سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الاحتجاج ضد سلطات الاحتلال… بداية تحوّل أم فورة طارئة..؟!

بدرخان نوري_

متغيرات متسارعة تشهدها عفرين والمناطق المحتلة، وخرجت مظاهرات عارمة تخللها حالات إطلاق نار ما أسفر عن حالات قتل وإصابات، وتمّ إنزال العلم التركيّ من كلّ المقرات وتمزيقه، فيما رُددت شعارات للمرةِ الأولى تُنددُ بالسياسة التركية وبقواتها العسكريّة وكذلك ببعضِ مجموعات المرتزقة، واستقدمت سلطات الاحتلال تعزيزات أمنيّة لاحتواء الوضع وعزلتِ المناطقَ بحجبِ خدمة الإنترنت عنها، وجاء الاحتجاج متزامناً مع تصريحات تركيّة ترحّب بالتصالح مع دمشق وموجة عنفٍ ضد لاجئين سوريين في تركيا.
أحداث عنف وليلة قاسية
عاش اللاجئون السوريون في ولاية قيصري، ليلة دموية قاسية، بعدما هاجم عشرات الأتراك أملاكهم ومحالهم التجاريّة ومنازلهم وسياراتهم في الولاية، على خلفيّة تداول خبر تحرّش سوريّ بفتاة تركيّة، في حي “دانش ميت غازي”، تبين لاحقاً أنّها سوريّة، مع انتشار مقطع مصوّر يوثّق ما اُعتبر حادث تحرشٍ تطورت الأحداث سريعاً، وقبيل صدور البيان الرسميّ من سلطات الولاية، هاجم عشرات الأتراك معظمهم من الشبان ممتلكات السوريين، واستهدفوا سيارات السوريين، ومتاجرهم، ورموا البيوت التي يسكنونها بالحجارة وكسروا زجاج النوافذ. لتعلن محكمة الولاية يوم الإثنين، فرض حظر النشر على خلفيّة الحادثة، وتفتح تحقيقاً بالأحداث وقالت وكالة الأناضول إنّ السوريّ المعتدي “ي.أ” (26 عاماً)، يعاني من اضطرابات عقليّة، والطفلة المعتدى عليها هي ابنة عمه “م.أ” (سبع سنوات).
الهجوم الذي قام به الأتراك كان مروعاً وعانى السوريون ليلة قاسية جداً، إذ هوجمت المحلات فجأة وكُسّرت واجهاتها وأُضرمت فيها النار بعد تكسير محتوياتها. وأحيلت إلى رماد. وسط هتافات تقول: “لا نريد مزيداً من السوريين! لا نريد مزيداً من الأجانب”.
وحُرمت عوائل كثيرة من مصدر دخلها، تم تحطيم السيارات وإحراقها على مرأى أصحابها الذين كانوا يراقبون ذلك من الشرفات، وفجأة خسرت العوائل السورية ملايين الليرات التركية وهي حصيلة عملهم طيلة سنوات، ليعود وضعهم إلى بداية وصولهم.
بعد ساعات من الأحداث الدامية في قيصري، لم تعلن الحكومة التركيّة عن أيّ إجراءات مباشرة لاحتواء الأحداث ووضع حدٍ لها، بل تم انتقاد السوريين من قبل كثيرٍ من السياسيين الأتراك. ليتكرر المشهد نفسه الإثنين مساءٍ في مدن عينتاب وقونيا والريحانيّة ومناطق أخرى.
تهرّب من المسؤولية
استغل رئيس دولة الاحتلال أردوغان أحداث ليلة قيصرى ليهاجم أحزاب المعارضة التركية، وفي كلمة مباشرة له في مؤتمر لحزبه الحاكم العدالة والتنمية، قال: “من غير المقبول أن يلومَ بعض الناس اللاجئين على عدم كفاءتهم”، مؤكداً أنَّ “حرقَ بيوت الناس وإشعال النار في الشوارع أمر غير مقبول، بغض النظر عمن كانوا ومن يقوم به”. معتبراً أن “أحد أسباب الأحداث المحزنة، التي تسببت بها مجموعة صغيرة في مدينة قيصرى، هو الخطاب المسموم للمعارضة التركية”. وبذلك تهرب أردوغان من المسؤولية المباشرة عن الأحداث وبخاصةٍ ارتفاع نبرة خطاب الكراهية ضد السوريين، وأنه نفسه عمل على خطف ملف للاجئين السوريين من يد المعارضة عبر تبنّي مشروع إعادة السوريين قسراً باسم العودة الطوعيّة وإقامة عشرات مشاريع الاستيطان.  أما وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، فأشار إلى أنّ مواطنين أتراكا ألقوا القبض على المشتبه به السوريّ وسلّموه إلى الشرطة. وذكر يرلي كايا على منصة “إكس” أنه يشتبه بأنَّ السوري تحرّش بقريبته السوريّة. ولفت إلى أنَّ الأتراك الذين تجمّعوا في المنطقة تصرّفوا بشكل “مخالف للقانون” و”لا يتناسب مع القيم الإنسانية”، إذ قاموا بتخريب منازل ومتاجر وسيارات تعود إلى مواطنين سوريين، وأوضح أنّه تم اعتقال 67 شخصاً بعد الهجمات.
توقيت الاحتجاج وظروفه
الحادث ليس الأول من نوعه في تركيا، فالسوريون يعانون على مدى سنوات سوء المعاملة وخطاب الكراهية ووقعت عشرات الحوادث انتهى العديد منها إلى جرائم قتل دون مبرر. وفي بعضها تحولت إلى حوادث عنفٍ واسعة وهجمات على السوريين واستهداف ممتلكاتهم، ففي 12/8/2021، في منطقة ألتنداغ في قلب أنقرة واستهدفت مجموعات من الأتراك متاجر ومنازل يشغلها سوريون في أنقرة، عقب حادث طعن تركيين مات أحدهما، وكذلك في 17/8/2023 في سيناريو مشابه لقصة اعتداء سوريّ على طفل قاصر في أورفا، وحينها تمت مهاجمة محلات السوريين.
وفي 28/9/2018 شهدت مدينة أورفا التركية حالة غليان غير مسبوقة، ناتجة عن توتر كبير بين الأتراك واللاجئين السوريين، وهاجم أتراك محال تجاريّة للسوريين وقاموا بالتكسير والعبث بها. وذلك على خلفية شجار بين أطفال من عائلتين إحداهما سوريّة والأخرى تركيّة. لكن؛ المختلف في هذه الحادثة هو تزامنها مع تصريحات تركيّة على أعلى المستويات السياسيّة للتصالح مع دمشق، والحديث عن اجتماع رفيع المستوى في بغداد وفق ما سُمي المبادرة العراقيّة، وكان افتتاح معبر أبو الزندين الذي يفصل بين مناطق حكومة دمشق والاحتلال التركيّ خطوة أولى في هذا المسار، الذي أخذ شكلاً اقتصاديّاً. وتزامن افتتاح المعبر بحركة احتجاجيّة ورفض كبير من قبل بعض مجموعات المرتزقة حواضنها، إلا أنّ المعبر تم افتتاحه.
الإجراء التركيّ عزز الاعتقاد لدى مجموعات المرتزقة وحواضنها الاجتماعيّة بأنّ أنقرة بصدد عقد اتفاق على حسابها مع الجانب الروسيّ وتذهب عوائده لصالح حكومة دمشق، وهي تدرك أنّ أنقرة تتعاطى منعها على أنّها أداة لتنفيذ أجندتها، ولكنها أحرقت مبكراً سفن العودة، وبات الولاء لأنقرة خياراً إلزاميّاً، إلا أنّها تخشى أكثر العودة عبر مراكز التسوية في أوضاع غير مستقرة في سوريا، وبذلك كان الاحتجاج خيار من لم يعد لديه شيء ليخسره!
إنزال العلم التركيّ
كان مشهد إنزال علم دولة الاحتلال التركيّ على المقرات والمؤسسات في سائر المناطق الخاضعة للاحتلال والنفوذ التركيّ. فيما أقدم البعض على إحراق العلم التركيّ. وتناقل نشطاء صوراً ومقاطع فيديو تُظهر ردود فعل غاضبة في مدن وبلدات ريف حلب، تجلت بقطع الطرق أمام السيارات والشاحنات التركيّة في مارع وسجو والباب، وتمزيق الأعلام التركيّة وإنزالها في معبر “باب السلامة” الحدودي في إعزاز، واضطر العاملون الأتراك لمغادرة الدوائر التي يعملون فيها في المنطقة.
وقامت السلطات التركية بإغلاق معبري الراعي وباب السلامة حتى إشعار آخر وبذلك ستتوقف حركة الشحن وحركة دخول وخروج الأفراد من وإلى تركيا. وأوعزت سلطات الاحتلال للشركات التركيّة التي تزوّد المناطق المحتلة بالإنترنت، لقطع الخدمة في مسعى للتضييق على نقل الأخبار والتعتيم الإعلاميّ لاحتواء الغضب الشعبي.
في مسعى لاحتواء الأحداث، عربات عسكريّة وعناصر أمنيّة وقوات مكافحة الشغب تدخل عبر الحدود، ودعت الاستخبارات التركيّة متزعمي مجموعات المرتزقة لاجتماعٍ عاجل في كفرجنة!
وفيما روّجت سلطات الاحتلال التركيّ عبارة “التآخي ليس له حدود” وكُتبت على العديد من الجدران في الأماكن العامة، ردد المتظاهرون عبارة “التآخي ليس له وجود”. ووُصف موقف تركيا بالتحوّل.
انتشار الاحتجاج
شملت التظاهرات مدن عفرين وجندريسه وراجو وإعزاز ومعبر السلامة الحدوديّ ومارع وكذلك مدينة الباب وجرابلس ومعبرها الحدوديّ، وامتدت حتى مدينة سري كانيه المحتلة.
وخرجت مظاهرات احتجاجيّة في مدينة عفرين المحتلة، ظهر الإثنين ورددوا شعارات التنديد بالسياسة التركيّة وكذلك بمجموعات المرتزقة التي وصفوها بالعمالة وخيانة الثورة، واقتحم بعض المتظاهرين مبنى السرايا والذي بات يُعرف بـ”مكتب الوالي التركيّ”، وحاولت عناصر أمنية مما تُسمى الشرطة العسكريّة المدنيّة تفريق المتظاهرين فأطلقوا النار ليصاب بعض المتظاهرين.
في مدينة الراعي بريف حلب، أطلق مجهولون النار على شاحنات تركيّة كانت مركونة في ساحة الشحن قرب معبر الراعي الحدوديّ مع تركيا، ولم تُسجل أيّة خسائر بشريّة. وفي مدينة الباب أقدم متظاهرون على تحطيم زجاج سيارات شحن تركيّة في سوق الهال، وأحرقوا 11 سيارة شحن تركيّة.
في منطقة الأتارب بريف حلب الغربي اشتبك مئات المتظاهرين مع جيش الاحتلال التركيّ وأطلق الرصاص أمام النقطة العسكرية وأُصيب شخص. وأطلق جيش الاحتلال التركيّ النار والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين؛ ما أدى لحالات اختناق بين المتظاهرين. ليقوم على إثرها المتظاهرون بمهاجمة النقطة التركيّة بالحجارة، ويدخلوا النقطة العسكريّة.
وأشارت المصادر أن عشرات الشبان خرجوا باحتجاجات واعترضوا طريق سيارات عسكرية تركية احتجاجاً على ما يتعرّض له السوريون في تركيا من مضايقات. وأشارت المصادر أن الأهالي رشقوا بالحجارة السيارات العسكرية التركية في مدينة سري كانيه المحتلة، وتم إحراق إطارات في عدد من الشوارع في تعبيرٍ عن الاحتجاج.
سجن كبير
تنتهج الحكومة التركيّة منذ بداية عام 2022، إجراءات قاسية وصارمة في ملاحقة وترحيل طالبي اللجوء وبشكلٍ خاص اللاجئين السوريين على أراضيها واحتجزت المئات منهم بشكل تعسفيّ. وفي 11/6/2022، أعلن وزير الداخلية التركيّ السابق سليمان صويلو اتخاذ الحكومة التركية حزمة إجراءات مشددة بحق المهاجرين بشكل عام واللاجئين السوريين بشكلٍ خاص، وتضمنت هذه الإجراءات تخفيض عدد الأجانب المقيمين في مختلف المدن التركيّة.
 وتشن السلطات الأمنيّة حملات اعتقال عشوائيّة للاجئين السوريين في المدن التركية وتنقلهم بالقوة إلى معسكرات على الحدود ويجبرون على توقيع وثائق، وخلال الشهر الماضي رحّلت السلطات التركية 16500 سوريّ بينهم قرابة 3300 امرأة وطفل، من خلال معابر باب الهوى، وباب السلامة، وجرابلس وكري سبي/ تل أبيض، ونقلت وكالة “نورث برس” عن إداري في إدارة المعابر إلى أنَّ المرحلين جميعهم، بشكل قسريّ بعد سحب كامل أوراقهم المتعلقة بالإقامة في تركيا.
وقال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، الذي زار المناطق الحدوديّة مع سوريا ورافقت زيارته حملات ترحيل: “رفعنا عدد نقاط دائرة الهجرة المتحركة في ولاية عينتاب إلى 25، وبدأنا بتشديد هذه الحملة في كيليس وأورفا أيضاً بوقت متزامن، سنستمر بمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر بلا تردد وبلا توقف”.
وبسبب حملات التضييق ضد السوريين والمعاناة الكبيرة واعتقال عشرات بينهم نساء وأطفال، أطلق ناشطون سوريون حملة بعنوان “سجن كبير” ويقصدون بذلك نموذج الحياة التي يعيشونها في تركيا، بهدف تسليط الضوء على أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا وما يتعرضون له من مضايقات كبيرة. وبذلك يمكن فهم أحداث قيصرى بأنها وقعت في سياق سياسة رسميّة للحكومة وكذلك سلوك اجتماعيّ ومزاج رافض للودود السوريّ.  ومن المؤكد أنّ مشهد الاحتجاج ضد سياسات الاحتلال التركيّ تأخر كثيراً، وكان يفترض أن يكون أبكر بسنوات، والقضية ليست ما يحدث اليوم، بل ما سيحدث بعده، فهل ستتدحرج الأحداث إلى متغيرٍ سوريّ كبير، أم سيتدخّلُ الجيش التركي لدعم بعض المجموعات المرتزقة لإخمادِ التمرد وإعادة المتظاهرين إلى بيتِ الطاعة؟ الإجابة لن تطول كثيراً وهي رهن هذه الأيام.