القصف الإسرائيليّ لميناء الحديدة اليمنيّ وحريق خزانات النفط كان سابقة في مسار الحرب في غزة، وإذ تقول إسرائيل: “إنّ القصف ردٌّ على محاولاتِ القصف الحوثيّة المتلاحقة”، إلا أنّ وصول طائرة مُسيّرة يمنيّة إلى تل أبيب كان رسالة بالغة الأهميّة، وأكدّت إمكانيّة الوصول، في وقتٍ كانت توشك جبهة الشمال مع لبنان على الاشتعال، وبالمجمل فالأحداث تؤكد سعة ساحة المواجهة مع إيران وحلفائها.
قصف إسرائيليّ للحديدة
أسفرت سلسلة غارات تبناها الجيش الإسرائيليّ استهدفت مدينة الحديدة اليمنية السبت 20/7/2024، عن مقتل ستة وعشرات الجرحى، وقال الجيش الإسرائيليّ إنّ مقاتلاته قصفت أهدافاً عسكريّة للحوثيين في منطقة ميناء الحديدة باليمن. وأضاف أنّ غاراته تأتي رداً على مئات الهجمات التي نُفذت ضد إسرائيل في الأشهر القليلة الماضية، وهذه أول ضربة إسرائيليّة علنيّة ضد اليمن.
بحسب صحيفة Times of Israel، شنَّ الجيش الإسرائيليّ الهجوم على ميناء الحديدة، باستخدام أسراب من مقاتلات إف ــ 15 و35، وكذلك طائرات استطلاع، وطائرات للتزود بالوقود. وأفادت الصحيفة الإسرائيلية، بأنّه كانت هناك حاجة إلى طائرات التزود بالوقود؛ لأنّ الهدف كان على بعد نحو 1700 كم من إسرائيل، وأشار موقع The War zone، إلى أنّ الهجوم هو الأول من نوعه لإسرائيل، لضرب أهداف في اليمن بهذه المسافة، وأظهر مقطع مصور يزعم أنّه يظهر طائرة تزود بالوقود جواً من طراز 707 تابعة لسلاح الجو الإسرائيليّ، وطائرة إف ــ 35، إضافة لمقاتلات أخرى، تحلق فوق إيلات باتجاه البحر الأحمر.
وأكد The War Zone، أن الضربة هي تذكير واضح بقدرات إسرائيل في الضربات بعيدة المدى، والتي تم صقلها من خلال عمليات حقيقيّة امتدت لعقود من الزمن، وممارسة مستمرة، لتنفيذ حملة جوية كبرى ضد “المصالح النوويّة الإيرانيّة”. وأشار الموقع إلى أنّه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه ضربات مباشرة أو ما إذا تم استخدام نوع من الأسلحة البعيدة المدى، ولكن بالنظر إلى قدرات الدفاع الجويّ المنخفضة للغاية لدى الحوثيين، فمن المرجح أن يكون ذلك “هجوماً شبه مباشر”، على الأقل باستخدام ذخائر الهجوم المباشر المشترك، أو أسلحة مماثلة.
إعلام تابع للحوثيين قال: إنّ الضربات طالت منشآت لتخزين النفط في مرفأ المدينة، وقال مراسل وكالة الأنباء الفرنسيّة إنّه سمع دوي انفجارات قوية عدة، فيما ذكرت قناة “المسيرة” أنّ “الغارات على مدينة الحديدة استهدفت منشآت تخزين النفط في الميناء”.
مُسيّرة حوثية تصل تل أبيب
القصف الإسرائيليّ جاء إثر هجوم طائرة مسيّرة أطلقها الحوثيون ووصلت فجر الجمعة 19/7/2024، تل أبيب، وأدت لمقتل شخص، وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أنّ الهجوم وقع عند تقاطع شارعي “بن يهودا” و”شالوم عليخم” بوسط تل أبيب، على بعد مئات الأمتار من السفارة الأمريكيّة. وأعلن الحوثيون، مسؤوليتهم عن إطلاق الطائرة المسيّرة.
ذكر تحقيق للقوات الجوية الإسرائيليّة، أنّ المسيرة التي أطلقها الحوثيون من اليمن على تل أبيب، قطعت أكثر من 2600 كم، وفق ما أوردت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”. وزعم التحقيق أنّ الطائرة المسيّرة من صناعة إيرانيّة الصنع من طراز صامد-3″، وأنّها استخدمت مسار طيران “غير مباشر”، وهو “ما تسبب ربما بعدم تصنيفها كتهديد، وعدم اعتراضها”.
قال الجيش الإسرائيلي الأحد 21/7/2024 إنّه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن و”كان يقترب” من إسرائيل.
وأكّد محمد البخيتي عضو المكتب السياسيّ للحوثيين عبر منصة إكس أنّ إسرائيل “ستدفع ثمن” ضرباتها في اليمن”. وتوعد المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع “سنرد على هذا العدوان (…) لن نتردد في ضرب أهداف حيويّة للعدو الإسرائيلي”.
وكرر الحوثيون الأحد تهديداتهم ضد إسرائيل، إذ تعهد المتحدث العسكريّ باسم الحوثيين يحيى سريع الأحد بـ”رد هائل على العدوان” الإسرائيلي. وقال محمد عبد السلام المتحدث باسم الحوثيين “لن تكون هناك “خطوط حمراء” في الرد على إسرائيل، وأضاف: “كل المنشآت الحساسة بمختلف مستوياتها ستكون هدفاً لنا”.
يؤكد الحوثيون أنّ هذه الهجمات تأتي دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة حيث، قتل 38983 ألف شخص، وفقاً لما أعلنته وزارة الصحة في القطاع الأحد، منذ اندلاع الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس في 7/10/2023.
واعتبرت حماس هذه الضربات الليلية بمثابة “رد” إسرائيليّ على قرار محكمة العدل الدوليّة الذي اعتبرت فيه أن الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينيّة منذ عام 1967 غير قانوني. ورحبت به الرئاسة الفلسطينيّة بالقرار ووصفته بأنه “تاريخي” فيما اعتبرته إسرائيل مستنداً إلى “أكاذيب”.
قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، الجمعة: إن الحركة استهدفت تل أبيب بطائرة مسيّرة، مضيفاً أنهم سيواصلون “استهداف إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين في حرب غزة”. وأضاف المتحدث في خطاب بثه التلفزيون أن الحركة تعد تل أبيب “هدفاً أساسياً في مرمى أسلحتنا”. وأشادت الجماعة بقدرة الطائرة بدون طيار على تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وقالت إنها تهدف إلى الوصول إلى عمق إسرائيل. وقال سريع: “نفذت العملية بطائرة مسيرة جديدة اسمها (يافا) قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية للعدو، ولا تستطيع الرادارات كشفها، وقد حققت العملية أهدافها بنجاح”.
وخلال الأشهر الماضية، أعلن الحوثيون مرات عدة استهداف مدينة إيلات ومينائها في إسرائيل، ضمن عمليات منفردة أو بالاشتراك مع فصائل عراقية، لكن هذه هي المرة الأولى التي يستهدفون فيها تل أبيب على ما يبدو.
سندافع عن أنفسنا
صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في مداخلة متلفزة “لدي رسالة لأعداء إسرائيل: لا تخطئوا. سندافع عن أنفسنا بكل الوسائل، على كل الجبهات. أي طرف يهاجمنا سيدفع ثمناً باهظاً جداً لعدوانه”. وأشار نتانياهو إلى أن “إسرائيل هاجمت ميناء يستخدم لدخول أسلحة من إيران”، لافتاً إلى أن هذا الميناء “ليس ميناءً بريئاً، بل يستخدم في أغراض عسكرية”.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في بيان إن “دماء المواطنين الإسرائيليين لها ثمن”، معتبراً أن “هذا الأمر تم إثباته بوضوح في لبنان وغزة واليمن وأماكن أخرى. إذا تجرَّؤوا على مهاجمتنا فالنتيجة ستكون هي نفسها”. وأضاف غالانت أنّ “النيران التي تندلع الآن في الحديدة يُمكِن رؤيتها في كلّ أنحاء الشرق الأوسط ودلالتها واضحة”. وتابع “الحوثيون هاجمونا أكثر من 200 مرة. وفي المرة الأولى التي ألحقوا فيها الأذى بمواطن إسرائيلي، قمنا بقصفهم. وسنفعل ذلك في أي مكان إذا اقتضت الضرورة”.
نأي سعودي وأمريكيّ
أكدت الرياض أنّها لم تشارك في استهداف الحديدة في اليمن، وقال العميد تركي المالكي المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية إنّ المملكة ليس لها علاقة به وأن المملكة لن تسمح باختراق أجوائها من أي جهة كانت.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القوميّ الأمريكي السبت “نقرّ تماماً بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، مؤكداً أنّ الولايات المتحدة حليفة الدولة العبرية “لم تشارك في الضربات” على الحديدة.
وأعلنت القيادة العسكرية المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط (سنتكوم) في بيان على منصة إكس أنّ قواتها دمرت فوق البحر الأحمر طائرة بدون طيار تابعة للحوثيين المدعومين من إيران بعد أن تبين أن المسيرة “تمثل تهديداً وشيكاً للولايات المتحدة وقوات التحالف والسفن التجارية في المنطقة”.
طهران تُدين بشدة
نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن إيران “تُدين بشدة” هذه الهجمات، ويرى كنعاني إن الضربة “تكشف عن الطبيعة العدوانية للكيان الصهيوني” محذراً من “خطر تصاعد حدة التوتر وانتشار نار الحرب في المنطقة”.
وحذّر حزب الله اللبناني الذي فتح بدوره جبهة ضد إسرائيل بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، من أن الضربات الإسرائيلية في اليمن “هي إيذان بمرحلة جديدة وخطيرة من المواجهة، بالغة الأهمية على مستوى المنطقة برمتها”.
ويشار إلى أن الجيش الإسرائيلي أكّد الأحد أنّه استهدف منتصف ليل السبت الأحد مستودع ذخائر لحزب الله اللبنانيّ، بعدما نقل الإعلام الرسمي اللبنانيّ تعرض مستودع ذخائر في جنوب لبنان لغارة إسرائيليّة تسببت بإصابة ستة مدنيين، وفي وقت لاحق أعلن حزب الله الأحد قصف شمال إسرائيل “بصواريخ كاتيوشا” رداً على قصف المستودع.
معركة الفتح الموعود
في 19/11/2023، اختطف الحوثيون مستخدمين طائرة حوامة سفينة “غالاكسي ليدر”، في البحر الأحمر وهي سفينة مملوكة لليابان، وترفع علم جزر الباهاما، واحتجزوا طاقمها كرهائن، بتهمةِ ارتباط السفينة بمصالح تجاريّة إسرائيليّة، وهاجموا سفينتين تجاريتين إسرائيليتين في 3/12/2023، وفي 19/2/2024 اُستهدفت سفينتان أمريكيتان في خليج عدن، وطائرة مسيّرة أمريكيّة MQ 9، وكذلك سفينة بريطانيّة، والتي غرقت في المياه في 2/3/2024. وشنّ الحوثيون، هجوماً صاروخيّاً على سفينة الشحن “ترو كونفيدانس” المملوكة ليونانيين تجاريّة في خليج عدن، ما أودى بحياة 3 بحارة، فيما أصيب 4 آخرون، ليكون ذلك أول “هجوم قاتل” على السفن جنوب البحر الأحمر.
أشار القادة الحوثيون إلى عدم وجود حدود مع فلسطين ورفض السعودية السماح بعبور القوات أو المقذوفات عبر أراضيها كقيود على قدرتها على الاشتباك. إلّا أنّ نهجهم تغيّر مع بداية الهجوم البرّي الإسرائيلي على غزة وارتكاب المجازر ضدّ المدنيين. ما دفع بالحوثيين لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة إلى إيلات والتهديد بضرب السفن الإسرائيليّة المارّة في البحر الأحمر.
في 4/1/2024، وجّه عبد الملك بدر الدين الحوثي نداءً وبياناً للشعب اليمنيّ دعا فيه للخروج الجماهيريّ المليوني في صنعاء وبقية المحافظات، وأعلن فيه “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس” والسبت 6/1/2024، ترأس مهدي المشاط اجتماعاً للقيادات العسكريّة والأمنيّة في الحديدة أعلن فيه بدء معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، وقال: “لن تمر أي سفينة إسرائيلية أو مرتبطة به أو متجهة إلى موانئه ونحن جادون في ذلك والله معنا وسينصرنا وسيمكننا في هذه المعركة معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”، وأضاف: “إذا كانت أمريكا ملتزمة بحماية إسرائيل فنحن نؤكد أننا ملتزمون بنصرة إخواننا في غزة وجاهزين لكل الاحتمالات، والخيارات مفتوحة، وأكد أن أي سفينة مرتبطة بالكيان الصهيونيّ لن تمر من البحر الأحمر مهما كان الثمن”.
في 16/3/2024 أفادت مصادر فلسطينيّة وحوثيّة لوكالة فرانس برس أنّ اجتماعاً نادراً عُقد الأسبوع الماضي بين قيادات من فصائل فلسطينية أبرزها حركة حماس، والحوثيين، لمناقشة “آليات تنسيق أعمال المقاومة” ضدّ إسرائيل في ظل حرب غزة، وهذه الأطراف التي تنضوي في إطار “محور المقاومة” بقيادة إيران، اجتمعت في طهران على هامش تشييع جنازة الرئيس الإيرانيّ الراحل إبراهيم رئيسي في 21/5/2024.
ترسانة من السلاح
تمتلك جماعة “أنصار الله” الحوثيّة ترسانة عسكريّة كبيرة، ورث قسماً منها من الجيش اليمنيّ والآخر زوّدتهم إيران به، وتشمل الترسانة صواريخ باليستية بعيدة المدى “طوفان وعقيل وقدس-4، دير-F وشهاب-3. ولديهم تشكيلة من صواريخ Soumar. يُضاف إليها تشكيلة هائلة من الطائرات المسيّرة، منها: صماد 3 ومداها 1500 ــ2000 كم، وطائرات صماد 4 ويتجاوز مداها ألفي كم، والمسيّرة “وعيد” ومداها 2500 كم، ويمكنها الوصول إلى تل أبيب. إضافة لطائرات: رجوم، راصد، قاصف، شهاب، مرصاد، خاطف، رقيب. وقد استخدمت هذه الصواريخ والطائرات المسيرة في هجماتها الأخيرة، لكن فعّاليتها انخفضت بشكل كبير بسبب أنظمة الدفاع الجويّ الإسرائيلية المتقدّمة، مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” ونظام “آرو 3” بعيد المدى الذي اُستخدم لأول مرّة رداً على هجوم الحوثيين في 31/10/2023.
ومن الناحية البحرية، يمتلك الحوثيون ترسانة تضمّ عشرة أنظمة صاروخيّة مختلفة، مثل بيج، فالق، مندب1، مندب2، عاصف، صياد. وصاروخ “سجيل”، وزوارق انتحارية من نوع نذير وعاصف وملاح.
خيارات التدخّل وعواقبه
خيارات التدخل المتاحة لدى “أنصار الله” في حرب غزة مقيّدة جغرافيّاً وعسكريّاً، وتهدف لوقف الحرب وليس توسيعها، ولديهم خياران:
الأول استمرار نهج إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة على إيلات وأهداف إسرائيليّة أخرى. بالتوازي مع استهداف السفن في البحر الأحمر، وعمليات اختطاف السفن، وهذا الخيار لن يسفر عن تغيير في مسار الحرب على غزة وإنما بأضرار اقتصاديّة وقد تتجنب السفن الإبحار في البحر الأحمر، ولكن موقف التضامن الحوثيّ سيزيد من شعبيتهم محلّياً وإقليميّاً، وبخاصة في إطار محور الممانعة، ويحسّن موقفهم التفاوضيّ مع الرياض، ويقود إلى تدخل أمريكيّ عسكريّ باسم حماية الملاحة البحريّة. وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في تقرير أنّه “من الممكن أن يرد الحوثيون على الهجوم الإسرائيليّ على محافظة الحديدة، باستهداف “أهداف حساسة” في إسرائيل، وقد يشمل ذلك إطلاق نار انتقاميّ كثيف على أهداف مثل إيلات أو حيفا أو تل أبيب.
الخيار الثاني هو إغلاق مضيق باب المندب ذي الأهميّة الجغرافيّة الاقتصاديّة للضغط على إسرائيل لوقف الحربِ على غزة. ورغم إمكانية ذلك، لكنّه مستبعد بسبب عواقبه غير المتوقّعة، وسيؤدي الإغلاق إلى تعطيل أنظمة إمداد الطاقة والشحن والتجارة العالميّة (12% من إمداد الطاقة العالميّ)، وقد تقوم قواتٌ بحريّة من دولٍ مختلفة، على رأسها الولايات المتحدة بحماية مضيق باب المندب والمناطق المحيطة به من القرصنة والتخريب. ما سيزيد كلفة إغلاق المضيق. ولكن يبقى هذا الخيار محتملاً باستمرار الحرب في غزة.