No Result
View All Result
المشاهدات 3
د. طه علي أحمد
مع تزايد التعقيدات التي تواجه البشرية، تبرز أهميةُ البحث في الأبعاد العميقة لهذه التعقيدات والروابط المشتركة بينها، وهنا تظهر الفلسفةُ كسبيلٍ للقفز نحو أعماق الإنسانية وتلمُّس جوانبها. بل تُطْرَح الفلسفةُ لتصحيح الانحراف الذي اعترى المجتمعات الواقعة تحت سيطرة قوى الحداثة الرأسمالية وهيمنة المنطق السلطوي.
ولهذا، فعندما أراد المفكر عبد الله أوجلان الغوص في عُمْقِ الإنسانية لتحليل جذور إشكالاتها واقتفاء
آثارها، اتخذ لهذه الرحلةِ مسارات تدرَّجت أولويتُها بحسب أقدمية إسهامِها في التاريخ الإنساني. ولما كانت “الميثولوجيا” هي أول وأقدم هذه المسارات، حلَّت الفلسفة في المرتبة الثانية عند القائد أوجلان كونها تُمَثِّل مَنبعاً لمعانٍ مختلفة وجدت أصداءَها في كافة مناحي الحياة، ولكنها تؤكد على قيمة الإنسان كموجودٍ أعظم كما يرى، فقد برزَت الحاجةُ للفلسفة كمنطلقاتٍ للأسلوب الديني ذاته عند البحث عن الحقيقة. فكيفما سيَّر الكهنة في العصور السومرية تأسيسَ الدين والآلهة والمجتمع لديهم، لَعِبَ الفلاسفةُ الإغريق دوراً في بناء مجتمع المدينة على مستويات أرقى فيها الفلسفة مع الدين بالتناصف. كما أنه عندما استحال حَلُّ التناقضات بالحروب الدينية وقع المزيد من العِبء على عاتق الفلسفة في العصور الحديثة وبخاصةٍ القرن السابع عشر الذي يعتبره المفكر عبد الله أوجلان “قرنُ الثورةِ الفلسفية”.
وأمام الهجمة الشرسة التي تقودُها قوى الحداثةِ ضد الفلسفة، واتجاهات إلغاء تدريسها في مراحل التعليم، يسعى بعضُ الأكاديميين والمعنيين والتعليم الفلسفي للدفاع عن الفلسفة والتأكيد على دورها، وهو ما أكد عليه المفكر عبد الله أوجلان منذ عقود حينما مارَسَ الفلسفة واتخذ منها مساراً ومِنْظاراً للغوصِ في عُمْقِ الحقيقةِ وصولاً إلى طَرْحِهِ الأُممي الذي أعاد خلاله النظر في مقومات الهُوية وتجاوز فيه أولوية البُعد الديني واللُغوي والثقافي …إلخ، واستعاض عن ذلك بـ “ذِهنية التعايش المشترك” كمعيارٍ للهوية الأُمَمية التي تتجاوز الأبعاد والأُطُر السابقة، لتصبح “الأمة الديمقراطية” هي الوعاء الجامع لكل من يشارك فيها وآمن بها بغض النظر عن أصله العرقي أو دينه ولغته.
وبهذا يكون القائد عبد الله أوجلان قد مارَسَ الفلسفة وارتدى عباءتَها عند البحث عن الحقيقة التي تبلورت في رَدِّ الاعتبار للمرأة، والحَلِّ الديمقراطي وحتمية التعايش المشترك والمجتمع الأيكولوجي وغير ذلك من الحقائق لمواجهةِ التعقديات التي حَلَّت بالبشرية.
No Result
View All Result