الشدادي/ حسام الدخيل- يُشكّل الموروث الشعبي العربي كنزاً أدبياً غنياً، يحمل في طياته مجموعة واسعة من الحكايات والأساطير التي انتقلت شفاها من جيل إلى جيل. هذه الحكايات، غالباً ما تكون مزيجاً من الخيال والواقع، تحمل في طياتها رموزاً ومعاني عميقة تعكس تصورات الشعوب عن العالم من حولهم، وتسعى إلى تفسير الظواهر الطبيعية والأحداث الغامضة. ومن بين هذه الشخصيات الأسطورية التي حفرت اسمها في ذاكرة أبناء منطقة الجزيرة السورية، نجد شخصية السعلوة، تلك الكائنة الغامضة التي حيك حولها الكثير من القصص المرعبة.
السعلوة بين الحقيقة والخيال
السعلوة شخصية أسطورية متجذرة في الموروث الشعبي العربي بشكل عام، وخاصة في منطقة بلاد الرافدين والجزيرة السورية وشبه الجزيرة العربية. تصورها الأساطير على أنها كائن هجين، يجمع بين صفات الإنسان والحيوان، فهي تمتلك شكلاً بشرياً جميلاً، لكنها في الوقت نفسه تحمل صفات حيوانية شرسة، مثل قوة الذئب وسرعة ومكر الثعلب.
تختلف الروايات حول شكل السعلوة، فبعضها يصفها بأنها امرأة ذات وجه جميل وشعر طويل أسود، بينما يصفها البعض الآخر بأنها كائن يشبه الذئب أو الثعلب، لكنها أكبر حجماً وأكثر شراسة. وتتفق الروايات جميعها على قدرة السعلوة على التحول والتقمص، فهي تستطيع أن تتحول إلى امرأة جميلة لجذب الضحايا، ثم تعود إلى شكلها الحقيقي لتفتك بهم.
والسعلاة أو السعلوة كما تسمى محلياً أشبه بالمرأة التي تصطاد الرجال وتفتك بهم. السعلوة شكلها غريب ومخيف، فجسمها مليء بالشعر كأنها قرد، لكن لديها قدرة على التحول في شكل امرأة جميلة حسنة الشكل طويلة القد، ومرتبة الهندام، تجذب الرجال ثم تفتك بهم وتقتلهم. وفي روايات أخرى أنها إذا أعجبت برجل ما تخطفه تحت النهر وتتزوجه، وتنجب منه أطفالاً وتعيده بعد سنين.
أفعال السعلوة وأماكن تواجدها
تتعدد أفعال السعلوة في الأساطير العربية، فهي تظهر ككائن شرير يتربص بالمسافرين والبدو في الصحراء، ويقوم بخطفهم وأكلهم. كما أنها تظهر كفتنة للرجال، حيث تغويهم بجمالها ثم تقتلهم، أو تقوم بخطفهم إلى أماكن تواجدها في أسفل الأنهار أو الكهوف. وفي بعض الروايات، تصور السعلوة على أنها كائن انتقامي، تلاحق من أساء إليها وتأخذ بثأر قومها.
أما عن أماكن تواجد السعلوة، فتذكرها الأساطير في أسفل الأنهار حيث الأشجار الكثيفة ونبات القصب أو ما يعرف محلياً باسم “الزل”، بالإضافة إلى المناطق النائية والصحاري، حيث الكهوف والجبال الشاهقة. فهي تفضل العيش في الأماكن المهجورة والبعيدة عن أعين الناس، لتتمكن من ممارسة أعمالها الشريرة بسلام.
السعلوة في الأدب العربي
لم تقتصر شخصية السعلوة على الحكايات الشعبية الشفاهية، بل وجدت طريقها إلى الأدب العربي المكتوب. فقد ورد ذكرها في العديد من النصوص الأدبية، يعتقد بعض الباحثين أن جذور هذه الشخصية تعود إلى ليليت في ملحمة جلجامش والتي تكاد تتطابق حرفيا في صفاتها مع السعلوة. وليليت كلمة بابلية / آشورية بمعنى أنثى العفريت. ليليت هي جنية أنثى تسكن الأماكن المهجورة وكانت تغوي الرجال النائمين وتضاجعهم وبعد ذلك تقتلهم بمص دمائهم ونهش أجسادهم.
ما زالت هذه الشخصية موجودة حتى الآن في قصص الأدب الشعبي العربي عموما والعراقي والجزيرة العربية وبادية الأردن على وجه الخصوص. وتستخدمها الجدات لإخافة الأطفال في القصص الشعبية، ويعتقد بعض أهالي حوض الفرات في سوريا، أنها جان يتغير داخل كل قبر مهجور وعلى أنه نوع من السحر الأسود للذي يصعب فكه، إذ أن فك السحر يتطلب حرق الكائن المتمثل به (ليس الحرق بالنار) فتكون السعلوة امرأة عجوز لتدخل قبرا وتخرج على هيئة كلب أسود ثم تدخل قبرا وتخرج على شكل غراب.
السعلاة نوع من المسخة الشريرة مغايرة للغول بدليل قول عبيد بن أيوب:
“وساحرة مني ولو أن عينها
رأت ما ألاقيه من الهول جنت
أزل وسعلاة وغول بقفرة
إذا الليل واري الجن فيه أرنت”
فالسعلاة غير الغول، ويقول السهيلي في السعلاة: ما يتراءى للناس بالنهار والغول ما يتراءى لهم بالليل ويصف بعض العرب النساء بالسعالي مدحاً أي عندما تكون ممشوقة القوام سريعة الحركة..!!
قال الأعشي:
“ورجال قتلي بجنب أريك
ونساء كأنهن السعالي”
وقالوا إن العرب لم تصف بالسعلاة إلا العجائز والخيل، يقول الشاعر:
“لقد رأيت عجبا ً مذ أمس
عجائز مثل السعالي خمس”
أسباب ظهور أسطورة السعلوة
تعد أسطورة السعلوة من الأساطير التي حظيت بشعبية واسعة في العالم العربي، ولكن ما هي الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الأسطورة وانتشارها؟ يمكن تفسير ذلك بعدة عوامل:
أولاً الخوف من المجهول، حيث كانت الصحراء مكاناً مجهولاً ومخيفاً بالنسبة للبدو، ومجاري الأنهار وكثافة الأشجار المنتشرة حوله مخيفة لبعض سكان القرى، فكانوا يرون فيها الكثير من الأخطار والمخاطر، ومن الطبيعي أن يتخيلوا وجود كائنات شريرة تسكنها.
ومن جهة أخرى ربما تكون أسطورة السعلوة قد نشأت كمحاولة لتفسير بعض الظواهر الطبيعية الغريبة، مثل هجمات الحيوانات البرية أو حالات الاختفاء الغامضة.
وإلى اليوم تظل شخصية السعلوة واحدة من أبرز الشخصيات الأسطورية في الموروث الشعبي العربي، فهي تجسد الخوف من المجهول والرغبة في تفسير الظواهر الغامضة. وعلى الرغم من أن هذه الشخصية خيالية، إلا أنها تركت أثراً عميقاً في الثقافة العربية، ولا تزال تحظى بشعبية كبيرة حتى يومنا هذا.