No Result
View All Result
المشاهدات 2
بدرخان نوري_
ليست مستغرباً أن تصدرَ التصريحاتُ المتعلقة بالمسار التصالحيّ بين أنقرة ودمشق بمعدل شبه يوميّ، والأمر لا يرتبط فقط بالاجتماع المزمع عقده في بغداد، بل بمسارٍ بُدئ العملُ عليه منذ اجتماع بوتين ــ أردوغان في سان بطرسبرغ في 9/8/2016، وكانت نتائجه واضحةً على الأرض بتغييرِ جبهاتِ القتالِ، وأفضى إلى أستانه والتدخل العسكريّ التركيّ الاحتلاليّ في سوريا وترحيل المرتزقة إلى المناطق الحدوديّة، وكلّ ما حدث خلال ثماني سنوات كان تحضيراً للتصالح.
تصريحات على مشارف اجتماع بغداد
في تصريحٍ يجسد غاية التغيّر في موقف أنقرة إزاء دمشق، قال أردوغان رئيس دولة الاحتلال التركيّ، الجمعة 5/7/2024، إنّه “قد تكون لدينا دعوة للسيد بوتين وبشار الأسد، إذا تمكن السيد بوتين من زيارة تركيا، فقد يكون هذا بداية لعملية جديدة”. وأضاف في تصريحات للصحافيين بعد عودته من كازاخستان: “مددنا دائماً يد الصداقة إلى جارتنا سوريا وسنواصل ذلك، ونقف إلى جانب سوريا التي تتعاضد على أساس عقد اجتماعيّ جديد عادل وشامل”. وبيّن أن “رياح السلام التي ستهب على سوريا ومناخ السلام الذي سيعم جميع أنحاء سوريا ضروريان أيضاً لعودة ملايين الأشخاص إلى بلدانهم”.
وذكرت صحيفة “الوطن” المقرّبة من حكومة دمشق، الأربعاء 3/7/2024 نقلاً عن مصادر وصفتها بالمتابعة، أنَّ الاجتماع السوريّ ــ التركيّ في بغداد “لم يحدد توقيته ولم تنضج ظروفه حتى الآن”. ونسبت إلى المصادر أنّ “خطوة إعادة التفاوض والحوار للتقريب بين أنقرة ودمشق، تلقى دعماً عربيّاً واسعاً وخصوصاً من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربيّة المتحدة، كما تلقى دعماً روسيّاً وصينيّاً وإيرانيّاً”. وأضافت “هناك اتصالات مستمرة مع موسكو وعواصم عربيّة تضمن أن يخرج أيّ لقاء مع الجانب التركيّ بتعهدٍ واضحٍ وصريحٍ وعلنيّ بالانسحاب الكامل من الأراضي السوريّة وفق أجندة محددة زمنيّاً”. وأضاف المصدر أنّ “هذه ليست شروطاً مسبقة، بل هي قاعدة أساسيّة يمكن البناء عليها للبحث في المتبقي من الملفات، مثل ملف دعم المجموعات الإرهابيّة، ومن المقصود بالجماعات الإرهابيّة وتعريفهم، وملف عودة اللاجئين، لا سيما في ظل التوتر الذي تشهده مدن تركيّة عدة، وما يقوم به أتراك متطرفون بحق اللاجئين السوريّين من حرق وسلب لممتلكاتهم”.
أعلنت الولايات المتحدة أنّها أبلغت تركيا بموقفها من إجراء محادثات مع حكومة دمشق، وأكدت على ضرورة أن يتركز الأمر على اتخاذ خطوات لتحسين وضع حقوق الإنسان والوضع الأمنيّ لجميع السوريّين، بحسب ما ذكرت وزارة الخارجية الأمريكيّة. وشدد نائب المتحدث للوزارة فيدانت باتيل، في إحاطة صحفيّة في 2/7/2024، على أنّ موقف الولايات المتحدة واضحٌ: “ولن تطبع العلاقات مع النظام في غياب تقدمٍ حقيقيّ نحو حل سياسيّ للصراع الأساسيّ”. وأضاف: “شددنا مع الشركاء الإقليميين أن على دمشق التعاون في العملية السياسية المنصوص عليها في القرار الأمميّ 2254”.
ونشرت الخارجية التركيّة، الأربعاء 3/7/2024 بياناً ربطت من خلاله بين المحادثات التي تتجه لإجرائها مع حكومة دمشق، ومتطلبات أمنها القومي، وقالت إن “أنقرة تعمل على مراجعة سياستها الخارجية بما يتماشى مع متطلبات مصالحها الوطنية، فهي لا تتردد في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها أمنها القومي”.
وفي 30/6/2024 قالت صحيفة “الوطن” أيضاً إنَّ “بغداد ستشهد اجتماعاً مرتقباً بين أنقرة ودمشق”، مضيفة أن هذه الخطوة “ستكون بداية عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانيّة”. وأشارت إلى مصادر لم تسمها، إلى أنّ الجانب التركيّ طلب من روسيا والعراق الجلوس على طاولة ثنائية مع وفد دمشق دون حضور أي طرف ثالث وبعيداً عن الإعلام للبحث في تفاصيل إعادة العلاقات.
تهدئة وحراك دبلوماسيّ
شهدت الفترة الأخيرة تبادلاً في الرسائل بين أنقرة ودمشق، وعبر كلّ منهما عن رغبتها بتحسين العلاقات والبدء بحوار ينهي القطيعة. ورغم أنّ المتداول في الأوساط الرسميّة أنّ بغداد هي صاحبة المبادرة لكنّ موسكو هي عقدة الحراك الدبلوماسيّ، ما يؤكد أنّ الدورَ العراقيّ لا يتجاوز حدودَ التفويض الروسيّ، وهو تغيير شكليّ يتعلق بالمكان. فيما تبدو الجهود العراقيّة تنسيقيّة.
كانت زيارة رئيس الوزراء العراقيّ محمد شياع السوداني، في 16/7/2023 إلى دمشق لافتة نظراً لانقطاع علاقات دمشق عن السياق العربي، وزار رئيس “هيئة الحشد الشعبي” فالح الفياض دمشق في 6/5/2024، ثم أعلن الشياع في مقابلة نشرت في 31/5/2024، أن حكومته تعمل على المصالحة بين أنقرة ودمشق. فيما زار أردوغان بغداد في 22/4/2024.
في 10/6/2024 قام وزير الخارجية التركيّ هاكان فيدان بزيارة إلى روسيا والتقى الروسيّ بوتين وبحث جملة من القضايا بينها المسار التصالحيّ، وفي 24/6/2024 قال “فيدان” خلال لقاء أجرته معه قناة “خبر تورك” التركيّة إنّ بلاده تحثُّ حكومة دمشق على استثمار حالة الهدوء وتوقف الاشتباكات؛ بغية حلّ المشاكل الدستوريّة وتحقيق السلام مع معارضيه. وأضاف: “أهم شيء حققته تركيا وروسيا في الشأن السوريّ هو وقف القتال بين النظام والمعارضة”.
ويبدو أنّه بعدما أُحيط “فيدان” بجملة معطيات في موسكو، كان يتوجب إبلاغ دمشق بذلك، ووفقاً لذلك جاءت زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف إلى دمشق في 26/6/2024، وقال رئيس حكومة دمشق بشار الأسد: “إنَّ دمشق منفتحة على جميع مبادرات العلاقة بين سوريا وتركيا، والتي تستند إلى “سيادة الدولة ومحاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابيّة”. وأشار إلى أنّ دمشق “تعاملت دائماً بشكل إيجابيّ وبنّاء مع كل المبادرات ذات الصلة”.
فيما عبر لافرنتييف عن دعم بلاده لكل المبادرات ذات الصلة بالعلاقة بين سوريا وتركيا من كل الدول المهتمة بتصحيح تلك العلاقة. ورأى أن الظروف حالياً تبدو مناسبة أكثر من أي وقت مضى لنجاح الوساطات، وأن روسيا مستعدة للعمل على دفع المفاوضات إلى الأمام، وأن الغاية هي النجاح في عودة العلاقات بين سوريا وتركيا.
الرد التركيّ جاء على لسان أردوغان الجمعة 28/6/2024، فأكّد الاستعداد لإقامة علاقات دبلوماسيّة مع سوريا وقال: “لا يوجد سببٌ يمنع إقامة العلاقات الدبلوماسيّة، وسنواصل تطوير العلاقات كما كنا نفعل في الماضي”. وقال: “سنعمل معاً على تطوير العلاقات مع سوريا بنفس الطريقة التي عملنا بها في الماضي”. وأشار إلى الاجتماعات السابقة التي عقدها مع الأسد، بما فيها العائليّة. وقال: “من المستحيل تماماً أن نقول إنّ ذلك لن يحدث غداً، بل سيحدث مرة أخرى، ليس لدينا أيّ نية للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا”. وأضاف: “لا يمكن أن يكون لدينا أبداً اهتمام أو هدف للتدخل في شؤون سوريا الداخلية، لأنَّ الشعب السوريّ مجتمعٌ نعيشُ فيه معاً كشعوب شقيقة”.
وقال السفير التركيّ السابق في سوريا، عمر أونهون، يبدو أنّ أنقرة “صاحبة الثقل الإقليميّ” قد تخلت عن فكرة “سوريا دون الأسد”، وتسعى الآن إلى إقامة علاقة تعاون مع دمشق.
في 3/7/2024 اجتمع أردوغان بالرئيس الروسي بوتين على هامش أعمال القمة 24 لرؤساء دول منظمة “شنغهاي” للتعاون في مدينة أستانه بكازاخستان، وبحثا تطورات الحرب على قطاع غزة والأزمة السوريّة.
ونقلت وكالة سبوتنيك عن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف: “إن موسكو ترحب بعملية إحلال السلام في سوريا، وهي مهمة للغاية”. وأضاف: “بذلت روسيا الكثير من الجهد في هذا الصدد، ولن نرحب إلا بالاتصالات مع الدول المجاورة التي ستسمح لهذه العملية بالتطور بنجاح”، وفقاً وكالة “سبوتنيك” الروسية.
وقال رئيس حزب “الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة التركيّة أوزغور أوزال، الخميس 27/6/2024: “سنجتمع مع الرئيس السوريّ بشار الأسد وجهاً لوجه إذا لزم الأمر، ونعمل على ضمان عودة السوريّين إلى بلادهم بأمان”.
الصلاة في الجامع الأمويّ
جملة من المعطيات تدفع حكومة أنقرة إلى المضي قدماً في المسار التصالحيّ بعد سنوات من التدخل المباشر الذي لم يقتصر على التصريحات والتهديدات والعدوان والاحتلال العسكريّ المباشر، بل التغيير الديمغرافيّ في المناطق المحتلة وإطلاق يد المرتزقة لارتكاب كلّ أنواع الانتهاكات بحق المواطنين الكرد. والمسار التصالحي مع دمشق لا يعني تخلي أنقرة عن أجندتها بقدر ما هو تبديل في الوسيلة عبر الأقنية الدبلوماسيّة.
المتغير التركيّ بدأ بقمة سان بطرسبرغ في 9/8/2016، فيما كان السقف الذي حدده أردوغان عالياً في بداية الأزمة، وقال في 5/9/2012، وحينها كان رئيس الوزراء: “إنَّ صلاته بالجامع الأمويّ في دمشق وزيارته لقبر صلاح الدين الأيوبيّ باتت قريبة. ووجه خطابه إلى المعارضة: “إنّ أحزاب المعارضة التركيّة التي نصرت دمشق ستخجل في القريب العاجل من زيارة دمشق، فيما سيذهب وأعضاء حزبه إليها ليلتقوا بأخوتهم، ويتلون “سورة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين الأيوبي”، ثم يصلّون في باحات جامع بني أمية الكبير، ويزورون تربة الصحابي بلال الحبشي والإمام ابن عربي، والكلية السليمانية ومحطة الحجاز”. وأضاف: “دمشق أصبحت دولة إرهابيّة”، مؤكداً أنَّ تركيا لا يمكنها أن تسمح لنفسها “بعدم الاكتراث” بالنزاع الذي يمزّق جارتها.
وقال في 5/5/2013، “أقول للأسد: لقد اقترب عدد الضحايا الذين قتلوا في سوريا من 100 ألف إنسان، قسماً بربي ستدفع الثمن غالياً”.
وكانت أشد لهجة تهديد بعد مقتل عدد من الجنود الأتراك في إدلب وقال أردوغان في 5/2/2020: “الهجوم على جنودنا في إدلب بداية لمرحلة جديدة بالنسبة لتركيا في سوريا”، “وإذا لم ينسحب النظام السوريّ إلى خلف نقاط المراقبة التركيّة خلال شباط فإن تركيا ستضطر لإجباره على ذلك”. ثم أعلن أردوغان: “نال النظام عقابه، لكن ذلك لا يكفي، ستكون هناك تتمة. كلما هاجموا جنودنا، سيدفعون الثمن غالياً، غالياً جداً”.
وقال في 4/10/2023: “في حال لم تتمكن الدول التي تكفلت بضبط التنظيمات الإرهابيّة ودمشق، فإن تركيا ستلجأ إلى القوة لفعل ذلك”، وأضاف أنّه “في حال لم يقم نظام الأسد بالحفاظ على اتفاقنا مع داعميه في إدلب فإننا سنلقنه درساً لن ينساه”.
ولا يمكن حصر عدد المرات التي هدد فيها أردوغان وانتقد سياسة حكومة دمشق، وكان الرد بالمثل. وفي كثير من المناسبات أشار أردوغان إلى مناطق سوريّة على أنه “خط أحمر” ومنها مدينة حلب، لكنه نفسه الذي ساهم في إزالة تلك الخطوط تباعاً.
احتجاجات وأعمال عنف
شهدت مدينة قيصرى التركيّة الأحد الماضي أعمال العنف والاعتداء على السوريّين وأملاكهم، وامتدت إلى الجانب الآخر من الحدود وتحديداً المناطق الخاضعة للاحتلال التركيّ فخرجت مظاهرات احتجاجيّة ورُفعت شعارات مناهضة لسياسة أردوغان وحكومته، وأُحرقت سيارات الشحن التركيّة، وأُطلق النار فقُتل وأصيب العشرات، وخلال التظاهرات تم إنزالُ الأعلام التركيّة وتمزيقها وحتى حرقها، وردد كثيرون “التآخي ليس له وجود”!
اللافت في الاحتجاجات أنّها كانت أعنف في عفرين المحتلة، ومعظم القتلى والمصابين ينحدرون من مناطق محددة بخاصة ريف دمشق، واقتصر الاحتجاج على مجموعات مرتزقة بعينها، والتي لا تحظى برضا السلطات التركيّة، وسبق أن خاضت جولات صراع وأُخرجت من عفرين بالقوةِ أو اُنتزعت قرى من سيطرتها، فيما عارضت بعض المجموعات المرتزقة الأخرى وتحديداً التركمانيّة التظاهر، ووقفت ضد المحتجين، وأصدرت بيانات بهذا الخصوص، ومن جهة ثانية فالمطالب التي رُفعت خلال تشييع جنازات القتلى لم يكن لها علاقة بأحداث العنف ضد اللاجئين السوريّين في تركيا، بل كانت تتعلق بضمانات حول المصير بعد خطوات عملية في المسار التصالحيّ بين أنقرة ودمشق وتصريحات المسؤولين الأتراك.
وتوعد رئيس دولة الاحتلال التركيّ ووزيرا الخارجية والعدل بمحاسبة من مزق العلم التركيّ، وتولى مرتزقة “القوة المشتركة” مسألة مراجعة كاميرات المراقبة لتحديد الأشخاص، واُعتقل أشخاص على ذمة هذه القضية، وبذلك كانت الخسارة سوريّة على طرفي الحدود، وتلاشت قضية قتل سوريين ــ بصرف عن تموضعهم ــ وتم تضييع دمائهم، بل القضية الأساسيّة هي العلم التركيّ على الأراضي السوريّة، وسرعان ما تم رفع العلم التركيّ على العديد من المواقع والمقرات.
إصرارُ السلطات التركيّة على إعادة رفع العلم التركيّ واتخاذ إجراءات المحاسبة بشأن العلم وتجاهل فاتورة الدم، هو سلوكٌ احتلاليّ، ورغم ذلك أبدى المرتزقة مواقف الثناء على السياسة التركيّة وتمجيدها، وليتحول التظاهر إلى مجرد سلوكٍ غوغائيّ.
السلطات التركيّة قطعت فوراً شبكات خدمة الانترنت لتكون روايتها للأحداث هي الوحيدة، وكأنّ ما يحدث شأن تركيّ داخليّ، ويمكنها اتخاذ أيّ إجراءات.
يمكن القول إنّ اندلاع أعمال العنف في تركيا وتمددها إلى عبر الحدود إلى المناطق المحتلة وأسلوب احتوائها لا تخرج عن سياق خطة واحدة تتعلق مباشرة بالمسار التصالحيّ، والمطلوب ممارسة مزيد من الضغط في هذه المرحلة لإنجاح المسار، ودفع اللاجئين السوريّين للعودة. وسبب التظاهر يتعلق بمصير المرتزقة فيما لو وصل مسار التصالح بين أنقرة ودمشق إلى خواتيمه. ويرجح أنّ تكون الاحتجاجات لعبة استخباراتيّة أريد لها هذه النتيجة.
هناك جملة من العوامل تحكم المتغير التركيّ على مدى الأعوام الماضية، والحقيقة أنّ أنقرة مستعدة لتقديم أيّة تنازلات وعقد أي صفقة، على أن يكون المقابل استهداف الكرد ومشروع الإدارة الذاتيّة.
No Result
View All Result