محمد شحادة
ما هي المتغيرات بعد نجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عالميّاً وشرق أوسطياً وسوريّاً؟ بعدما كثرت وتعاظمت كمية التكهنات والمعطيات أكثر حول التغييرات المحتملة في الداخل الأمريكي وأكثر من ذلك في الشرق الأوسط والعالم، وما زالت التوقعات تتسع ورقعة الاحتمالات تتباين، ويطرح في كل مرة السؤال: ماذا سيفعل ترامب؟
دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أدخل تغييراً كبيراً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا، حيث جاءت استراتيجياته في المنطقة متماشية مع وعوده بتقليل التدخّل الأمريكي المباشر في الشرق الأوسط. اتبعت سياسة ترامب نهجاً يركز على حماية المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى، وخفض التكاليف العسكرية والاقتصادية، مع منح الأولوية لمكافحة الإرهاب، تحديداً ضد “داعش”. على الرغم من ذلك، من المحتمل أن تترك سياساته تأثيرات عميقة على سوريا، والتكهنات والمعطيات أثارت جدلاً واسعاً داخلياً وخارجياً.
ـ الانسحاب العسكري الأمريكي أو تقليصه في سوريا:
قد يواصل ترامب خطته السابقة بالانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من سوريا، وهذا الانسحاب المحتمل لن يؤدي إلى فراغ أمني كما يعتقده الكثيرون لأن القوات الأمريكية لم تتولى أية مهام أمنية على مستوى سوريا بل انحصر عملها وعملياتها ضمن التحالف الدولي في مواجهة داعش وفي مناطق إقليم شمال وشرق سوريا ورغم ترجيح البعض بأن القوات الروسية أو السورية، يمكن أن تملأ الفراغ المحتمل في المنطقة، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأمنية في إقليم شمال و شرق سوريا هي الأقدر والأكفأ لتحل مكانها بالاستناد إلى خبرتها وتجربتها الطويلة في مقاومة داعش والاحتلال التركي. ولن يكون هناك تأثير سلبي كبير على حلفاء القوات الأمريكية في المنطقة بشأن التهديد التركي للمنطقة، لأن القوات الأمريكية لم تكن يوماً رادعاً لتركيا ومرتزقتها التي تشكل التهديد الأكبر بالنسبة للإدارة الذاتية.
ـ التشديد على إيران وحلفائها في سوريا:
من المتوقع أن يستمر ترامب في تطبيق سياسة “الضغط الأقصى” على إيران، والتي تشمل تقليص نفوذها في سوريا، وذلك من خلال:
استمرار العقوبات: قد يعزز ترامب العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وعلى الكيانات المرتبطة بها في سوريا، بهدف تقييد الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه طهران لميليشياتها في سوريا.
التنسيق مع إسرائيل: قد يدعم ترامب استمرار التنسيق مع إسرائيل، التي تشن ضربات متكررة على المواقع الإيرانية في سوريا. إذ أن إسرائيل تعتبر التواجد الإيراني تهديداً مباشراً لها، ووجود ترامب في الحكم قد يُعطيها دعماً أكبر في توجيه الضربات لمواقع الميليشيات المدعومة من إيران.
ـ العقوبات الاقتصادية واستمرار “قانون قيصر”:
يُحتمل أن يعزز ترامب “قانون قيصر” أو يوسعه، وهو القانون الذي فرض عقوبات شديدة على نظام الأسد وداعميه، بهدف الضغط على حكومة دمشق ودفعها لتقديم تنازلات سياسية. هذه العقوبات قد تؤدي إلى:
مزيد من التدهور الاقتصادي: استمرار العقوبات قد يفاقم من الأزمة الاقتصادية في سوريا ويزيد من معاناة الشعب السوري، في ظل تراجع الخدمات الأساسية وارتفاع تكاليف المعيشة.
الضغط على حلفاء حكومة دمشق: قد تجد روسيا وإيران صعوبة متزايدة في دعم حكومة دمشق اقتصادياً؛ بسبب التحديات الداخلية والضغوط الأمريكية المستمرة، ما قد يدفع حكومة دمشق لمحاولة إيجاد حلول محلية أو إقليمية لتخفيف الأزمات الاقتصادية.
ـ التراجع عن الانخراط المباشر في الصراع السوري:
قد يختار ترامب سياسة تجنب التدخل المباشر في الشأن السوري، بالتركيز على قضايا مكافحة الإرهاب وتجنب الانخراط في الصراع الداخلي السوري. هذه السياسة قد تشمل:
تقليص الدعم لما تسمى المعارضة السورية: إذ أن ترامب أظهر منذ ولايته الأولى عدم الرغبة في تقديم دعم كبير لما تسمى المعارضة السورية، وربما يستمر في هذا النهج ويكتفي بتركيز جهود الولايات المتحدة على محاربة “داعش” أو ما يشابهه من جماعات إرهابية.
التركيز على استقرار المناطق المحررة من “داعش”: قد يوجه اهتمامه نحو تعزيز الأمن في المناطق التي خرج منها داعش، بدون توسيع الجهود أو الالتزامات تجاه المعارضة أو النظام.
ـ التعامل مع ملف اللاجئين السوريين:
من المحتمل أن يستمر ترامب في سياسته المتشددة تجاه قبول اللاجئين السوريين، مع تركيزه على تقليل الهجرة إلى الولايات المتحدة، ويمكن أن تؤدي هذه السياسة إلى:
الحد من عدد اللاجئين: من المتوقع أن تُقلل إدارة ترامب أعداد اللاجئين السوريين المسموح لهم بدخول الولايات المتحدة، مما سيزيد الضغط على الدول المجاورة لسوريا والتي تستضيف ملايين اللاجئين.
تشجيع “الحلول الإقليمية”: قد يسعى ترامب لتعزيز المبادرات التي تركز على بقاء اللاجئين ضمن المنطقة، ودعم البرامج الإقليمية التي تهدف إلى توفير الاحتياجات الأساسية لهم في الدول المجاورة لسوريا بدلاً من إعادة توطينهم في الولايات المتحدة.
في مناطق شمال وشرق سوريا لن يكون هناك تأثير قوي عليها وخاصةً إن هده المناطق تشهد مرحلة ديمقراطية جديدة، ويجب أن يكون لها دعم كبير من الجميع إن كان أمريكي أو غيره.
وإن سياسة ترامب تجاه سوريا ستكون استمراراً لبعض السياسات التي اتبعها خلال ولايته الأولى، مع التركيز على تقليص التدخل العسكري الأمريكي، وتعزيز العقوبات على حكومة دمشق وحلفائها، ومواصلة سياسة الضغط على إيران. ستساهم هذه السياسات في تعقيد المشهد السوري، سواءً على صعيد الاستقرار أو الأوضاع الاقتصادية، مما قد يدفع بالأطراف الإقليمية والدولية الأخرى إلى لعب أدوار أكبر في محاولة سد الفراغ الذي قد يخلفه انسحاب الولايات المتحدة /وهي بذات الوقت اللاعب الأساسي في التحالف الدولي لمحاربة داعش/، أو التعامل مع تداعيات العقوبات المستمرة.