رفيق إبراهيم
منذ العام 2018 إبّان الاحتلال التركي لعفرين، ومن ثم سري كانيه وكري سبي، لم تتوقف هجماتها وبمختلف أصناف الأسلحة البرية والجوية، على إقليم شمال وشرق سوريا، ولكن منذ بداية العام 2024، زاد من هجماته على الإقليم، ما أدى لاستشهاد وإصابة المئات من المدنيين والعسكريين، بينهم الأطفال والنساء وكبار السن، وتعمّد في الهجمات استهداف البُنى التحتية والمرافق الحيوية، ومحطات الكهرباء، ومراكز الصحة، وحقول النفط والغاز، والأفران، وغيرها، ما أدى لحرمان أهالي المنطقة من الخدمات الأساسية التي تتعلق بشكلٍ مباشر بسُبل العيش والحياة.
وتعددت أساليب الاحتلال التركي في هذه الهجمات، حيث اعتمدت على ضرب المناطق والمؤسسات المستهدفة، عن
طريق الجو عبر الطائرات المُسيّرة والحربية، بطريقة الضربات المتتالية للموقع نفسه؛ بهدف إحداث دمار كلي للمكان المستهدف، وحدث ذلك في مواقع عديدة، واستشهد العشرات جراء هذه العمليات والهجمات وأضعاف العدد من الجرحى والمصابين.
الفاشية التركية تسعى من خلال هذه الهجمات المتواصلة، لتحقيق أهدافها وأطماعها التاريخية في المنطقة، بالتوسع والاحتلال، ومحاولةً إرضاخ الإدارة الذاتية الديمقراطية لمطالبها، وكسر إرادة شعوبها، وأيضاً إفراغ الإقليم من سكانه الأصليين، وتوطين الغرباء من اللاجئين السوريين في تركيا، لتثبيت التغيير الديمغرافي فيها، وتغيير التركيبة السكانية لتبقى الوصية عليها بشكلٍ شرعي، وأيضاً لتكون ورقة ضغط على المجتمع الدولي.
الهجمات التركية المستمرة بشراسة على إقليم شمال وشرق سوريا، يواجهها المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المعنية، باللامبالاة والصمت، وبخاصةٍ ضامني اتفاقيات وقف إطلاق النار عام 2019، أمريكا وروسيا، رغم تواجد قوات الدولتين في المناطق التي تستهدفها دولة الاحتلال التركي، وكان من المفترض على هاتين الدولتين القيام بمسؤولياتها تجاه اتفاقية وقف إطلاق النار، وبخاصةٍ أن قوات سوريا الديمقراطية، لم تُطلق رصاصة واحدة تجاه الحدود التركيّة، وهي ملتزمة تماماً بتلك الاتفاقية التي أُبرمت برعاية روسيّة أمريكية في العام 2019.
ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع إقليم شمال وشرق سوريا، هي التي تضع شعوبها أمام آلة القتل التركية، وعلى المجتمع الدولي التدخّل لإيقاف هذه المهزلة، التي تضع حقوق الإنسان في المنطقة بخطرٍ كبير، فالهجمات التركية طالت كل ما هو حي، ويخدم بالدرجة الأولى شعوب المنطقة، وهذا ما يضعه ويُعرضه للمساءلة حول الصمت الذي يتشدق به، وكلنا يعلم أنه بالاستنكار والشجب وحده، لن يردع تركيا عن تدخّلها السافِر في دول الجوار.
وفي الوقت الذي يذرف فيه أردوغان دموعه على غزة ولبنان كذباً، هو بنفسه يهاجم مناطق إقليم شمال وشرق سوريا الآهِلة بالسكان، ويستهدف المدنيين العزّل والبنى التحتية، وبكافة أنواع الأسلحة البرية والجوية، ما أدى لاستشهاد وإصابة العشرات من المدنيين العزّل بينهم أطفال ونساء، والقوانين الدولية في استهداف البنى التحتية والمدنيين واضحة تماماً تجاه ذلك، وكل من يتعدى على تلك القوانين يعتبر حسب تلك القوانين خارجاً عن القانون ولا بد من محاسبته، لذا على أردوغان أن يلتزم الصمت في مجال حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية، لأن أفعاله لا تتطابق مع أعماله، وهو قام بأفعال وانتهاكات تجاوز فيها جميع الخطوط الحمراء، وما لم يتم محاسبته عليها سيتمادى بارتكاب جرائم وانتهاكات أكثر قسوة.
وفي الخلاصة يمكننا القول: لو أراد المجتمع الدولي وبخاصةٍ الدول الفاعلة كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، إيقاف هذه الهجمات، فهي تستطيع القيام بذلك، وبإمكانها على الأقل فرض منطقة حظر جوي على إقليم شمال وشرق سوريا، ولكن على ما يبدو أن مصالحها الكاملة لم تتحقق في المنطقة، وهي لا تأبه بكل ما يحدث في إقليم شمال وشرق سوريا بخاصةٍ، وسوريا بشكلٍ عام.
وعلى المجتمع الدولي، وكافة المؤسسات الدولية المعنية الحفاظ على حقوق الإنسان وإنهاء الحروب والصراعات، وإيقاف الهجمات على البُنى التحتية والمدنيين، وممارسة الضغط الكافي على الدولة التركية المارقة، للتخلي عن مهاجمة شعوب شمال وشرق سوريا الآمنة، كما يجب عليها تقديم مرتكبي جرائم الحرب للعدالة، كي يتم محاسبتهم على أفعالهم التي تضرب القوانين والمواثيق الدولية بعرض الحائط.