No Result
View All Result
المشاهدات 9
بدرخان نوري_
في سياقِ سعيها لإيجاد حلٍّ سياسيّ ديمقراطيّ للأزمةِ السوريّة تواصل الإدارة الذاتيّة في إقليم شمال وشرق سوريا خطواتها العملية وعقد اللقاءات مع القوى السياسيّة السوريّة، وطرح المبادرات السياسيّة على أساسِ مبادئ وطنيّة أولها وحدةُ الأراضي السوريّة والتأكيد على الهوية الوطنيّة وإقامة نظام ديمقراطيّ لامركزيّ. وفي إطارِ هذه الجهودِ كانتِ المشاركة في مؤتمر المسار الديمقراطيّ السوريّ في بروكسل.
مؤتمر المسار الديمقراطيّ السوريّ
أكدت الأمانة العامة للمسار الديمقراطيّ السوري، في البيان الختامي لمؤتمرها التأسيسي، على مجموعة من الحقائق التي ستعمل من أجلها، منها وحدة سوريا أرضاً وشعباً وضرورة إقامة نظام لامركزي، تتحدد تفاصيله عبر حوار وطني شامل، وكذلك حل القضية الكردية وضمان دور المرأة والشبيبة.
عقد مؤتمر المسار الديمقراطي السوري، في العاصمة البلجيكيّة بروكسل، يومي 25و26 تشرين الأول الجاري، بمشاركة 128 مندوباً بشكل فيزيائيّ وافتراضيّ، يمثلون قوى وشخصيات ديمقراطيّة من سوريا في داخل البلاد وخارجها. وجاء عقده نتيجة العديد من الحوارات والملتقيات التي عُقِدت في الفترة الماضية، وقام مركز أولف بالمه السويديّ بدور مهم في عقده، وجاء عقده تتويجاً لعملٍ كبيرٍ عبر مؤتمرات داخل سوريا وورشات في الخارج وعدة لقاءات في ستوكهولم.
وأشار البيان الختاميّ إلى الظروف عقد المؤتمر بالغة التعقيد والخطورة، وتعرض البلاد لتجزئة فعليّة بسبب التدخّلات الخارجية والعسكرية والصراعات الداخلية، والاحتلالات المتعددة التي تهدد الوحدة الوطنيّة. مشيراً إلى التطورات الدوليّة والإقليمية قد تتغير فيه ومن خلاله الكثير من الخرائط وتوزيع القوى. وأكد البيان على جملة من الحقائق لوضع سوريا على المسار الديمقراطيّ، والتي سنبذل كل الجهود من أجلها:
– وحدة سوريا أرضاً وشعباً؛ لأن الحفاظ على وحدة البلاد هو الأساس في أي حلّ سياسي، وهو ما يجب أن يشكّل قاعدة لأي عملية تفاوضية.
– الانتقال السياسي عبر الأمم المتحدة والقرارات الدولية، وخاصةً القرار 2254، وتوسيع تمثيل السوريين وتعزيز وزنهم الذي يمثل الإطار القانوني المعتمد لتحقيق التسوية السياسية بين جميع الأطراف.
– التأكيد على الهوية الوطنية السوريّة التي تسمو على الهويات الفرعية وتحتضنها.
– إن لمسار الديمقراطيّة والتقدم علاقة طردية مع تمكين المرأة، ولن يبلغ التغيير مداه من دون ذلك، وفي الوقت نفسه، إذا كان هذا القرن قرناً لإنجاز المساواة الجندرية، فيجدر بنا أن نكون في قلب تلك الحركة.
– التأكيد على دور الشباب ومساهمتهم في صنع القرار وضرورة تمثيلهم في الهيئات المنبثقة عن المسار لاستثمار طاقاتهم وقدراتهم.
– ضرورة إقامة نظام لامركزي تتحدد تفاصيله عبر حوار وطني شامل بين الأطراف كافة، لضمان حقوق جميع مكونات الشعب السوري ومنع عودة الاستبداد.
– الفصل بين الدين والدولة وحياد الدولة تجاه الأديان.
– بناء الجمهورية السوريّة وتحصين حقوق الجماعات والأفراد يتطلب مبادئ دستورية محصّنة تعتمد على القوانين والمواثيق الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، والجماعات وأن يكون للقانون الدولي والمواثيق الدولية الأولوية على المبادئ الدستورية، بشكلٍ خاص القانون الدولي الإنساني – جنيف
1949.
– تُعدُّ الديمقراطيّة نظام ضامن لضبط فعالية الحياة السياسية السوريّة، القائمة على التنوع والغنى المجتمعي، بما يضمن تحقيق أفضل النتائج على المستوى السوري العام.
– التأكيد على حلّ القضية الكردية وفق الشرعية الدولية وضمان حقوق المكونات الأثنية الأخرى.
ودعا بيانُ مؤتمر المسار الديمقراطيّ السوريّ، إلى حثِّ الخُطى نحو وحدة وتنظيم الديمقراطيّين السوريين، حتى الوصول إلى مؤتمر وطني شامل، تحت إشراف دولي وإقليمي، يجمع كل القوى السياسية والديمقراطيّة المؤمنة بمستقبل متقدم للبلاد على أن تكون سوريا المستقبلية نتاج جهود الجميع. وقال: “لذا سيكون مسارنا مفتوحاً للتعاون والحوار مع كل الأطراف، على أساس التوافق والاحترام المتبادل، بعيداً عن الإقصاء أو التمييز”.
وختم المؤتمر جلساته بإقرار مشاريع وثائقه من الرؤية السياسيّة والمبادئ وخطة الطريق للعملية السياسيّة بعد إدخال التعديلات اللازمة، وانفتاحه من أجل وحدة عمل السوريين، بعد مناقشتها ووضع الملاحظات اللازمة عليها، كما انتخب المؤتمر الأمانة العامة للمسار الديمقراطيّ السوري، التي ستقوم بمهمة متابعة القرارات وتنفيذ خطة العمل، فور تنظيم شؤون المسار والتقدم نحو الأهداف المحددة والمبنية على قرارات المؤتمر ومناقشاته.
تحديات وآمال
وصفت مارغوت فالستروم، الرئيسة السابقة لمركز أولف بالمه ووزيرة الخارجية السويدية السابقة، في رسالتها للمؤتمر، الجهود التي بُذلت في المسار التحضيري بـ”العمل الجبار”، مشيرةً إلى أن تجميع الأطراف السوريّة المختلفة تحت سقف واحد يُعدُّ إنجازاً كبيراً رغم الصعوبات الكبيرة التي واجهت هذا المسار.
وأكدت فالستروم أن المؤتمر يُمثّل خطوة نضالية مهمة نحو تحقيق العيش الكريم والأمن والأمان للسوريين في الداخل والشتات، متعهّدةً باستمرار دعمها الشخصي ودعم المركز للمبادرة، ومؤكدةً أن الرئيس الجديد للمركز سيواصل تقديم المستوى نفسه من المساعدة.
تميّز مؤتمر “المسار الديمقراطيّ السوريّ” بمشاركة واسعة من مختلف القوى والشخصيات، من داخل سوريا والمهجر. وشملت قوى سياسيّة ومدنية مستقلة، ومنظمات مجتمع مدنيّ تعمل في الداخل وتتبنى رؤية سياسيّة مشتركة. ويعكس هذا التنوع الرغبة ببناء تحالف سياسي واسع يشمل مختلف الأطياف، ويعمل على تقديم رؤية ديمقراطيّة شاملة لمستقبل البلاد.
وانعقد المؤتمر في ظل تحديات كبيرة، أبرزها استمرار التدخّلات الإقليميّة، وبخاصةٍ تركيا وإيران، إضافة لتعقيد المشهد السياسيّ الداخليّ. وتسعى الأطراف المنظمة للمؤتمر لمواجهة هذه التحديات بتعزيز الحوار السوريّ – السوريّ، والتركيز على الحل السياسيّ الذي يضمن سيادة البلاد ووحدة ترابها.
يواجه المؤتمر تحديات تتعلق بتوحيد رؤى المعارضة الديمقراطيّة، وتقديم برنامج سياسيّ جامع يتخطى الانقسامات الأيديولوجيّة والسياسيّة. ورغم ذلك، فالتفاعل الكبير والمشاركة الواسعة عكست إرادة سياسيّة جادة لتحقيق الاستقرار السياسي في سوريا.
يُعدُّ مؤتمر “المسار الديمقراطيّ السوري” فرصة جديدة للقوى الديمقراطيّة في سوريا لصياغة مشروع سياسيّ وطنيّ، بعيدًا عن الاستقطابات والتدخّلات الخارجيّة.
من المأمول أن يكون مؤتمر المسار الديمقراطيّ السوريّ خطوة نحو تحقيق تحول سياسيّ سلميّ، يقوم على احترام حقوق الإنسان، وتمثيل جميع الأطياف بشكلٍ عادل.
ضرورة وجود هيئة سياسيّة ديمقراطيّة
المعارض السوريّ عبد الرزاق حاج محمد الذي حضر أعمال مؤتمر مسار أبدى استغراباً شديداً إزاء ما وصفه بالادعاءات التي تُشاع وتوجه إلى المؤتمر دون أي مُبرر على الإطلاق، وذلك في مقطع مصوره على صفحته فيما أسماه شهادته على المؤتمر وقال: دائماً توصف أي حالة سياسيّة أو مؤتمر سياسيّ يحضره مسد بأنّ مسد هو الذي يرعاه، رغم أنّ الجميع يعرف أن المؤتمر عُقد برعاية مؤسسة أولف بالمه السويديّة وهي مؤسسة معروفة بدعمها للمسار الديمقراطيّ في العالم ولكنها مهتمة بالشرق الأوسط بشكلٍ أكبر. وفعلاً كان مسد حاضراً ولكن كأحد المشاركين في المؤتمر ولم يكن حضور مهيمناً كقوةٍ سياسيّة، بل إنّ مسد حصر بصفة شخصيات وبالتالي فكلُّ الاتهامات التي توجه مغرضة.
وأضاف حاج محمد: “يبدو أن أعداء الديمقراطيّة يمتعضون عند وجود الديمقراطيّة أو تحرك ديمقراطيّ، والحقيقة أنّ المؤتمر جيد، وإن وُجدت أخطاء فإنّها لا تقللُ من أهميةِ العملِ ونجاحه والبرنامج الذي طُرح كان جيداً وتمت مناقشته بشكلٍ عميقٍ وأضيفت اقتراحات وانتقادات، والمشروعُ سوريّ بامتيازٍ وكلّ من قام بجهدٍ بهذا العمل يستحقّ التقدير. فهو جهدٌ وطنيّ بامتياز”.
ولفت حاج محمد إلى “إذا واصلنا انتقاد أي مسار ديمقراطيّ لن تكون لدينا هيئة سياسيّة ديمقراطيّة في البلاد، والملاحظ وجود العديد من الهيئات السياسيّة من كل الأنواع، إلا أنّه لا وجود لهيئة سياسيّة ديمقراطيّة، وهذا ما يجب العمل عليه”.
مبادرة الحل السياسيّ
كانت الإدارةُ الذاتيّة لشمال وشرق سوريا قد طرحت في 18/4/2023، مبادرةً لحلّ الأزمة السوريّة، وتضمنت المبادرة رؤية للحلِّ الديمقراطيّ من تسع نقاط رئيسيّة؛ شملت جوانب مختلفة للأزمةِ، وسُبل الخروج منها، وأكّدت المبادرة استعدادَ “الإدارة الذاتية”، للحوار مع حكومةِ دمشق وجميع الأطرافِ السوريّة للتشاور والتباحث وتقديم مبادرات وإيجاد حل للأزمة السوريّة. ولم تكن المبادرة مجرد رؤية تنظيريّة للأزمة السوريّة، بل تقييماً لها، صحيحٌ أنّ المبادرة لم تكن الأولى، ولكن الأكثر نضجاً وشمولاً.
من الضرورة بمكان طرح هذه المبادرة مراراً ودراستها، والبداية أنّ المبادرة كانت دعوة مفتوحة للسوريين للحوار الوطنيّ، ولم تتضمن أيّة شروط، بقدر ما تضمنت حقوقاً ومبادئ أساسيّة.
شخّصتِ المبادرةُ أسبابَ استمرارِ الأزمة السوريّة رغم تعدد المنصات (جنيف – آستانا – اللجنة الدستورية ـ وغيرها)، وأرجعتها إلى ثلاثة عوامل: الأول: غياب التحليل والتشخيص الصحيح للأزمة السوريّة، والثاني: عدم الخروج ببرنامج حلٍّ سلميّ وديمقراطيّ، والثالث: عدم إشراك جميع القوى السوريّة الفاعلة في عملية الحوار، والإصرار على الحلول المطروحة من الخارج.
كان مبدأ وحدة الأراضي السوريّة أساسَ المبادرةِ وجاء فيه: “لا يمكن حلّ المشاكلِ التي تعيشها سوريا إلا في إطارِ وحدةِ البلاد”، وأضافت “ينبغي التوصّل إلى حلٍّ ديمقراطيّ تشارك فيه جميع فئات المجتمع عبر الإيمان بالاعتراف بالحقوق المشروعة لسائرِ الشعوب، وتأسيس نظامٍ إداريّ سياسيّ ديمقراطيّ تعدديّ لا مركزيّ يحفظُ حقوقَ الجميع من دون استثناء”.
وأكدت المبادرة على “ضرورة توزيع الثروات والموارد الاقتصاديّة بشكلٍ عادل بين كل المناطق السوريّة”، و”ضرورة مشاركة هذه الموارد من خلال الاتفاق مع حكومة دمشق عبر الحوار والتفاوض”.
ولفتت إلى أنّ “مسؤوليّة إعادة فتح المعابر تقع على عاتق حكومة دمشق، حيث يمكن إيجاد حلٍّ معقولٍ لهذه المشكلة يناسب الجميع ويصب في مصلحة الشعب السوريّ في كل مكان”، وعبّرت عن استعدادها لـ”استقبال من نزحوا من مناطقهم أو هاجروا إلى خارج البلاد وإنهاء معاناتهم الإنسانية ضمن إمكانياتها المتاحة”.
وأضافت: “بهدف تطوير حل ديمقراطيّ وسلميّ في سوريا، نتوجه في المُقدمة إلى الدول العربيّة والأمم المتحدة وجميع القوى الدوليّة الفاعلة في الشأن السوريّ، ونطالبهم جميعاً بأن يؤدّوا دوراً إيجابيّاً وفعالاً يُسهِم في البحث عن حلٍّ مشتركٍ مع حكومة دمشق والإدارة الذاتيّة والقوى الوطنيّة الديمقراطيّة”.
وحددت المبادرة إطار دعوتها بالقول: “لدينا نهجٌ واضحٌ لحلٍّ معقولٍ نطرحه على كلِّ الأطرافِ لبناءِ أساسٍ للحوارِ والاتفاق المستقبليّ؛ فنحن نطرحُ هذه المبادرة على قاعدةٍ وطنيّةٍ وندعو الجميعَ للمشاركة والإسهام فيها في المرحلة الحالية، من خلال تسريع الجهود والمساعي الرامية إلى رأبِ الصدع وإنهاء الصراع”.
وجاءت مبادرة الإدارة الذاتيّة في شمال وشرق سوريا إدراكاً منها للمتغيّر العربيّ، ولذلك استبقت انعقادَ قمةِ الجامعةِ العربيّة في جدة وعلى هذا الأساس توجهت إلى الدول العربية، والأمم المتحدة والقوى الدوليّة الفاعلة في الشأنِ السوريّ، وطالبتهم بتأديةِ دورٍ إيجابيّ وفعّال في إيجادِ حلٍّ مشترك ديمقراطيّ وسلميّ مع حكومة دمشق والإدارةِ الذاتيّة والقوى الوطنيّة الديمقراطيّة، إلا أنّ حكومة دمشق لم ترد على المبادرةِ.
مبادرة الإدارة الذاتيّة هي دعوة للحوار الوطنيّ، وبالوقت نفسه مناشدة للدول العربيّة والأطراف الدوليّة ذات العلاقة، ولا يُنظر إليها مكتملة بذاتها، بل الحاجة ملحة لعقد العديد من اللقاءات مع الأطراف السوريّة، وكان مؤتمر المسار الديمقراطيّ السوريّ خطوةً مهمة في هذا الصعيد.
من الطبيعيّ أنّ حكومة دمشق جزء هام من الحلّ، على قاعدة أنّ ما كان سبباً في الأزمة فهو من عوامل الحلّ أيضاً، مع وجود عوامل أخرى يجب أخذها بالاعتبار أيضاً، ويفترض أن تقوم بدور فاعلٍ في إطار الحلّ السياسيّ لكونها لا تزال متمسكة بالسلطة، ومازال التعاطي الدوليّ يتم معها. لكن قاطرة الحلّ يجب أن تستكمل استعداداتها في سوريا، وتنطلق من بعدها إلى الخارج، فيما لن يأتي من الخارج إلا قاطرة التسوية وفقاً لمصالح الدول المتدخلة بالشأن السوريّ، كما تجسد أستانه ذلك، والتي أنتجت المسارَ التصالحيّ بين أنقرة ودمشق برعاية موسكو، والذي ينطوي على قفزٍ فوق مقتضيات القرار الأمميّ 2254.
No Result
View All Result