أكدت إعلاميات إقليم شمال وشرق سوريا في يوم صحافة المرأة الكردية، أنهن أقلام واعدة وصامدة أمام التحديات لكشف الحقائق وتوثيق الانتهاكات، وبينَّ أنهنَّ سيسرنَ على طريق الشهيدات الإعلاميات ممن حملن على عاتقهنَّ كسر هيمنة الدول الاستبدادية، وإصارهنَّ على إيصال صوت المرأة الحر للعالم.
يصادف السابع من تشرين الأول من كل عام، يوم صحافة المرأة الكردية، إذ استشهدت في هذا اليوم إحدى طليعيات الصحافة الكردية والمقاتلة “غربتلي أرسوز”، صحفية أصبحت بمعرفتها وطراز حياتها، منارة للنساء، وخاصة الصحفيات، وعلى الرغم من مرور 27 عاماً على استشهادها لا تزال الصحفيات إلى الآن يقتدين بإرثها الصحفي.
إضاءة على حياة غربتلي أرسوز
صحفية جمعت الرقة والصلابة، وحب الوطن والقلم، فوجدت نفسها مثل مرساة سفينة ضلت طريقها بعد أن اصطدمت بواقع مليء بالظلم خلال سنوات التسعينات، فشهدت على حرق القرى والإبادة الجماعية والاختفاء القسري والجرائم التي ارتكبها الاحتلال التركي في باكور كردستان، لذلك وظفت قلمها لفضح الظلم والانتهاك الذي تعرضت له الشعوب.
غربتلي أرسوز من مواليد عام 1965 بولاية آل عزيز بباكور كردستان، درست الكيمياء في جامعة أضنة التركية ومن ثم عملت في جريدة “الهدف التركية”، تعرضت للاعتقال في تلك الأثناء، وسجنت عامين متواصلين، وفور إخلاء سبيلها اتجهت للعمل في جريدة “أوزكور كوندم”، وأصبحت أول صحفية تتولى إدارة التحرير في وسائل الإعلام في باكور كردستان وتركيا.
وفي عام 1995 انضمت إلى حركة حرية كردستان واتخذت لنفسها اسماً حركياً هو “زينب آكر” ناضلت كقيادية وصحفية في العديد من الساحات. واستشهدت غربتلي أرسوز بتاريخ السابع من تشرين الأول عام 1997، وتخليداً لذكراها أقر كونفرانس المرأة الكردية الثاني الذي عقد في مناطق الدفاع المشروع عام 2013 يوم السابع من تشرين الأول يوم صحافة المرأة الكردية.
النهوض بالصحافة وتغيير نظرة المجتمع
وبهذا الصدد؛ حدثتنا مراسلة إذاعة ستار أف أم “فاطمة عباس” التي تعمل في مجال الإعلام منذ أربع سنوات عن تغيير المرأة الإعلامية لنظرة المجتمع: “عملت المرأة في تسليط الضوء على القضايا التي تهم المجتمع، ولا ننسى أن للإعلاميات دوراً مهماً في كسر الصور النمطية السلبية عن فئات معينة من المجتمع، فقد شاركت المرأة في العديد من المجالات، ولعبت دوراً بارزاً في المجال الإعلامي بعد تشكل المؤسسات الإعلامية كالإذاعات والوكالات والفضائيات، ومع استمرار المرأة بعملها الدؤوب في مجال الإعلام تمكنت من تأسيس عدة مؤسسات إعلامية خاصة بها، وبهذا استطاعت تشكيل الوعي المجتمعي وتعزيز الثقافة العامة، ما أدى لتغيير نظرة المجتمع حول عملها في السلك الإعلامي والصحفي”.
وأشادت فاطمة إلى دور الشهيدة غربتلي أرسوز في النهوض بالمجال الصحفي: “لقد عززت الشهيدة غربتلي أرسوز الصحافة الكردية بتقاليد إعلامية عمرها قرن من الزمن، فأصبحت أول صحفية تتولى إدارة التحرير في وسائل الإعلام في باكور كردستان وتركيا، و بشخصيتها البارزة في مجال الإعلام تركت بصمة واضحة في بناء أساس إعلام المرأة، فقد عَمِلت الشهيدة غربتلي على تعزيز دور المرأة في الإعلام من خلال إظهار قضاياها، ومشاكلها للمجتمع وسعيها لتمكين النساء في التعبير عن آرائهن وأنفسهن ومناقشة قضاياهن، ومحاولاتهن اللامحدود لكشف حقيقة الفاشية التركية”.
وتابعت: “نرى اليوم آلاف الشابات الإعلاميات يسرن على طريق شهداء الإعلام الحر مثل الشهيدة دليشان إيبش ونوجيان أرهان ودنيز فرات، وغيرهن من الشهيدات اللواتي تركن وراءهن إرثًا قيّماً في الصحافة الكردية بلون المرأة المناضلة، وحافظن على هذا الإرث بمواصلة النضال وتحقيق المزيد من المكتسبات القيّمة، لذلك كانت المرأة الكردية على مَرّ التاريخ حاجزاً غير مرغوب لأعداء الشعب الكردي وشعوب كردستان الأخرى”.
السعي لتطوير إعلام المرأة
كما بينت فاطمة أن الصحفيات يواجهن تحديات كبيرة، مما يضعنَ على عاتقهن مسؤوليات إضافية مثل توثيق وتغطية الانتهاكات التي تتعرض لها الصحفيات الأخريات، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية والنفسية.
ودعت الصحفيات إلى إنشاء شبكات الدعم والمشاركة في مبادرات من شأنها تعزيز حقوق الصحفيات، وتوفير الحماية لهن: “علينا أن نقدم الأخبار والمعلومات بدقة، وموضوعية تامة لتعزيز حرية التعبير، ومصداقية الإعلام، وفي ثورة التكنولوجيا التي نعيشها ينبغي استغلال وسائل التواصل الافتراضي؛ لنشر ما تتعرض له المرأة وبأدق التفاصيل والوصول إلى مجتمع أوسع، ولا ننسى أن التدريب والتعليم المستمر لهما الدور الأساسي في التعامل مع التحديات الحالية والمستقبلية”.
في نهاية حديثها، عاهدت مراسلة إذاعة ستار إف أم “فاطمة عباس” على مواصلة طريق الشهداء في إعلام المرأة، وإيصال صوت المرأة الكردية والكردستانية للرأي العام، وتسليط الضوء على قضايا المرأة، وإبراز دورها الريادي في بناء مجتمع ديمقراطي حر، وفق أسس الأمة الديمقراطية ونهج القائد عبد الله أوجلان.
إعلام نسوي بلغة المرأة
وبدورها استذكرت مراسلة وكالة أنباء هاوار في حلب “نسرين شيخو” والتي انضمت إلى المجال الإعلامي منذ ثلاث سنوات في بداية حديثها الصحفية غربتلي أرسوز: “بينما يستخدم النظام الرأسمالي الذي يؤمن ديمومته وسيرورته بانتهاجه الذهنية الذكورية القائمة على إقصاء وتهميش المرأة واعتبارها سلعة للترويج لا غير، ويسعى لإخراج المجتمعات من جوهرها الحقيقي وإيصالها إلى درجة الهذيان والتخدير واستخدامه الإعلام بشكل لا يتناسب مع مصالح الشعوب، فهنا استطاعت غربتلي أرسوز أن تؤسس إعلاماً نسوياً بلغة ولون المرأة كبديل للإعلام الموجود بطابع الرجل”.
تابعت: “لقد سعت غربتلي أرسوز إلى فضح محاولات محتلي كردستان الرامية لإنهاء الوجود الكردي وجغرافية كردستان من خريطة العالم، وأثبتت للعالم أجمع بأن هناك قضية كردية ومقاومة من الثوار الكرد في المدن وعلى ذرا جبال كردستان، وكشف قناع المحتل الذي لطالما ارتكب المجازر بحق الكرد إلى جانب إظهارها مواقف البواسل وشجعان حركة حرية كردستان، من خلال مجالها المهني”.
صمود وإصرار في وجه التحديات
وأكدت نسرين أن الدول المهيمنة أدركت مدى خطورة نضال المرأة وفضحها الجرائم، التي ترتكب بحق الإنسانية، مما أدى إلى غضب هذه الدول وسعيها لاستهداف النساء وعلى وجه الخصوص الإعلاميات، وإن الإعلاميات في أجزاء كردستان تتعرض للانتهاكات ففي باشور كردستان لا تكف حكومة الإقليم عن اغتيال واعتقال كل من يساهم في إيصال صوت الشعب للرأي العام، وأن ما يُناقش على طاولة المفاوضات بينها وبين المحتل التركي منها المتاجرة بأراض كردستان والانتهاكات بحق الطبيعة والسكان، واغتيال الناشطة ناكيهان آكارسال في السليمانية عام 2022 إضافةً إلى استهداف الصحفيتين كلستان تارا وهيرو بهاء الدين بتاريخ 23 آب من العام الجاري يثبت مدى عدائية حكومة الإقليم للصوت الحر”.
وإيران لا تختلف عن حكومة إقليم كردستان من ناحية اعتقال الصحفيين والصحفيات، وإصدار أحكام الإعدام بحقهن وذلك بهدف كسر إرادتهن، حيث وصل عدد النساء اللواتي أعدِمن في إيران منذ عام 2007 وحتى العام الحالي إلى ما لا يقل عن 249 امرأة، منها 20 امرأة منذ بداية عام 2024 من بينهن النشاطات والصحفيات، أما بخشان عزيزي وشريفة محمد واللتان أصدرتا حكم الإعدام بحقهما أيضاً في شهر آب من العام الحالي لا يزال يمارس بحقهما كافة أنواع التعذيب الوحشي لإرغامهما عن التخلي عن نضالهما والخضوع لنظام السلطة الإيرانية.
كما شددت على أن هذه الانتهاكات التي تطال الصحفيات والإعلاميات في أجزاء كردستان الأربعة؛ لم تثنيهن عن استكمال مسيرتهن: “أن النساء اللواتي تسلحن بفكر القائد عبد الله أوجلان، وعملن به وأمنَّ بقوتهن وقدرتهن في استرداد حقوقهن المسلوبة من جلاديهن يستحيل كسر إرادتهن أو إخضاعهن لا في المحاكم ولا الاستهدافات ولا الاغتيالات، وعلى النساء أن يسطرن حروف المقاومة في صفحات الزمان كما فعلت الشهيدة غربتلي أرسوز، وأيفر سيرجي في إيران، ودنيز فرات في مخمور وشنكال نوجيان إرهان، والصحفية في وكالة أنباء هاوار دليشان إيبش، ورئيسة تحرير مجلة علم المرأة ناكيهان أكارسال في السليمانية، وكلستان تارا وهيرو بهاء الدين في باشور كردستان، وفاءً لتضحياتهن”.
وفي ختام حديثها دعت الصحفيات للتصعيد من وتيرة نضالهن وينظمن أنفسهن ويوثقن بعدساتهن، وأقلامهن وأيديولوجيتهن وحشية الأنظمة الاستبدادية بانتهاجهن نهج القائد عبد الله أوجلان والذي يصر على أن “حرية المجتمعات تمر من حرية المرأة ولا تتحقق بدونها” وأن يثبتن للعالم أجمع بأنه لا يمكن محاكمة النضال التحرري لشعب في محاكم المستعمرين والطغاة وأن صوت الحق لا تخيفه طلقات الرصاص، ولا تمحيه أحدث التكنولوجيا وإن الإرادة القوية والعزيمة دائماً ما تنتصر في نهاية المعارك والثورات.
كسر القوالب لبلوغ مكانة عالمية
وفي السياق ذاته أشارت الإعلامية “ليلى شيخو”، أن المرأة استطاعت أن تصنع بصمتها الخاصة في مجال الإعلام، وشقت طريقها للوقوف في وجه الأنظمة الاستبدادية بالرغم من الهجمات التي تطالها: “إن المرأة اليوم في روج آفا وبعد أكثر من عشر سنوات في مجال الإعلام كانت قادرة على أن تصبح مراسلة ميدانية ومحررة ومذيعة وإدارية في مؤسسات الإعلام الخاصة بالمرأة، والعامة أيضاً وكانت قادرة على نقل الحقيقة وإيصال صوت المجتمع إلى العالم”.
كما بينت ليلى أنه بالرغم من أن المرأة جزء مهم في مجال الإعلام إلا أن الطريق أمامها مازال طويلاً لتثبت مكانتها عالمياً: “على المرأة الخروج من قوالب العادات والتقاليد البالية والتحرر من الذهنية الذكورية والفكر السلطوي حتى تحقق ذاتها وكينونتها التي تطمح إليها وتكون حقاً صوت للنساء المضطهدات، وتنشر حقيقة الظلم الذي تعاني منه شعوب المنطقة والنساء عامةً”.
واختتمت الإعلامية “ليلى شيخو” حديثها داعيةً الصحفيات والإعلاميات للمحافظة على نتاج الشهيدات والسير على طريقهن لفضح أشكال العنف والظلم الممارس بحق المرأة.
وقد أصدر اتحاد إعلام المرأة (YRJ) بياناً كتابياً، بمناسبة يوم صحافة المرأة الكردية، أكد فيه أن نهج إعلام المرأة تطور من خلال نضال دؤوب وتضحيات كبيرة.
وأكد البيان، لمواجهة نهج وعقلية الإعلام الذكوري – الدولتي لتشويه واقع المرأة في المجتمع، والوقوف ضد الاحتلال والإبادة الجماعية، أصبح إعلام المرأة الحر صوت المقاومة وصوت نضال المرأة الثورية، فقد نظم إعلام المرأة الحر صفوفه وتطور على نهج حرية المرأة: “تم خلق نهج إعلام المرأة الحرة بعد نضال دؤوب ومتواصل بدءاً من غربت ألي أرسوز وصولاً إلى ناكيهان وكلستان، وبُذلت في سبيل ذلك الكثير من التضحيات”.
وزاد اتحاد إعلام المرأة: “إن نهج شهيدات الإعلام الحر هو نهجنا، وواجبنا هو تحقيق آمالهن. ونقول بكل إصرار، إننا سوف نحقق النصر رغم هجمات قوى سلطة الدولة الذكورية. وسنكون الصوت والقلم الذي يعبر عن أفكار وآمال وقيم ونضالات المرأة المقاومة وعاشقة الحرية”.