روناهي/ حمزة حرب ـ ترامب الرئيس الأمريكي القادم الى البيت الأبيض، والأكثر إثارة للجدل خلال حقبته السابقة من توليه لهذا المنصب قبل وصول الرئيس الحالي جو بايدن الى سدة الحكم، اليوم متخم بالوعود التي قطعها إبان حملته الانتخابية، وأنه سيحل معضلات الشرق الأوسط وسيجلب السلام للمنطقة وسينهي ملف الحرب الروسية الأوكرانية ونصب نفسه المخلص للعالم من الحروب القائمة على الأرض، فهل سيحقق ما وعده؟!
العديد من الملفات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسياسات الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، كلاعبٍ فاعلٍ في هذه الملفات، تبقى معلقة بين وعود الرئيس القادم للولايات المتحدة دونالد ترامب وإمكانات الواقع، فبالرغم من تصريحاته القوية، لم يقدم ترامب تفاصيل عملية حول كيفية تحقيق وقف مستدام لإطلاق النار، وسط تصاعد التكهنات بأن التحالف الأميركي الإسرائيلي قد يشعل جولة جديدة من التحولات الكبرى في الشرق الأوسط.
ولاية جديدة لترامب والشعار مجدداً “أمريكا أولاً”
حسم المرشح الجمهوري ترامب الانتخابات الرئاسية لصالحه بعد فوزه على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس ليعود إلى البيت الأبيض مرة أخرى لولاية جديدة ليكون مستقبل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، في ظل فوزه محط تكهناتٍ واستفساراتٍ وتحليل خصوصاً مع وجود عدد من الملفات الهامة أبرزها الصراع في غزة، التدخلات الإيرانية، والحرب الروسية الأوكرانية.
لقد أعلن في ولايته الأولى رفضه مفهوم أن أوروبا كانت حصناً ضد الاتحاد السوفييتي، وفي وقت لاحق، روسيا أو أن اليابان كانت حاملة الطائرات الأميركية في المحيط الهادئ؛ أو أن كوريا الجنوبية هي المفتاح لاحتواء كوريا الشمالية فجوهر نهج ترامب في السياسة الخارجية لا يزال دون تغيير.
ولكن يؤكد خبراء السياسة حول العالم أن السياق الذي سيحاول فيه تنفيذ شكله الفريد من نوعه في عقد الصفقات تغير بشكل كبير فالعالم اليوم أصبح مكانا أكثر خطورة مما كان عليه خلال ولايته الأولى مع الاخذ بعين الاعتبار أن الفرق الأساسي، الذي يجسده ترامب هو في تعامل رؤساء الولايات المتحدة مع حلفاء واشنطن باعتبارهم امتداداً للقوة وتكاملاً مع الولايات المتحدة إلا أن ترامب يعتبر هذه التحالفات عبئاً، وغالباً ما يعلن أنه لا يفهم لماذا تدافع الولايات المتحدة عن الدول التي تعاني واشنطن من عجز تجاري معها.
وعاد ترامب للتذكير منتقدا الإنفاق الكبير في أفغانستان بين 2001 و2021 وذلك بعد أن كلف رجل الأعمال إيلون ماسك بمهمة قيادة لجنة الكفاءة الحكومية لتقديم مقترحات تهدف لخفض الإنفاق الحكومي الفيدرالي، بما في ذلك احتمال تقليص وظائف في وزارة الدفاع كما وعد بالعمل على إنهاء النزاعات في الشرق الأوسط وروسيا وأوكرانيا، قائلا إن “هذا يجب أن يتوقف”.
فترامب الذي حمل شعار “أميركا أولاً” و”اجعل أميركا عظيمة ثانية” في ولايته الأولى لم يفقد هذا الشعار بريقه في حملة الانتخابات التي توجت بفوزه على كامالا هاريس لقد حمل هذا الشعار في ولايته الأولى الكثير من التطبيق المتطرف، فظهر كفوضى هائلة في أكبر مؤسسة عبر التاريخ لصناعة السياسة الخارجية.
الواقع أن ترامب كان يتبنى سياسة خارجية تتلخص في “أميركا أولاً” كان بمثابة انهيار في عملية صنع السياسات الأميركية، لأن رئاسة ترامب الثانية سوف تمثل عودة إلى “عصر المراسيم الارتجالية” وغالباً ما تتفاجأ فيها حكومته قبل خصومه خصوصاً تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية، غير المرتبطة بأي عملية سياسية، في لحظة من الخطر الدولي الأقصى.
الملف الفلسطيني واللبناني وتعاطي ترامب
قد وعد ترامب بفك ارتباط البلاد بالصراعات في الخارج، وهو التحول نحو الانعزالية الذي وجد جمهوراً جديداً مع اندلاع حرب في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا لما يقرب من ثلاث سنوات، ومع كون أن الشرق الأوسط على شفا حريق أوسع نطاقاً.
لا توجد ملامح واضحة لسياسة ترامب الخارجية، وإن الرئيس المنتخب والحلقة المقربة منه لم يشرحوا مثلاً تفاصيل خطتهم لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط فترامب خلال ولايته الأولى كان مؤيدًا بشدة لإسرائيل، حيث نقل السفارة الأميركية إلى القدس وأبدى مواقف متشددة تجاه الفلسطينيين.
بينما قد يجد نفسه في موقف حرج اليوم بين دعم إسرائيل وصعوبة إقناع نتنياهو بقبول حل الدولتين سيكون معقدًا للغاية وضرورة تقديم خطوات متوازنة لضمان عدم تفاقم الصراع الإقليمي سيما وأن الدول العربية، مثل السعودية والإمارات، تضغطان باتجاه تحقيق هذا الحل كشرط لتحسين العلاقات مع إسرائيل واستمرار الاتفاق الإبراهيمي الذي قاده ترامب سابقاً.
بهذا السياق بين رئيس المركز الكردي للدراسات نواف خليل في تصريحاتٍ خاصة لصحيفتنا أنه “بالنسبة للاتفاق الابراهيمي سيكون على رأس جدول أعمال الرئيس الأمريكي فيما يخص توسيع الاتفاق وبالتالي الوصول إلى إنهاء الحرب بين العرب واليهود في فلسطين والأجواء ستكون مهيئة خاصة إذا ما تم وضع حد إلى إنهاء الحرب في غزة ولبنان وهو توعد بذلك بكل وضوح”.
نتنياهو يعتقد أن إدارة ترامب ستمنحه “حرية كاملة لاستمرار الحروب الإسرائيلية في غزة ولبنان”، وأنه لن يكون هناك بعد الآن ضغوط أمريكية مزعجة تطالب بوقف إطلاق النار، بالرغم من أن محاولات الرئيس بايدن لم تكن ذات تأثير يذكر على سياسة نتنياهو في المنطقة.
بطبيعة الحال لنتنياهو أسباباً مقنعة لاعتقاده بذلك نظراً لما أظهره ترامب في ولايته الأولى من عدم اهتمام “بمعاناة الفلسطينيين”، ودعم توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بالإضافة إلى أن صهره جاريد كوشنر هو من وضع خطة سلام عرفت بصفقة القرن كانت منحازة بشكل كبير لصالح إسرائيل.
لذا فمن المتوقع ألا تشهد سياسة ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط تحولا جذريا، لكنه سيكون براغماتياً وأقل ميلاً للمواجهات الخارجية وأكثر انكفاء للداخل إلا أنه من الصعب التكهن بتوجهاته الحقيقية، لأنه لا يسير في مسارات متماسكة وقد يتخذ خطوات غير متوقعة وارتجالية.
ولا تزال المخاوف قائمة بشأن احتمال توسع نطاق الصراعات في المنطقة، لا سيما في ظل استمرار الحرب في غزة وجنوب لبنان وقد يصبح العراق جزءاً من هذه الصراعات “رغما عن إرادته” خاصة إذا عادت إدارة ترامب إلى تبني سياستها السابقة والتي تقوم على فرض عقوبات قصوى على إيران.
ترامب وسياسة الارتجال
الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن وأثناء عقده آخر اجتماع له مع حلفاء رئيسيين في قمة “آبيك” التي طغت على أجوائها عودة دونالد ترامب إلى السلطة، اكتفى بالابتسام والصمت عندما سألته الصحافة عن كيفية تعامله مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، في حين حذر من “حقبة التغيير السياسي”.
فعندما كان ترامب رئيساً، كان مساعدوه يتهيؤون في بداية عطلة نهاية الأسبوع وهم يعلمون أن رئيسهم الذي يتجول في البيت الأبيض سوف يغرّد بتغييرات السياسة بعد التحدث عبر الهاتف مع أحد المانحين الرئيسيين أو زعيم أجنبي اتصل مباشرة للدفاع عن قضيته، متجاوزاً وزارة الخارجية أو مسؤولي الأمن القومي.
وأضاف رئيس المركز الكردي للدراسات في خلال حديثه لصحيفتنا: أنه “لا أحد يمكن أن يتكهن بصورة قاطعة كيف سيتعاطى الرئيس الأمريكي مع الملف السوري لكن بالنظر إلى من تم اختيارهم ليكونوا مشاركين في فريق الرئيس ترامب لقيادة الولايات المتحدة فهؤلاء كانوا من المعارضين بشدة وبصورة قاطعة لانسحابه من سوريا ولهم مواقف واضحة لا تحتاج للتأويل فيما يتعلق بالدور التركي في دعم المجموعات الإرهابية، وعلينا ألا ننسى بريت ماكغورغ الذي استقال احتجاجاً على قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا ووزير الدفاع الأمريكي جيمس ماكس الذي استقال احتجاجاً على ذلك”.
وهكذا قرر ترامب سحب القوات الأميركية من شمال سوريا بعد مكالمة هاتفية مع رئيس دولة الاحتلال التركي رجب أردوغان والتي فاجأت مساعديه وعندما أدرك أنه كان ضحية خداع من جانب أردوغان، تراجع جزئياً ونشر أنه “إذا فعلت تركيا أي شيء أعتبره، بحكمتي العظيمة، التي لا مثيل لها، خارج الحدود، فسوف أدمر وأمحو اقتصاد تركيا تماماً”.
لذا؛ فإن ترامب يعرف بقراراته الارتجالية وهو بحسب ما يؤكد مراقبون أنه رجل يعتمد على سياسة براغماتية منفعية، وقراراته مرتبطة بالمكاسب بينما في هذه الولاية الثانية له توجد الكثير من المواضيع الاستراتيجية ولا يمكن تجاوزها من قبل إدارته الجديدة.
شمال وشرق سوريا وتكرار أخطاء الماضي
ففي حال فكر ترامب بتكرار أخطاء الماضي مجدداً بالانسحاب من شمال وشرق سوريا، فسيكون أعطى فرصة ذهبية لبقية اللاعبين الاحتلال التركي وإيران، وروسيا الفرصة المواتية للتمدد وبالتالي سيخسر موطئ قدمٍ مهم في المنطقة من الناحية الاستراتيجية، وكأنه يساعد من هم في صراع معه على أن ينتصروا ويتغلبوا عليه وأن يؤمنوا موارد لتمويل عملياتهم العسكرية وتطبيق سياساتهم في المنطقة.
خليل تساءل أيضاً خلال تصريحاته، أنه “بأي شكل يمكن أن نتصور بأن الرئيس الأمريكي يمكن أن يسحب قوات بلاده من سوريا هل لكي تترك الساحة للقوات الإيرانية والروسية المتواجدة على الساحة السورية؟! ولمزيد من اعتداءات النظام التركي ؟! طبعاً هذا مستبعد، كما أن الهدف الذي تشكل لأجل التحالف الدولي لازال موجود والمهمة لم تنتهِ بعد وبالتأكيد الإدارة الذاتية تعمل جاهدة للانتقال من التحالف العسكري ليكون هناك علاقات سياسية أكثر رسوخاً”.
تفسير توقيت التهديد التركي الجديد باستكمال مشروعه الاحتلالي في سوريا جاء بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبنتيجة أكثر صراحة من فوزه في انتخابات العام 2016 وقد كان أردوغان من أوائل قادة الدول الذين سارعوا لمباركة فوز ترامب مستخدماً كلمة «صديقي» في مخاطبته.
خليل أشار إلى “مباركة أردوغان لترامب والتي حملت كلمة صديقي ما هي إلا مغازلة سياسية فيجب علينا ألا ننسى عندما خاطب ترامب أردوغان قائلاً لا تكن متصلباً وأحمق ولا ننسى كم من العقوبات فرضت على النظام التركي من قبل ترامب بسبب الصواريخ الروسية S400 والولايات المتحدة والتحالف الدولي يدركون تماماً مسألة خطورة داعش ويدركون جيداً الدور التركي في دعم داعش كما هو واضح أن ترامب بين عامي 2016 ـ2020 غير ترامب 2024 ومع كل ذلك لا يمكن التكهن 100% كيف ستكون سياساته”.
هذه التهديدات جاءت عشية اجتماع جديد لمسار ما سمي بـ”آستانا” الذي أخذ لسنوات طابعاً مشؤوماً من الصفقات والمقايضات بمشاركة ممثلي روسيا والاحتلال التركي وإيران، وذلك بعد انقطاع طويل لتلك الاجتماعات، وتم الإعلان عن موعده على عجل كأنه اجتماع طارئ.
إذا تجاوزنا الكليشيهات المألوفة التي تضمنها البيان الختامي للاجتماع سنرى أن ممثل موسكو في الاجتماع قد أعلن رفضاً صريحاً لأي اعتداء تركي جديد محتمل في سوريا، وكأن هذا الرفض الروسي، ويحتمل أنه مدعوم برفض إيراني أيضاً، كان الهدف الحقيقي من هذا الاجتماع الطارئ، بعد ان رأى أردوغان نقاط إيجابية بقدوم ترامب على أمل ان ينسحب مجدداً من الساحة السورية.
وسبقت هذه الإشارة السلبية الروسية تجاه تركيا إشارة أخرى جاءت على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال إن تركيا وسوريا غير مستعدتين لتطبيع العلاقات بينهما في الوقت الراهن، الأمر الذي كرره من بعده نظيره التركي هكان فيدان الذي تذكّر وجوب جلوس الأسد إلى طاولة المفاوضات مع معارضيه.
وقبل ذلك يمكن اعتبار رفض مجموعة بريكس طلب الانضمام الذي تقدمت به تركيا أولى تلك الإشارات التي تكشف عن فتور بين موسكو وأنقرة ربما لا تشكل سوريا جزء من ساحة أوسع للعلاقات الدبلوماسية التي بدأت تخفت سخونتها بعد سنوات من رقص النظام التركي على حبال موسكو وواشنطن بسياسة ازدواجية المعايير.
لكن رهان تركيا على عهد ترامب الجديد، والعيش في ذكرى يتيمة من الماضي، يتزامن مع متغيّرات هائلة في الظروف والتوازنات، في ظلّ احتدام الصراع واتساعه في الشرق الأوسط وإذ لا يتوقّع أحد أن يتراجع الدعم الأميركي الكامل لإسرائيل، فإن عداء ترامب لإيران وسعي إسرائيل إلى شرق أوسط جديد من دون “حماس” و”حزب الله” والقوة النووية الإيرانية، يضع مستقبل التواجد الأمريكي في سوريا ضرورة ملحة من الناحية الاستراتيجية.
نواف خليل بيَن أن “تهديدات الاحتلال التركي لم تتوقف يوماً واحداً منذ 2012 وهذا جزء من استراتيجية أردوغان تجاه المنطقة وهو الذي يقول على رؤوس الأشهاد أنه سيهاجم على حين غرة زعماء العشائر في سالف الأزمان بدأً من ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبعده ترامب وبعده بايدن واليوم ترامب فهو يهلل ويمني النفس بانه يستطيع غزو المنطقة بدلاً من ان يلتفت الى الداخل ويعالج الشأن الداخلي”.
ويعني ذلك أن ترامب خلال ولايته الثانية لن يذهب في اتجاه أيّ إجراء لمصلحة تركيا في سوريا، ومنها انسحاب القوات الأميركية من هناك، أو السماح لها بالقيام باعتداءاتٍ جدية على الساحة السورية ليست محبة في شعوب شمال وشرق سوريا التي وجه لها طعنة في الظهر عام 2019 لصالح الاحتلال التركي وكانت نتيجة ذلك احتلال سري كانيه وكري سبيه إنما لأن مصلحة أمريكا تقتضي ذلك وفق شعاره “أمريكا أولاً”.