بدرخان نوري
تعرّض موسم الزيتون في عفرين المحتلة هذا العام لأسوأ حملات سرقة ونهب وانتهاكات وإتاوات، وبخاصةٍ أنّ الحقول التي سُرِق موسمها دُفعت الإتاوات عنها، بما فيها إتاوة الحماية، وبذلك لم يهنأ الأهالي بموسم الزيتون الواعد هذا العام. وبدأت عمليات السرقة مبكراً هذا الموسم منذ بداية أيلول الماضي، أي قبل نضج الثمار، وتجاوزت قيمة مسروقات الموسم مائة مليون دولار، ولم تغِب الدوافع العنصريّة عن جرائم السرقة فانحصرت في عفرين دون المناطق المحتلة الأخرى.
إتاواتٌ ونهبٌ بدوافع عنصريّة
مع قُرب حلول موسم الزيتون، أصدرت الاستخبارات التركيّة توجيهات إلى كل مجموعات مرتزقة ما يسمّى “الجيش الوطني”، دون استثناء، لتستنفر من أجل سلب ونهب أكبر نسبةٍ من موسم الزيتون الذي يشكّل مصدر الرزق الرئيسيّ لأهالي منطقة عفرين.
قام فريق مما يُسمى “غرفة الزراعة” بجولة تفقديّة لمعاصر الزيتون في عفرين، وقال إنّ هدف الجولة التأكد من جاهزيتها استعداداً لبدء الموسم، وأنّه من المقرر أن تبدأ المعاصر بالعمل اعتباراً من الثلاثاء 15/10/2024.
وفي 2/10/2024، زار والي هاتاي مصطفى ماساتلي معمل تعبئة زيت الزيتون في مدينة عفرين، وذلك خلال زيارته الدوريّة لإقليم عفرين المحتل. وهذه الزيارات لا هدف لها إلا تقديم صورة إعلامية مغايرة للوقائع، لأنّ موسم سرقة المحصول بدأ مبكراً مع مطلع أيلول الماضي. بدأت بإلغاء الوكالات بالنسبة لحقول المواطنين الغائبين والتي يديرها أقرباؤهم. والمعلوم أنّ موسم الزيتون في عفرين يبدأ اعتباراً من منتصف شهر تشرين الأول- بدءًا من الحقول أقل حملاً ـ وبعد هطول الأمطار الخريفيّة، ما يزيد نسبة الزيت في الثمار ويحسّن نوعيّته.
وتعددت وسائل السرقة والنهب ما بين الاستيلاء المباشر على حقول تضم ملايين أشجار الزيتون من ممتلكات الغائبين والمهجرين قسراً، وكذلك فُرضت إتاوة تراوحت /1ــ 35/ دولاراً أمريكيّاً على الشجرة الواحدة، وطالت حملات السرقات الواسعة الكثير من الحقول.
وتمت إجراءات السرقة وفق خطط ممنهجة وإجراءات متتابعة نُفذت بوتيرةٍ تصاعدية منذ عام 2018، وبحسب التقرير التوثيقي الأسبوعي الصادر عن حزب الوحدة الديمقراطيّ الكرديّ (يكيتي) المؤرخ 12/10/2024، فمن المرجح أن يتجاوز مقدار المال المنهوب من الموسم الحالي مائة مليون دولار أمريكيّ، وسيتم تقاسمه بين عدة جهات، والقسم الأعظم يذهب إلى جيوب متزعمي المرتزقة، فيما يذهب قسم منه على شكل هدايا إلى مسؤولي الائتلاف السوريّ ــ الإخوانيّ وما تسمى الحكومة المؤقتة، وهذه الإجراءات تأخذ طابعاً عنصريّاً إذ إنّها تشمل فقط أهالي عفرين الكرد، فيما لا يفرض المرتزقة إتاوات على موسم الزيتون وغيره ولا يُستولى على الأراضي الزراعيّة والحقول في باقي المناطق الخاضعة للاحتلال التركيّ مثل (إعزاز، الباب، جرابلس) كون غالبيّة سكّانها من العرب والتركمان.
خوف من الشكوى حول السرقات
فوجِئ مواطن كرديّ لدى ذهابه برفقة ورشة عمال إلى حقل الزيتون الذي يملكه والكائن في محيط قرية كفرجنة بناحية شرّا، لجني المحصول، بأنّ كامل أشجار الحقل وعددها سبعين شجرة قد تم تحويشها وسرقتها، وكان المواطن يمنّي نفسه بموسم جيد بعد عامين من الانتظار، فبادر إلى تصوير الحقل بحرقةِ قلبٍ وأرسل المقطع إلى ناشط إعلاميّ في عفرين لتوثيق ذلك ضمن الانتهاكات على حقول الزينون.
لم يمضِ وقت طويل حتى استدرك المواطن، وأرسل للناشط رسالة صوتيّة أخرى، يرجوه فيها عدم نشر الفيديو المصوّر للحقل، لأنّه سيحدد موقع الحقل المسروق، وسيقدم اللصوص على أعمال انتقامية منه، وقد يقطعون كلّ الأشجار، واعتمد المواطن مبدأ “أهون الشرور”، “فخسارة موسم واحد خير من خسارة الحقل كله”.
الخسائر التي تكبدها المواطنون الكُرد هذا الموسم كانت كبيرة جداً بالنسبة للحقول الباقية بأيديهم، لكن الخسارة كانت أكبر بالنسبة لحقول أقربائهم والتي كانوا يعتنون بها بموجب وكالات، فقد تحملوا على مدى عامين نفقات حراثة الأرض والتقليم والسماد والري في بعض الحالات. وقبل الموسم بفترة وجيزة ألغى مرتزقة الاحتلال العملَ بالوكالات واستولوا على الحقول وصادروا الموسم دون أدنى كلفة.
كثير من حقول المواطنين الباقين في عفرين تعرضت لسرقةِ الموسم، إضافةً لشكل آخر من السرقة، عبر إلزام الأهالي بعصر الزيتون في معاصر يديرها مرتزقة ومحسوبين عليهم، كما مُنع الأهالي من أخذ موسم حقل يقع ضمن قطاع “مجموعة مرتزقة” معينة إلى خارج القرية أو قطاع مجموعة أخرى.
تخيير بين الإتاوة أو السرقة
أقدّم مرتزقة صقور الشمال في قرية قزلباشا/ الرأس الأحمر بناحية بلبل بقيادة المدعو “كوسوفي” على سرقة ثمار الزيتون لنحو 400 شجرة خلال ثلاثة أيام من الأسبوع الماضي، وتُقدر الكمية المسروقة بنحو 200 جوال زيتون (300 تنكة زيت)، تتجاوز قيمتها نصف مليار ليرة سوريّة.
وجلب المرتزقة ورشاً ضمت عشرات العمال لسرقة المحصول ليلاً، وعمدوا إلى سرقة العديد من الحقول وفيرة الإنتاج بمعدل 10ــ 20 شجرة من الحقل الواحد، وجاءت السرقة بعد فرض إتاوة مقدراها 400 ليرة تركيّة بذريعة حراسة حقول الزيتون كما فرضوا إتاوة على الموسم مقدراها 100 دولار عن كلّ حقل.. وتفيد المصادر المحليّة أنّ عملية السرقة ممنهجة ومعظم الحقول المسروقة تقع في محيط نقاط انتشار مرتزقة صقور الشمال، وانتقاء أشجار محددة من كل حقل يهدف للضغط على الأهالي، وتخييرهم ما بين دفع إتاوة بذريعة الحراسة أو سرقة كامل الموسم.
كما سرق مرتزقة الشمال حقول الزيتون في ناحية شران، بعد فرض الإتاوات عليها، وسرقوا أيضاً محصول أكثر من 200 شجرة في قرية كمروك.
سرقة بعد فرض إتاوة الحماية
أحد مجموعات المرتزقة والمسيطر على عشرات القرى خيّر الأهالي ما بين قيام الأهالي بحراسة الحقول على نفقتهم، أو يقوم المرتزقة بتأمين الحراسة، وأيّاً كان خيارهم فهم ملزمين بدفع مبلغ دولارين عن كلّ شجرة. وإذا كان عدد الأشجار في الحقول الموجودة ضمن القطاع يتجاوز المليون شجرة؛ فإنّ عوائد إتاوة الحراسة ستتجاوز مليوني دولار. وفرض مرتزقة “العمشات” إتاوة مقدارها (6) ليرات تركيّة على كل شجرة بحجّة حمايتها من السرقة وذلك في القرى الخاضعة لسيطرتهم.
مرتزقة “الحمزات” ألغت كافة الوكالات التي بموجبها يدير المواطنون الباقون ممتلكات موكليهم الغائبين والمهجرين، واستولوا عليها تماماً، وفرضوا على كلّ عائلة إتاوة مقدراها /150/ دولار بحجة وضع الحراسة على حقول الزيتون. وبدأ مرتزقة “الحمزات” بقطاف الزيتون من حقول “الوكالات” في قرية كَوركان بناحية جندريسه، بعد إلغاء وكالات حقول المهجرين والغائبين، واستولت عليها بالكامل، دون دفع تكاليف الخدمات الزراعية المقدمة على مدار العامين الماضيين.
وسرق مرتزقة القوة المشتركة، بقيادة المدعو “أبو كاسر”، ثمار الزيتون من حوالي /150/ شجرة في قرية معرسكة بناحية شرّا. فيما أحرق مرتزقة “سليمان شاه” /335/ شجرة زيتون في قرية “حسيه” بناحية ماباتا/معبطلي تعود ملكيتها لمواطنين لم يدفعوا الإتاوات المفروضة عليهم.
المفارقة أنّ مجموعات المرتزقة يفرضون إتاوة بحجة حماية الحقول من السرقة، رغم أنّ لصوص الزيتون هم من المرتزقة والمستوطنين المقرّبين منها. وروّجت مرتزقة “القوة المشتركة” وهي تحالف العمشات مع الحمزات” مطلع الشهر الحالي لقصة لا أصل لها في الواقع، إذ ادّعت أنّها تبذل جهوداً لحماية موسم الزيتون، وأنّ المكتب الخدمي الاقتصادي في قرية الباسوطة نشر نقاط حراسة ثابتة ضمن الأراضي الزراعيّة، بهدف حماية مزارع الزيتون الخاصة بالأهالي، وزعمت أنّ الفرق الدوريّة تعمل على مدار 24 ساعة لضمان سلامة المحاصيل وتأمينها خلال الموسم.
في قرية “قورنه” بناحية بلبل، فرض عناصر تابعين للمدعو “عدنان الخويلد/ أبو وليد العزة” من مرتزقة “السلطان مراد” إتاوة بلغت 60% على انتاج الزيتون من حقول المواطنين الغائبين، والتي يديرها أقرباؤهم بموجب وكالات، مع تهديدات بالاستيلاء على الحقول ما لم تُدفع الإتاوات.
حرمان الأبناء من تركة ذويهم
الحقول والأراضي الزراعيّة التي كانت تُدار من قبل أصحابها من كبار السن خلال السنوات السابقة، ومنهم من توفي، وبذلك أصبحت أملاك المتوفين تركة/ ورثة لأفراد عائلتهم، إلا أنّ ما تسمى “اقتصاديّة” المرتزقة تتدخل وتبلغ الأبناء الموجودين بأنّ الورثة من إخوتهم وأخواتهم الغائبين والمهجرين قسراً لا حقّ لهم في التركةِ. وليصبح المرتزقة ورثة أملاك المتوفين من أهالي عفرين، وتأخذ هذه المسألة منحىً خطيراً مع الأخذ بالاعتبار أنّ النسبة الأكبر من الأهالي الباقين في عفرين بعد العدوان والاحتلال هم كبار السنّ.
حواجز إضافية لتحصيل الإتاوات على الموسم
ذكرت شبكة عفرين بوست الإعلاميّة في 14/10/2024 أنّ مرتزقة “الحمزات” قامت بوضع حواجز إضافية في مفارق قرى: كوليان فوقاني، شيخ، جيه/جبلية”، لأجل تحصيل المزيد من الإتاوات المفروضة على موسم الزيتون وعلى السيارات المحمّلة بالزيت والزيتون.
وأقدم مستوطنون يسكنون في محيط “المشفى العسكري” بحي المحمودية في مدينة عفرين على سرقة ثمار الزيتون لنحو /45/ شجرة تعود ملكيتها للمواطن “مصطفى أحمد أحمد خلف”، رغم الشكاوى المقدّمة لمقرّ مرتزقة “أحرار الشرقية” القريب من المكان ودون جدوى.
اعتقال مرتزق للملمة فضيحة انتهاكاته
بحسب شبكة عفرين بوست الإعلاميّة؛ فإنّ المرتزق المدعو “مجيب الشيخ/ أبو أحمد” يحكم فعليّاً قرية “ترميشا” بناحية شيه/ شيخ الحديد، وقد انشق عن مرتزقة “محمد الفاتح” وانضم إلى “سليمان شاه/ العمشات” في تشرين الأول 2022 عندما انتزع مرتزقة “سليمان شاه/ العمشات” السيطرة على بلدة ماباتا ومعظم قراها. وأنشئ بعدها حاجز على مفرق القرية باتجاه عفرين وشيخ الحديد يترأسه مجيب ويديره المدعو “مجيب” وفق قوانينه.
يفرض المدعو “مجيب” الإتاوات على كلّ المواسم الزراعيّة. وفي الموسم الماضي منع الأهالي من الذهاب إلى حقول الزيتون الكائنة على طريق الحاجز، فدفع له الأهالي آلاف الدولارات. وأخذ تلك المبالغ لصالحه دون أن يشرك فيها عناصر الحاجز ولا حتى متزعمي “العمشات”.
وفي الموسم الحالي منع المدعو “مجيب” الأهالي من الذهاب إلى حقولهم لرفضهم لدفع الإتاوات، فقام مع عناصره وعوائلهم بنهب وسلب ثمار أشجار الزيتون لعدد من المواطنين، وضرب بعضهم وعذّبهم دون سبب. فقد ضرب المواطن “حسن أمين” وعذّبه بشكلٍ وحشيّ، كما ضرب المواطن “محي الدين حسن” وأشهر عليه مسدسه مهدداً بقتله بحجّة أنّ كلبه تهجم على ابنه، وضرب المواطن “حمودة خوجة” من ذوي الاحتياجات الخاصة على مرأى أهالي القرية.
وراكم المدعو “مجيب ثروة كبيرة من أموال الإتاوات والخوة التي حصّلها بالقوة من الأهالي، وتفيد المعلومات أنّه اشترى مؤخراً مصاغاً من الذهب لزوجته بمبلغ 14 ألف دولار.
وناشد أهالي قرية ترميشا تحت وطأة المظالم التي يعانون منها المنظمات الحقوقيّة والإعلاميّة لإيصال صوتهم إلى المجتمع الدوليّ، لتخليصهم من سوء الأوضاع وإنهاء الاحتلال التركيّ والمجموعات التابعة له للمنطقة.
“مجيب” ليس وحده وأمثاله آلاف من متزعمي المجموعات ومرتزقيها والمحسوبين عليها… وكلهم يتحدث عن الثورة والجهاد والكرامة والعدالة…
وفي مسعى للملمة الفضيحة التي أُثيرت حول الانتهاكات التي اقترفها المرتزق “مجيب” داهمت مساء السبت 12/10/2024، دورية من المكتب الأمني في بلدة ماباتا لمرتزقة “سليمان شاه” التي يتزعمها المدعو “محمد الجاسم/ أبو عمشة”، قرية “ترميشا” بناحية شيه/ شيخ الحديد واعتقلت عدد من المواطنين الكرد وهم: “محمد يوسف، فتحي حبش خليل، حمودة محمود خليل، عدنان عزيز حسن، عصمت بطال، رشيد رمزي خليل، شيخ علي عبيد، منان حسن عويرش، شعبان علي، إدريس حمو رشكي، خليل نوري، فتحي حبش، محمد وليكو، عصام أصلان حسن، حكمت محمد يوسف، حيدر جميل، حسن أمين، محي الدين حسن، حمودة خوجة” الذين وردت أسماؤهم في تقرير لـ”عفرين بوست”، نشر بتاريخ 11 تشرين الأول حول الانتهاكات المرتكبة بحقهم.
وأحضرت الدورية معها المدعو “مجيب”، وبعد التحقيق وإدلاء الموطنين بإفاداتهم حول الإتاوات المفروضة عليهم والسرقات التي طالت حقول الزيتون والتعذيب الذي تعرّضوا له على يدّ “مجيب”، تمّ الإفراج عنهم آخر الليل، فيما تم الإبقاء على المدعو “مجيب” قيد الاحتجاز لدى المكتب الأمني.
وخلال أقل من شهر، تمّ تداول فضائح وفظائع لمرتزقة “العمشات” في قرى “كاخره، حسيه/ ميركان، ترميشا” على وسائل التواصل الافتراضي وشبكات وتقارير إعلامية، نتيجة رفض الأهالي الانتهاكات وتصديهم للمرتزقة ونقلهم لأوجه المظالم بالصوت والصورة والمعلومات.
مشاجرة بسبب الخلاف حول الموسم
ذكرت شبكة عفرين بوست الإعلاميّة في 14/10/2024 أنّ مشاجرةً يوم الأحد في قرية “حبو” بناحية ماباتا، قد وقعت بين مرتزقة “لواء المنتصر بالله” ومستوطنين يسكنون في القرية، بسبب الخلاف حول النسبة (أجور القطاف) من إنتاج حقول الزيتون العائدة لأهالي القرية، والمستولى عليها من قبل مرتزقة “المنتصر بالله” منذ عام 2018.
وفيما يعطي المرتزقة نسبة 10% من الموسم يطالب المستوطنون بنسبة 50%، وتخلل المشاجرة إطلاق الرصاص أيضاً. وقام وفدٌ من أهالي القرية بمراجعة مقرّ قيادة مرتزقة “المنتصر بالله” في قرية “قوبيه” بناحية راجو، وقدّم شكوى ضد المستوطنين في القرية، الذين يسرقون ثمار الزيتون من حقولهم بكثرة. واللافت أنّ ما يطالب به المستوطنون كأجور تفوق حصة المواطن الكرديّ صاحب الحقل.