، سيَكُون أكثر شمولاً ووعياً.