بدرخان نوري
يبدو أنّ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لن تكون فألاً حسناً بالنسبة لحكومة العدالة والتنمية، وشعار أمريكا أولاً ستكون له انعكاسات مباشرة على مجمل السياسات الأمريكية الخارجيّة بما فيها الشرق الأوسط، وإذ تتفهم موسكو حجم المتغيّر المحتمل فقد بعثت برسائل تُفيد باحتمال التفاهم حول سوريا وأوكرانيا، ما يعني تراجعَ الدورِ التركيّ، وهو ما أربك الساسة الأتراك.
تركيا تتصرف كدولة احتلال
في تصريح غير مألوف لمسؤول روسيّ رفيع، وصف ألكسندر لافرينتيف تركيا بأنها تعمل كدولة احتلال، وأنّه من المبكر الحديث عن لقاء قمة بين أردوغان والأسد، مؤكداً استمرار الاتصالات الرباعيّة، وجاء ذلك في لقاء أجرته وكالة تاس الروسيّة مع الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسيّ لشؤون التسوية السوريّة ألكسندر لافرينتييف، ونشرته الخميس 14/11/2024.
ونفى لافرينتيف أيَّ مخططٍ لتكونَ قمة البريكس التي عُقدت في قازان منصة لإجراء لقاء بين أردوغان والأسد، وقال: “من السابق لأوانه الحديث عن لقاء بين رئيسي البلدين. هناك اتصالات معينة بين وزارتي الدفاع بصيغة رباعية، ولكن من أجل رفع الاتصالات إلى مستوى أعلى، كما كان الحال حرفياً قبل عام ونصف، عندما عُقدت اجتماعات بين وزراء خارجية الدول الأربعة ووزراء الدفاع، فمن السابق لأوانه الحديث عن هذا الأمر”.
وأضاف: “نعتقد أن تطبيع العلاقات السوريّة التركيّة هو ضمانة لاستقرار الوضع في سوريا. بدون هذا، ربما يكون من الصعب أيضاً التحدث عنه. على الرغم من وجود العديد من العوامل المختلفة التي تؤثر على هذا. بدايةً، بطبيعة الحال، دعم تركيا للمعارضة السوريّة، الذي لا يمكنها أن تتركه دون اهتمام”.
وتابع لافرينتيف: “بالطبع؛ فإن السؤال الرئيسيّ هو مسألة انسحاب القوات التركيّة من الأراضي السوريّة المحتلة. دعونا نسمّي الأشياء بأسمائها الحقيقيّة: فهي، من حيث المبدأ، تعمل كدولة احتلال. ولذلك يصعب على دمشق الدخول في حوار دون الحصول على ضمانات معينة من تركيا بشأن انسحاب قواتها”.
وفيما يتصل بالوضع في إدلب والسؤال حول وجود مسلحين أوكرانيين فيها، قال لافرينتيف: “هذه مسألة مهمة للغاية، وقد أثرناها في محادثات مع المعارضة السوريّة، وأشرنا إلى الطبيعة الخطيرة والمدمرّة للغاية لمثل هذه الأعمال”.
وأضاف: “لدينا بالفعل معلومات تُفيد بأن متخصصين أوكرانيين من مديرية المخابرات الرئيسيّة في أوكرانيا يتواجدون على أراضي إدلب، ولا يقومون فقط بتزويد الطائرات بدون طيار هناك عبر قنوات معينة، ولكن أيضاً يقومون بتدريب المتطرفين على تصنيعها واستخدامها، وهو أمر خطير للغاية لأنه في أيدي العناصر المتطرفة”.
وأكد لافرينتيف: “حقيقة إن أوكرانيا تستخدم بالفعل الأراضي السوريّة من أجل إلحاق أكبر قدر من الضرر بالاتحاد الروسيّ، خارج الحدود”.
وبذلك؛ فإنّ جملة ملفات معلقة بين موسكو وأنقرة، والمسألة لا تنحصر بموقف دمشق من التطبيع، ومواقفها بتأكيد ضمانات الانسحابات، بل بالدور الذي تلعبه أنقرة في إزاء الحرب في أوكرانيا وتحويل سوريا إلى منصة لاستهداف القوات الروسيّة. وفي حديث المسؤول الروسيّ عن إمكانيّة استئناف الاتصالات مع واشنطن حول سوريا، تجاوزاً لدور أنقرة وإمكانيّة التلاعب في هوة التناقض الروسيّ ــ الأمريكيّ حول سوريا.
انتهاء الدور التركيّ
في 12/11/2024، وعقب انتهاء الجولة 22 من مسار أستانة حول سوريا، صرح ألكسندر لافرنتييف، أّن موسكو ترفض تنفيذ ما تسمى بـ”عمليات عسكرية تركية جديدة” في سوريا. وقال إنّ أيّ عملٍ عسكريّ محتمل لن يحلَّ الوضع بل على العكس سيعمّق الأزمة. وذكر لافرنتييف أنّ هجمات تركيا عبر الحدود قد تسبب عدم الاستقرار في المنطقة وقد تخلق مساحة لهياكل مثل هيئة تحرير الشام التي تعمل بشكل خاص في منطقة خفض التصعيد في إدلب السوريّة.
في خطابه في 10/10/2024، أشار أردوغان إلى احتمال تنفيذ عملية عدوانية جديدة في شمال سوريا. أي عقب الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة وقال: “بإذن الله سنكمل خلال المرحلة القادمة الحلقات الناقصة للمنطقة الآمنة، التي أقمناها على امتداد حدودنا”.
وكان أردوغان، قد أدلى بتصريحات حول “التطبيع” مع سوريا أثناء عودته من قمة البريكس الأخيرة، قائلاً: “لقد دعونا بوتين إلى اتخاذ خطوة نحو ضمان استجابة بشار الأسد لدعوتنا، لكن هل سيوجه بوتين أي دعوة الأسد لاتخاذ هذه الخطوة؟ سنترك الأمر للوقت”.
وفيما غادر أردوغان القاعة في مؤتمر القمة العربيّة الإسلاميّة أثناء خطاب رئيس حكومة دمشق في 11/10/2024، إلا أنّه أعرب الأربعاء 13/11/2024، عن أمله في بلقائه، وقال إنّ استعادة العلاقات مع دمشق سوف تهدئ التوتر الإقليميّ. وتذرع بأنّه غادر القاعة لمقابلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
لم تتمخض جولة أستانة 22 عن جديد، يؤكد ذلك حديث المسؤول الروسيّ في نهاية الاجتماعات الذي انطوى على حقيقتين، الأولى رفض موسكو لأيّ عدوان تركيّ جديد، مقابل مواقفها السابقة المنحازة لأنقرة وتفهمها شبه الدائم للمخاوف الافتراضيّة التركيّة، والثانية أنّها مستعدة للتعاون مباشرةً مع واشنطن في الملف السوريّ، وأي انفتاح روسيّ على واشنطن يعني انحسار تعويلها على دور أنقرة. ما يعني ضمناً أنّ المهمة الأساسيّة لأستانة انتهت، لأنّ في أصلها تأسيسها كان قناة استدراج أنقرة إلى الخطة الروسيّة في سوريا.
وأشار لافرنتييف إلى إمكانية استئناف الاتصالات مع الإدارة الأمريكيّة الجديدة بشأن القضية السوريّة، قائلاً: “إذا كانت هناك عروض من الولايات المتحدة، فإن روسيا ستكون منفتحة بشأن هذه القضية”. مشدداً على أهمية الحوار مع واشنطن للتوصل إلى حلٍّ دائمٍ في سوريا.
واستبقت موسكو تولي ترامب مهام الرئاسة برسالة مضمونها إمكانيّة ربط تسوية الأزمة الأوكرانية بالأزمة السوريّة، وفق تفاهمات تضمن للطرفين مصالحهما. ومعلوم أنّ ترامب سياسيّ بعقلية مقاول. وأعلن غير مرة أنّه غير مستعد للإنفاق على الحروب، وانتقد الإنفاق الأمريكيّ في دعم كييف.
التعاون هو الأكثر احتمالاً بين ترامب ونظيره الروسيّ، بوتين، في المرحلة المقبلة، ما من شأنه تغيير قواعد التفاهمات السابقة، فيما يبرز في تركيا الانقسام الداخليّ التركيّ، وسط مؤشرات اقتصاديّة وسياسيّة وهوياتية توحي بقرب الانفجار.
الهواجس تطغى على الحقائق
مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة بادر معظم رؤساء العالم وكبار شخصياتها للتهنئة والتعبير عن الأمل بالتعاون في المرحلة القادمة، وانفرد أردوغان بربط التهنئة مع تجديد الطلب من الإدارة الأمريكيّة بوقف دعمها لقوات سوريا الديمقراطيّة، وانتقد واشنطن بعدم تطبيق وعودها بالانسحاب. بل جدد أردوغان التهديد بعدوان جديدٍ.
ثمّة ارتباطاً واضحاً في الموقف التركيّ فهو ينطلق من هواجس من المرحلة القادمة بما يطغى على الحقائق، ما جعلها تتجاهل جملة متغيرات طرأت على المنطقة بعد أكثر من عام على حرب غزة ومن بعدها الحرب على لبنان، والمناوشات الصاروخية بين إيران وإسرائيل. ويبدو أنّ أنقرة بفعل هواجسها تغافلت عن جملة قضايا خلافيّة انتهت بها ولاية ترامب الأولى.
وإذ تدعو أنقرة إلى سحب قواتها من سوريا، فإنّها تتجاهل أنّ الهدف من وجود هذه القوات بات يتجاوز مهمة محاربة الإرهاب، والمسألة باتت تتعلق بالفضاء الإقليميّ، وما أفرزته حرب غزة ولبنان، وإغلاق الحدود أمام النفوذ الإيرانيّ، وإعادة ترتيب المنطقة، وكلّ ذلك يتجاوز حساباتِ أردوغان.
وأنقرة تجدُّ السعيَ للانضمام إلى مجموعة بريكس الاقتصاديّة التي تقودها الصين، منافسة الولايات المتحدة الأمريكيّة وعدوة الدولار، وقد افتتح الرئيس الروسيّ “بوتين” قمة بريكس التي عقدت في قازان في 24/10/2024، بالدعوة إلى تأسيس نظام للمدفوعات الدوليّة بديل من شأنه منع استخدام الدولار كسلاح سياسيّ، موجهاً ضربة محتملة للهيمنة الأمريكيّة على التسويات الماليّة العالميّة. وأضاف: “إنَّ تزايد استخدام العملات المحليّة لدول مجموعة بريكس في المعاملات من شأنه أن يقلّص المخاطر الجيوسياسيّة”، مشيراً إلى أنّ نحو 95% من التجارة بين روسيا والصين تتم حالياً بالروبل واليوان.
غابارد فأل سيء لأنقرة
تفرض المعطيات الراهنة على ترامب جملة تحديات، يقتضي معها تبنّي منحىً جديداً لسياسته في المرحلة القادمة، وتوضح التعيينات الأوليّة التي قام بها بأنّ الفريق الذي رشحّه لتولي مناصب في الإدارة القادمة، بأنّه لا يتوافق مع الطموحات التركيّة، وأنّ التعامل مع الإدارة الأمريكيّة الجديدة سيتجاوز دبلوماسية الهاتف.
لعل اختيار الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب لشخصية مثل تولسي غابارد، لرئاسة الإدارة الوطنية للاستخبارات الأمريكيّة سيكون فألاً سيئاً لحكومة العدالة والتنمية. وتولسي جندية سابقة انشقت عن الحزب الديمقراطيّ، ومن منتقدي إدارة الرئيس الحالي جو بايدن وتركت الحزب الديمقراطي عام 2022 لتصبح نائبة مستقلة، ورحبت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجيّة بالإدارة الذاتيّة إلهام أحمد، الخميس 14/11/2024، باختيار تولسي غابارد لمنصب مديرة الاستخبارات الوطنيّة الأمريكيّة. وقالت: في تغريدةٍ على منصة اكس: “أنا مسرورة جداً لرؤية تولسي غابارد تُعيّن مديرة للاستخبارات الوطنية، كان لي شرف حضور خطاب الاتحاد لعام 2019 معها، ومن الملهم رؤية امرأة قوية تتولى دوراً مهماً كهذا، مبروك تولسي”.
وأجرت إلهام أحمد جولة لقاءات سياسية ودبلوماسية في خريف 2019 عندما شنّت تركيا عدواناً على مناطق في شمال سوريا، وتحدثت في جلسة للكونغرس الأمريكيّ عن تداعيات القصف التركيّ وسيطرته على مدن ومناطق عدة.
واختار ترامب مايك والتز مستشاراً للأمن القوميّ والذي عُرف بموقفه الداعم لقوات سوريا الديمقراطيّة، واقترح سابقاً إنشاء برنامجٍ خاصٍ لدعم مقاتلي قسد تقديراً لدورهم في قتال مرتزقة “داعش”.
منتقد أنقرة وزيراً للخارجية
الفأل السيء تم تأكيده بتعيين الرئيس الأمريكيّ دونالد ترمب، لمايكل روبيو وزيراً للخارجية، وقال ترامب يوم الأربعاء 13/11/2024، عن السيناتور الجمهوري، ماركو روبيو، إنّه سيكون “مدافعاً عن أمتنا”، و”صديقاً حقيقيّاً لحلفائنا”، مؤكداً بذلك تقارير تداولتها وسائل إعلام أمريكيّة في اليوم السابق بشأن ترشيح روبيو.
روبيو المعروف بآرائه “المتشددة” أول وزير خارجية لاتيني يتولى منصبه إذا وافق عليه مجلس الشيوخ، ويتبنى خطاباً قاسياً ضد الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة “خصوماً” مثل: الصين وإيران وكوبا. وخلال وجوده في لجنة العلاقات الخارجية، تابع عن كثب التطورات في تركيا والمنطقة، عارض روبيو تصريح ترامب بأن الوجود العسكريّ في سوريا سيتم سحبه نهاية عام 2018 ولعب دوراً في عدم إكمال هذه العملية. وفي بيان مكتوب في ذلك الوقت، قال روبيو إنّ سحب القوات سيكون خطأ كبيراً مؤكداً أنَّ قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب ستُنهي القتال ضد “داعش”، ونتيجة لذلك، ستزيد إيران من أنشطتها في المنطقة.
شهد عام 2019 أكبر عدد من التصريحات من روبيو بشأن تركيا، فقد استنكر العدوانَ التركيّ على كري سبي/ تل أبيض وسري كانيه في 9/10/219، وانتقد قرار إدارة ترامب بسحبِ القوات الأمريكيّة قبل العدوان. وقال روبيو حينها: إنّ أردوغان أطلق العملية لينسى “فشله” في الانتخابات المحليّة عام 2019، فقد خسر الحزب الحاكم بلديتي أنقرةً وإسطنبول.
وانتقد روبيو مراراً وتكراراً تصرفات تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تواصل قتال “داعش”، وجادل روبيو بأنّه لا توجد دولة أو مجموعة باستثناء قوات سوريا الديمقراطية ستقاتل “داعش”.
ومع استمرار التوترات بين تركيا والولايات المتحدة، كان روبيو من بين أعضاء مجلس الشيوخ الذين أيدوا في التصويت على قانون في الكونغرس الأمريكيّ في 12/12/2019، يعترف بأحداث عام 1915 على أنّها “إبادة جماعية للأرمن”.
من المتوقع أن تكون هذه القضية على جدول الأعمال خلال ولاية ترامب الثانية كرئيس وسط تساؤلات حول موقف روبيو من الأمر هذه المرة.
تابع روبيو الانتخابات البلدية في 31/3/2019، وانتقد إلغاء نتائج انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى التي فاز بها مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، ونشر تغريدة ذكر خلالها “أنّ السلطويّة تتحدى الديمقراطيّة في كل مكان”، وقال روبيو آنذاك: “في تركيا، يقوض الرئيس أردوغان سيادة القانون والنظام الديمقراطيّ من خلال إلغاء الانتخابات البلديّة في إسطنبول التي خسرها حزبه من خلال المسؤولين الموالين واتخاذ قرار بإعادتها”.
كان روبيو من بين أعضاء مجلس الشيوخ المعارضين لصفقة شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي S-400 من روسيا عام 2019 رغم كونها عضواً في الناتو، ولعب دوراً نشطاً في عملية فرض العقوبات على تركيا. وصرّح روبيو أنَّ اتجاه إدارة ترامب لتخفيف العقوبات على تركيا سيكون خاطئاً وأبلغ ترامب بموقفه هذا.
شارك روبيو في العديدِ من الحركاتِ في مجلس الشيوخ التي أخذت بالاعتبار انتهاكاتِ حقوق الإنسان في تركيا ووقّع على رسائل كتبها مع زملائه للتوقيع عليها وطالب خلال رسالة وقعها أكثر من 50 عضواً في مجلس الشيوخ مع السيناتور الديمقراطي رون وايدن في شباط 2021 الرئيس الأمريكيّ جو بايدن باتخاذ إجراءات بشأن “سجل الحكومة التركيّة المتدهور في مجال حقوق الإنسان”.