No Result
View All Result
المشاهدات 5
كروب روناهي_
تعد الانتخابات النيابيّة في معظم دول العالم القناة الأساسيّة والقانونيّة لتداول السلطة وانتقالها، فهي الميدان لتنافس الأحزاب والكتل السياسيّة من توجهات مختلفة، لتنتج نموذجاً سياسيّاً يقودُ البلادَ في مرحلةٍ قادمةٍ، إلا أنّ الانتخابات البرلمانية في سوريا وعلى مدى عقود لا تعدو كونها مناسبات لإعادة صياغة السلطة نفسها، من غير أيّ تغيير، وقد بدأ ذلك منذ وصولِ حزب البعث إلى السلطة وتبني شعار الحزب “القائد للدولة والمجتمع”. وتمّ تضمين ذلك دستوريّاً، ورغم أنّ إلغاء حاكميّة نصاً دستوريّاً إلا أنّ الواقع العمليّ لم يتغير.
نتائج معروفة مسبقاً
يتندر السوريون على مدى عقود بنموذج الانتخابات البرلمانيّة في بلادهم، ويصفونها بأنّها معروفة النتائج مسبقاً، قبل أن تفتح مراكز الاقتراع أبوابها وتتدفق الأصوات في الصناديق، وما يجري هو إيجاد صورة إعلاميّة، ويكاد التنافسُ الانتخابيّ ينحصر بين عدد محدود من المرشحين والنتيجة لا تحسمها نسبة وعدد الأصوات، وفيما حزب البعث خرج من المادة الثامنة للدستور، فقد بقي متحكماً بالسلطة التنفيذيّة عبر الحكومة والتشريعيّة ممثلاً مجلس الشعب، ومحصّناً بمختلفِ المؤسساتِ الأمنيّةِ. ولعل السؤال يُطرح تلقائياً حول نسبة المشاركة ومن يمثل مجلس الشعب في بلدٍ يعيش الأزمة منذ أكثر من 13 سنة.
شهدت مناطق سيطرة حكومة دمشق في سوريا الإثنين 15/7/2024، انتخابات ما يسمّى “مجلس الشعب”، وسط إقبال ضعيف في تلك المناطق، وتمّ نقل الموظفين والعاملين في مؤسساتها إلى صناديق الاقتراع، في إشارة إلى إجبار الموظفين على الانتخاب.
وجرت العادة أن يحصل حزب “البعث” الحاكم في سوريا، على نحو 134 ــ 150 مقعداً، أي أكثر من نصف عدد مقاعد المجلس. وفي الدورة السابقة 2020، بلغ عدد أعضاء المجلس من “البعثيين” 166 عضواً، متجاوزاً نسبة 66% من أعضاء المجلس، فيما حصلت أحزاب الجبهة الوطنيّة التقدميّة على 17 مقعداً وهو ما نسبته 6.8%، وبلغ عدد المستقلين 67 عضواً بنسبة لم تتجاوز 27%.
وأظهرت قوائم “الوحدة الوطنية” للانتخابات أنّ عدد مقاعد حزب “البعث” في هذه الدورة هو 178 مقعداً، ما يعكس سيطرة كاملة للحزب على مقاعد مجلس الشعب مع تخصيص بين 65 ــ 66 مقعداً للمستقلين فقط.
وفي هذه الدورة دمج حزب البعث أسماء المرشحين من الأحزاب غير المنضوية في الجبهة الوطنيّة التقدميّة، مع قائمة أسماء المرشحين المستقلين. ويوجد في سوريا عشرة أحزاب مرخصة من قبل حكومة دمشق وهي ليست منضوية في إطار الجبهة الوطنيّة التقدميّة.
بالمجمل كان الإقبال ضعيفاً على مراكز الاقتراع وذلك بالنظر إلى الظروف التي تعيشها البلاد من أزمة ونزوح داخليّ كبير، واقتصار الانتخابات على مناطق سيطرة حكومة دمشق، كما أنّ التنافس الانتخابي في الوصول إلى مقعد نيابيّ يقتصر على المستقلين الذين يحظون بمقاعد محدودة مقارنة بالأحزاب السياسيّة التي أنشأها حزب البعث وتلك المتحالفة معه ضمن ما يسمّى الجبهة الوطنيّة التقدمية، وحتى المرشح المستقل لا يمكن الفوز إلا إذا حاز على رضا السلطة القائمة.
انسحاب ثُلثي المرشحين 
أعلنت اللجنة القضائية العليا لانتخابات مجلس الشعب الأحد 14/7/2024، وقبل يوم من الانتخابات انسحاب أكثر من ثلثي المرشحين وبقاء 1516 مرشحاً فقط للتنافس على 250 مقعداً.
وقال رئيس اللجنة جهاد مراد لصحيفة “الوطن” المقربة من الحكومة إنّ أكثر من سبعة آلاف و400 مرشح لانتخاب “مجلس الشعب” من أصل ثمانية آلاف و953 مرشحاً، انسحبوا بشكل نهائيّ من الانتخابات، وذلك بعدما بتت اللجان القضائيّة الفرعيّة بطلبات انسحابهم.
ولفت مراد أن عدد المرشحين المستمرين بعد حذف المنسحبين هو 1516 مرشحاً فقط، لخوض الانتخابات والتنافس على 250 مقعداً يتشكل منها المجلس.
وينسحب في كل دورة انتخابيّة لاختيار أعضاء مجلس الشعب كل أربع سنوات، عدد كبير من المرشحين غالبيتهم من أعضاء حزب “البعث”، ممن فشلوا في عمليةِ “الاستئناس” الحزبي وبالتالي الفشل في إدراج أسمائهم في قائمة “الوحدة الوطنيّة”، والتي كان اسمها السابق “قائمة الجبهة الوطنيّة”، والتي تضم أسماء اشخاص ناجحين بشكل مسبق، بصرف النظر عن عدد المصوتين لهم يوم الانتخابات.
وشهدت قائمة “الوحدة الوطنية” الحالية، إدراج أسماء نفس الأشخاص في القائمة الصادرة خلال الدورة السابقة قبل أربع سنوات، مع تغييرات شكليّة فقط لم تتجاوز في أحسن الأحوال 30% في عموم المحافظات، عدا عن وجود مخالفات للدستور بوجود أشخاص مزدوجي الجنسية.
غياب الشعب عن الانتخابات
ونقلت الوكالة السورية “سانا” عن المقداد قوله: إن “انتخابات مجلس الشعب تعبير حقيقي عن إيمان الشعب السوري بالديمقراطية” لكن ما سبق، بالإضافة إلى “الديمقراطية” التي تحدث عنها المقداد سرعان ما انتفت في جنوبي البلاد، إذ أقدم مواطنون سوريون على حرق وإغلاق غالبية المراكز الانتخابية في محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية.
غابت الانتخابات النيابية في محافظة السويداء والتي تشهد حراكاً شعبيّاً منذ آب الماضي للمطالبة بتغيير السلطة، رغم أنّها تصنف ضمن مناطق سيطرة حكومة دمشق، وتداول نشطاء على مواقع التواصل الافتراضي في قرى السويداء، مشاهد مصوّرة لعدد من المواطنين وهم يقتحمون المراكز الانتخابية في البلدات ويقومون بتكسير الصناديق ومصادرتها، في دلالة لمقاطعتها. وتداول مواقع إخباريّة محليّة خبر إصابة، شخص بجروح جراء إطلاق رصاص عشوائيّ من عناصر أمن تزامناً مع تظاهرة سلميّة في ساحة الكرامة المواجهة لقيادة الشرطة. فيما شهدت عدة بلدات أخرى وقفات احتجاجيّة وتظاهرات رافضة. ورفعت لافتات أكدت على مواصلة الحراك السلميّ وتغيير النظام والحل السياسيّ وفق القرار الأمميّ 2254، الذي يضمن انتقالاً سلميّاً في البلاد.
وأغلق المحتجون المراكز الانتخابية في بلدات الجنينية وملح والقنوات والقريا، بينما صادر نشطاء بلدة سليم صناديق الانتخابات. وخرج عشرات المحتجين في مظاهرة جوّالة دعت إلى مقاطعة انتخابات “مجلس الشعب”، وبدأت التظاهرة من ساحة الفرسان إلى ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء. ورفع المتظاهرون فيها يافطات كتب عليها: “صوتك كرامتك فلا تبعْه بالرخيص، كفى ارحلوا، لا لانتخابات مجالس الدمى، أحرار وشرفاء الجبل قالوا كلمتهم لا وألف لا للانتخابات التمثيليّة..”.
وانتشرت صباح الاثنين أيضا دعوات أخرى في محافظة درعا، جاءت بالتزامن مع تقليل سوريين عبر مواقع التواصل الافتراضي وفي حديثهم لوكالات غربية من أي تطور أو تحوّل قد يطرأ بناء على “الانتخابات الحاصلة”.
وفي 13/7/2024، أعلن مجلس سوريا الديمقراطيّة مقاطعته للانتخابات، وشدد على الحل السياسي الشامل المستند إلى القرار الدولي 2254. وقال في بيان: “نشدد على أنَّ الحلَّ السياسي الشامل، المستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، هو السبيل لتجاوز الأزمة السورية وتحقيق آمال الشعب السوري”. وأكد المجلس على أهمية الحوار السوري – السوري، معتبراً أنه “ركيزة أساسية لأي حلٍّ سياسي مستدام يضمن مصالح جميع السوريين”.
وأكد على ضرورة “توفير الشروط الأساسية لأي عملية سياسية ذات مصداقية، بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين، وضمان العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين لمناطق سكناهم الأصلية، وإنهاء جميع أشكال القمع والانتهاكات ضد المدنيين، وتوفير بيئة سياسية وإعلامية حرة ومحايدة، وإنهاء كافة أشكال الاحتلال للأراضي السورية”.
وأبدى “مسد” استعداده “التام للمشاركة في أي مبادرات جادة تهدف إلى تحقيق انتقال سياسي حقيقي، يُفضي إلى نظام حُكم ديمقراطي يمثل كافة أطياف الشعب السوري”.
وبأخذ بالاعتبار أنّ نحو سبعة ملايين سوريّ خرجوا من البلاد لاجئين في دول الجوار أو مهاجرين إلى الدول الأوروبيّة، ونحو خمسة ملايين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركيّ، فإنّ الانتخابات جرت في ظروف غاب فيها أكثر من ثلثي السوريين.
انتخابات ورسائل سياسيّة
الانتخابات بشكلّ عام هي مناسبات تؤكد شرعية أيّ نظام سياسيّ أياً كان مستوى الانتخابات (رئاسيّة، نيابيّة، بلديّة)، وبصرف النظر عن حجم تدفق الأصوات؛ فإنّ المشهد الانتخابيّ هو الذي يعوّل عليه عندما تتولى مؤسسات الإعلام ترويجه بوصفه شكلاً من الاستفتاء على النظام الحاكم أو الوضع القائم.
ما تريده حكومة دمشق عبر إجراء الانتخابات هو تجاوز تموضعها طرفاً للأزمة السوريّة، وتعلن تجاوزها الأزمة وانتصارها على ما يسميه المؤامرة الكونيّة، والانتخابات هي مظهر مهم للانتصار، ويبعث وفقاً لذلك رسائل إلى الخارج بتأكيد أن تحظى بالتأييد الشعبيّ، وكذلك أن تزيد رصيدها التفاوضيّ في مباحثات الحلّ السياسيّ وأنها قادر على الحشد والتعبئة حيال أيّ استحقاق قادم. وكلّ ذلك رغم محدوديّة دور البرلمان في صياغة السياسة في سوريا. ولا يمكن إغفال أنّ الانتخابات جاءت متزامنة مع مسار إعادة العلاقات العربيّة مع دمشق. لتكون إيحاء باتخاذ خطوات إصلاحيّة في بنية الحكومة.
من جهة أخرى تسعى حكومة دمشق إلى تمكين أشخاص بعينهم من الحصول على عضويّة مجلس الشعب ومنحهم الحصانة النيابيّة، كنوع من المكافأة نظير مواقفهم المؤيدة له، والعديد منهم قادة عسكريون وأمنيون سابقون أو رجال أعمال، وبذلك يتعزز دوره داخل المجتمع.
وبالنظر إلى الدور التشريعيّ المناط بمجلس الشعب وفق الدستور المعدل لعام 2012، فإنّ “مجلس الشعب” يتولى السلطة التشريعيّة في سوريا، ومن مهامه: حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء، وإقرار الموازنة العامة للدولة وخطط التّنمية، والمعاهدات والاتفاقيات الدوليّة التي تتعلق بسلامة الدولة، والعفو العام. وبذلك فإنّ إعادة إنتاج مجلس الشعب وفق رؤية حكومة دمشق وحصولها على أغلبية المقاعد يعد خطوةً تمهيديّةً لاحتواء أيّ مقترحات لتعديل الدستور في أيّ من مواده وخاصة تمديد ولاية رئيس الجمهورية.
رغم الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا خلال السنوات الثلاثة عشرة الأخيرة، إلا أنّ حكومة دمشق حرصت على إجراء انتخابات مجلس الشعب، وشهدت البلاد ثلاث دورات انتخابيّة بعد آذار 2011، الأولى في 7/5/2012، وكان من المقرر إجراؤها في 2011، والثانية في 13/4/2016، والثالثة في 19/7/2020، وتم تأجيلها مرتين بسبب وباء كورونا وسط تراجع كبير بعدد المرشحين وصل إلى 20% عن الدورة السابقة.
وهذه الانتخابات هي الرابعة بعد انطلاق مسار جنيف الذي يفترض أنه يبحث الحل السياسيّ في سوريا وإقامة مؤسسات تمثيليّة لكل السوريين، ما يعني أن دمشق غير مهتمة بالعملية السياسيّة وتجري انتخاباتها بغض النظر عن هذا المسار، فيما لا يبدي المجتمع الدوليّ أي رد فعل حيال ذلك وكذلك المبعوث الدوليّ إلى سوريا الذي يشرف على العملية السياسيّة غير بيدرسون، ولا موقف حقيقيّ لمن تسمي المعارضة، بعدما فقدت وزنها، وتكتفي ببيانات شكليّة تصف الانتخابات بالشكليّة، وكانت عاجزة عن تقديم نفسها بديلاً سياسيّاً أو اتخاذ إجراء مضاد له قيمته.
عقود من غير تغيير
يعد البرلمان السوريّ من أقدم المؤسسات التشريعيّة العربيّة، وقد اجتمع في 3/6/ 1919 باسم المؤتمر السوريّ العام، والذي أعلن استقلال سوريا بعد زوال الدولة العثمانيّة ونهاية الحرب العالمية الأولى. واتخذ أعضاء المؤتمر السوريّ العام في اجتماعهم التاريخيّ في السابع من آذار 1920م قراراً بتأكيد استقلال سوريا بحدودها الطبيعيّة استقلالا تاماً، وقام بدور هام في الحياة السياسيّة والتشريعيّة للبلاد انطلاقاً من صلاحياته الواسعة وسلطته في التشريع ومراقبة السلطة التنفيذيّة. ومع تسلم حزب البعث السلطة في انقلاب الثامن من آذار 1963 قام بتعطيل البرلمان ومصادرة صلاحياته لمصلحة الحزب والجيش. وبعد عام 1970، أعيد إحياء البرلمان باسم “مجلس الشعب”، ولكنه تحول إلى مؤسسة شكليّة دون صلاحيات وتدور في فلك الحزب الحاكم وحصر النظام السياسيّ بنفسه معظم صلاحيات المجلس، بما في ذلك حق التشريع وإقرار القوانين وتعيين الحكومة والوزراء، وحتى حلّ المجلس إن أراد.
جرت في 25/5/ 1973، أول انتخابات تشريعيّة بعد 12 عامًا وانبثق عنها أول مجلس منتخب بعد انقلاب 8/3/1963، وكانت أول انتخابات في ظل سيطرة حزب البعث على السلطة وتسلّم حافظ الأسد الرئاسة وإقرار دستور 1971، واعتمد فيها الأغلبية البسيطة في المحافظة كدائرة انتخابيّة وألغيت جولات الإعادة، وكانت أول انتخابات جرت لانتخاب “مجلس الشعب” بدل “المجلس النيابيّ”، اقتداء بمصر. وتصدر حزب البعث المشهد البرلمانيّ في هذه الانتخابات، وحصل على ثلثي المقاعد، فيما لم تشارك الأحزاب التقليديّة المعروفة حينها بسبب حظرها.
معلومٌ أنّ الهدف الأساسيّ للانتخابات هو التداول السلميّ والقانونيّ للسلطة، إلا أنّه وعلى خمسة عقود من حكم حزب البعث لم تسفر الانتخابات النيابيّة عن أيّ تغيير في الحياة السياسيّة، وبالتالي أصبحت الانتخابات مناسبة لتجديد صلاحية النظام القائم، وكثيراً ما يعاد انتخاب بعض الأعضاء لدورة إضافيّة أو أكثر. وذلك لأنّ قناة التغيير مغلقة بسبب الآليّة الانتخابيّة. ولا يمكن تصور أنّ بلداً يعيش في ظلّ أزمات متراكمة ولا يتغير المزاج العام، وتسفر الانتخابات فيه عن نتيجة ثابتة، ولن يتحقق ذلك إلا عبر الحلّ السياسيّ والحوار الوطنيّ الشامل.
No Result
View All Result