No Result
View All Result
المشاهدات 9
بقلم دجوار أحمد آغا_
المشهد في شرق كردستان كان تراجيدياً، فمن جهة كان لاستشهاد زعيم بحجم سمكو آغا شكاكي بمكيدة غادرة، أثره السلبي في نفوس فرسان عشيرة الشكاك ومعظم كرد شرق كردستان، مما أدى الى تسرب اليأس لقلوب البعض منهم. لكن من الجهة الأخرى، كانت راية ثورة الاستقلال بقيادة إحسان نوري باشا وبإشراف جمعية “خويبون” التي أسسها أولاد بدرخان بك مير بوهتان وأولاد جميل باشا الدياربكرلي وممدوح سليم بك الوانلي غيرهم من المناضلين الكرد في بلدة “بحمدون” في لبنان سنة 1927، تُدخل الدفء والحرارة الى قلوب الآخرين.
يتساءل الدكتور عزالدين مصطفى رسول مترجم ومقدم كتاب الدكتور الشهيد عبد الرحمن قاسملو المعنون، “أربعون عاماً من الكفاح من أجل الحرية” في مقدمة الكتاب: “تُرى ما الذي دفع محمد آغا وثوق (والد الشهيد قاسملو) للتزوج بزوجته الأخيرة من الآثوريين المتشردين من “جولميرك”، وأن يأتيه منها وهو في الثالثة والستين من العمر، ولد دخل التاريخ الكردي عظيماً وأظهر اسمه الكرد من باب آخر من أبواب العالم؟”.
النشأة والتعليم
“ليلة يلدا” التي تُعدّ أطول ليلة في السنة، وفي أول ليلة من شتاء 1930 في أورميه، ولد عبد الرحمن، أو رحمان بن محمد آغا وثوق والذي عرفه العالم فيما بعد تحت اسم الدكتور عبد الرحمن قاسملو، نشأ قاسملو في بيت عريق له تاريخه في الوطنية الكردية من خلال والده محمد آغا وثوق، الذي لم يبخل على ولده بتقديم كل ما يلزم من أجل تعليمه أحين تعليم.
تلقى قاسملو تعليمه الثانوي في أرومية والعالي في طهران، وكان يتقن إضافة إلى اللغة الكردية الفارسية والعربية والتركية والأشورية والفرنسية والإنجليزية والتشيكية والسلوفاكية، وكانت لديه معرفة بالألمانية.
الدخول المبكّر للحياة السياسية
بحكم أن والده كان من الرجال الكرد المعروفين بارتباطهم بالحركة القومية الكردية، كما كانت له مكانة مميزة في مجتمعه حتى أنه كان ضمن الوفد الكردي الذي توجه إلى العاصمة الأذربيجانية باكو قبل تأسيس جمهورية كردستان الديمقراطية في مهاباد، وانضم للنشاط السياسي في سنة 1945 وهو ما يزال في الخامسة عشرة من عمره، بالتزامن مع قيام جمهورية مهاباد، وذلك عن طريق تشكيل اتحاد الشباب الكردي الديمقراطي في أرومية، ثم انتقل إلى باريس في 1948. وفي فترة تواجده في فرنسا شكل اتحاد الطلاب الكرد في أوروبا.
خروجه من الوطن
وبمساعدة من الحزب الشيوعي في إيران (توده) تمكن قاسملو من الحصول على منحة دراسية من الحكومة التشيكوسلوفاكية، منحة خاصة بالطلاب الأجانب. غادر قاسملو روجهلات كردستان متجهاً عن طريق التهريب إلى العراق ومنها إلى تركيا حيث وصل إلى إسطنبول، التي كان يعيش فيها العم موسى عنتر، وتعرّف قاسملو على العم عنتر، الذي قدم له المساعدة في الخروج من تركيا والوصول إلى العاصمة التشيكوسلوفاكية براغ والتي كانت توجد فيها حكومة شيوعية. قرر قاسملو البالغ وقتها 18 عاماً، أن يسجل نفسه في المعهد العالي للعلوم السياسة والاقتصادية قسم “الاقتصاد السياسي” حيث تخرج سنة 1952 منه حاصلاً على درجة البكالوريوس.
قيادته الحزب الديمقراطي الكردستاني، إيران
ومنذ شبابه، انخرط قاسملو في العمل الوطني كيف لا وهو الذي عاصر جمهورية كردستان الديمقراطية في مهاباد وشارك في النشاطات والفعّاليات الشبابية من خلال مشاركته في اتحاد الشباب الكردي الديمقراطي، بعدها بما يقرب من السنة أصبح عضواً نشطا في الحزب الديمقراطي الكردستاني ـ إيران، خلال أعمال الكونفرانس الأول للحزب الذي تم عقده في ضواحي مهاباد سنة 1955، ناضل قاسملو كثيراً من أجل فك ارتباط الحزب مع الحزب الشيوعي الإيراني “تودة” ونجح في ذلك.
في المؤتمر الثالث الذي تم عقده في العام 1970 أصبح عضواً في اللجنة المركزية للحزب حيث تم انتخابه أميناً عاماً للحزب الديمقراطي الكردستاني ـ إيران واستمر في مسؤولياته حتى لحظة اغتياله سنة 1989 في فيينا العاصمة النمساوية. يُذكر أن الشهيد قاسملو قد شارك في مؤتمرات الحزب حتى المؤتمر الثامن، لكنه استشهد قبل انعقاد المؤتمر التاسع، الذي انتخب صديقه المقرّب الدكتور صادق شرف كندي أميناً عاماً للحزب.
موقفه من ثورة الخميني
قبل مجيء آية الله الخميني إلى سدة الحكم في إيران خلال شباط 1979، أراد قاسملو إجراء لقاء منفرد معه خلال لقاء عام جرى في ضاحية باريس “نوفل لو شاتو”، لكن الخميني رفض طلبه. وبعد عودة الأخير إلى إيران، التقى به الشهيد قاسملو مرة أخرى ضمن وفد كردي في مدينة قُمّ، لكن الخميني رفض ثانية الاستماع إلى مطالب الشعب الكردي.
وصل قاسملو إلى نتيجة مفادها أنه من المستحيل الحصول على حقوق الشعب الكردي من خلال هؤلاء الأشخاص دون المقاومة والكفاح، بما فيه الكفاح المسلح. انطلقت شرارة الثورة الكردية من أورميه وشملت معظم مناطق شرق كردستان، تدخلت قوات الأمن والجيش الإيراني وبدأت بحملة مكثّفة ضد كردستان شاركت فيها المدفعية والدبابات وحتى الطيران الحربي. ارتكبت القوات الإيرانية مجازر بحق الكرد وخاصة الأطفال والنساء استناداُ الى الفتوى التي أصدرها الخميني بمحاربة الكرد “الكفار”. راح ضحية هذه الحملة أكثر من عشرة آلاف شهيد. عاد قاسملو الى أوروبا مرة أخرى في مسعى من أجل حل القضية الكردية عبر الحوار.
رجل الحوار والسلام
على الرغم من قناعته بأن نظام الملالي في طهران غير جدّي في تلبية مطالب الشعب الكردي في شرق كردستان، إلا أنه كان دوماُ يؤكّد على أهمية حل القضايا العالقة من خلال الجلوس الى مائدة الحوار. وعلى هذا الأساس ومن منطلق حرصة الشديد على عدم إراقة قطرة دم كردية مرة أخرى، وثق بلغة الحوار والتفاوض مع نظام طهران عبر صديقه والرجل السياسي المحنك جلال الطالباني (مام جلال) والذي كانت تربطه علاقات جيدة مع طهران.
مفاوضات فيينّا الجولة الأولى
المفاوضات مع الإيرانيين جرت على جولتين، الأولى كانت عن طريق المام جلال وأحد أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني بالإضافة الى الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة. بدأت المفاوضات أواخر أيام 1988 وبداية عام 1989 حيث عرض الشهيد قاسملو مطالب الشعب الكردي وأن الحل الأمثل لحل القضية الكردية في شرق كردستان هي إعطاء حكم ذاتي حقيقي للكرد في مناطقهم.
أخذ مام جلال على عاتقه حماية المفاوضين حيث شدّد الحراسة بشكل كبير، وعندما لم يجد القتلة الفرصة لارتكاب جريمتهم، أعلنوا بأنهم لا يتمتعون بصلاحيات قبول أو رفض العرض إلى حين عرضه على المسؤولين في طهران.
مفاوضات فيينّا الجولة الثانية
الجولة الثانية من المفاوضات بدأت في يوم الثاني عشر من تموز 1989 بدون وجود وسطاء نتيجة إصرار الجانب الإيراني على ذلك، كونهم لم يستطيعوا تنفيذ جريمتهم بسبب وجود وسطاء (مام جلال الطالباني، الرئيس الجزائري الأسبق بن بلا). اللافت في الأمر عدم انتباه الشهيد قاسملو للأمر وهو الحريص كل الحرص في هكذا مسائل مصيرية.
لم ينفّذوا جريمتهم في اليوم الأول من المفاوضات وإنما أجّلوها لليوم الثاني أي 13 تموز 1989 والذي كان يصادف مرور 40 يوماً على موت الخميني. وبذلك وجّهة نظام الملالي رسالة دموية للشعب الكردي مؤكّدة إصراره على السير في طريق قتل الكرد مهما كلف الأمر استناداً الى الفتوى الشهيرة التي أطلقها الخميني بأن الكرد من الشجرة الخبيثة وقتلهم حلال.
جريمة الاغتيال
قرار الاغتيال كان قد تم اتخاذه على أعلى المستويات من جانب الرئيس الإيراني وقتها هاشمي رفسنجاني ومن المرشد الأعلى الخامنئي شخصياً والذي خلف آية الله الخميني بعد موته. كانت هناك ثلاث لجان تشكّلت من أجل نجاح العملية. واحدة للتخطيط للعملية، وثانية لتأمين المستلزمات الضرورية ويقودها “أحمدي نجاد” والثالثة لتنفيذ العملية عبر عناصر المخابرات الإيرانية وهم (حاجي مصطفاوي، وجعفر سهراوردي، ومنصور بزوركيان).
مع بدء الدقائق الأولى من الاجتماع، قام منصور بإطلاق النار على الدكتور قاسملو ورفيقه عبد الله قادري حيث استشهدا على الفور وهرب المجرمون إلى السفارة الإيرانية. رغم أن التحقيقات النمساوية أفضت مسؤولية للسلطات الرسمية الإيرانية عن عملية الاغتيال، إلا أن القضية بقيت هكذا دون محاكمة القتلة الذين عادوا إلى طهران بعد تنفيذ جريمتهم البشعة عبر جوازات السفر الدبلوماسية المخصصة لهم.
الدفن في باريس
رغم اغتياله في العاصمة النمساوية فيينا إلا أن الكرد وأصدقاءهم قرروا دفنه في باريس مقبرة العظماء إلى جانب الدكتور كاميران بدرخان، الفنان السينمائي العالمي يلماز كونيه وغيرهم. وهكذا تم إقامة مراسيم وداعية للدكتور الشهيد خضرها الكرد من مختلف أرجاء القارة الأوروبية والعالم بالإضافة الى أصدقائهم الشرفاء الذين وقفوا إلى جانبهم في محنتهم هذه محاولين التخفيف عنهم ومواساتهم.
ولم يكتفِ نظام الملالي والعباءات المقيت بتصفية الشهيد الدكتور قاسملو بل قاموا بعدها بعدة سنوات وفي قلب أوروبا مرة أخرى باغتيال خليفة قاسملو في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الدكتور صادق شرف كندي في مطعم ميكونوس في برلين العاصمة الألمانية وفي وضح النهار بتاريخ 17 أيلول 1992
No Result
View All Result