سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

إحصائيات صادمة عن مستوى الجفاف والتصحر في شمال وشرق سوريا وأسبابها

يواجه إقليم شمال وشرق سوريا تحديات جمّة تتمثل في خطر التصحر والجفاف المتزايد. يُعزى هذا الوضع المقلق إلى عوامل عدة، أبرزها تغير المناخ العالمي وسياسات تركيا المائية ضد الإقليم. البيانات البيئية تُشير بوضوح إلى أنه ما لم تُبذل جهود بيئية متكاتفة وفعّالة، فإن الإقليم سيواجه كارثة بيئية.
تتجلى تداعيات تغيّر المناخ بشكل متواصل في منطقة الشرق الأوسط، وتُعد سوريا من أكثر الدول تأثراً. فقد واجهت المنطقة موجات جفاف شديدة خلال السنوات الماضية والتي لا تزال مستمرة، ما أدى إلى انتشار التصحر على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وفقاً للتقارير الدولية.
في هذا السياق، صادف يوم 17 حزيران اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف. وتهدف هذه المناسبة إلى تعزيز الوعي بخطورة هذين التحديين البيئيين الكبيرين في عصرنا الراهن.
جفاف وأنهار بدون مياه
ينظر حمد يوسف الناصر، من حي الطي في مدينة قامشلو بإقليم شمال وشرق سوريا، إلى قطيعه الصغير من الجواميس، والذي تناقص عددها مؤخراً، ويقول لوكالة أنباء هاوار: “الجاموس يحتاج الى كميات مياه كثيرة، فهو يعيش في بيئة مائية، وبسبب جفاف النهر بات هذا الحيوان يواجه الموت، فمنذ بداية العام نفق 11 جاموساً من الجواميس التي أملكها”. ويقدر عدد الجواميس في الجزيرة بـ 3500 رأس، يؤكد الناصر وهو يشاهد قطيعه يغمر نفسه في بركة صغيرة من المياه داخل مجرى نهر الجقجق الجاف من المياه، “قطعاننا في خطر، تركيا تقطع المياه عنا وتدمر بيئة الجاموس”.
ولا يختلف حال الأنهار الأخرى في المنطقة عن نهر الجقجق الذي يحتضر شيئا فشيئاً، فنهرا الفرات والخابور، إلى جانب سدود المنطقة، تعاني من نقص شديد في المياه، نتيجة قطع مياهها من قبل دولة الاحتلال التركي، وذلك حسب بيانات مديرية الموارد المائية في شمال وشرق سوريا.
هذه السياسات وتغيرات المناخ، ستفرض حالة جفاف على ثلثي مساحة إقليم شمال وشرق سوريا، حسب هيئة البيئة في مقاطعة الجزيرة. وقد تمثل موجات الجفاف مخاطر طبيعية بطيئة التفاقم، ولكن يتم تصنيفها من الكوارث الطبيعية الأكثر تسبباً للضرر.
إحصائيات مرعبة
يُعرّف التصحر بأنه تدهور أو تردّي الأراضي الحيوية وانخفاض أو فقدان القيمة الإنتاجية أو الاقتصادية في المناطق المتأثرة به، وتُصنّف سورية بلداً ذا مناخ جاف وشبه جاف، وتشير الدراسات إلى أن التصحر أصبح يهدد مساحات كبيرة من أراضيها، إذ تقدر بأكثر من نصف مساحتها 187 ألف كيلو متر مربع.
وفي شمال وشرق وسوريا، تبلغ المساحة التي تصحرت فعلاً قرابة 15 ألف هكتار، والمساحة المهددة بالتصحر 85 بالمئة تقريباً، حسب دراسة لهيئة البيئة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
يؤكد الباحث البيئي ومدير قسم التخطيط والمشاريع في هيئة البيئة في الادارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، عارف مسلم، أن هناك ازدياداً في مساحات التصحر في المنطقة مقارنة بالأعوام السابقة، مشيراً: “نتيجة الأزمة السورية وغياب الرقابة على المشاكل البيئية، تفاقم الأمر”.
وحسب دراسة ميدانية، فإن أكثر المناطق التي تعرضت للتصحر هي المنطقة الجنوبية من الإقليم في مقاطعات دير الزور والرقة والطبقة ومدينة الحسكة، وإن زحفَ التصحر كبير وملحوظ باتجاه الشمال، بالإضافة الى تعرض المناطق الوسطى من الإقليم لها.
أسباب وعوامل
تُشكّل ظاهرة التغيّر المناخي المتفاقمة، وتزايد موجات الجفاف، وتنامي معدلات انجراف التربة وتملّحها، وزحف الكثبان الرملية نحو الأراضي الزراعية، أهم العوامل والأسباب الطبيعية المؤدية لظاهرة التصحر. وفق مسلم.
وفي الوقت الذي يُسلّط الضوء فيه على العوامل البشرية، يُؤكّد أن الممارسات غير المدروسة التي لا تراعي قدرات النظام البيئي وخصائص التربة، والرعي الجائر، وتجريف الأراضي الزراعية، وقطع الأشجار وإزالة الغابات، بالإضافة إلى تأثيرات الحروب والعمليات العسكرية في سوريا – وفي مقدمتها قطع مياه نهر الفرات والأنهار الأخرى من قِبَل تركيا – قد أسهمت في تزايد وتفاقم ظاهرة التصحر.
السياسات المائية التركية عامل رئيسي
وشهد منسوب نهر الفرات انخفاض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ خلال السنوات السابقة والمستمرة حتى الآن، بسبب قطع تركيا لمياه النهر، بحيث بات لا يتجاوز التدفق 200 متر مكعب في الثانية، حيث التزمت تركيا بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الأقل يتقاسمها العراق وسوريا، كما حال الأنهار الأخرى.
الأمر الذي يراه مسلم: “أدى إلى زيادة نسبة الملوحة في المياه، وسببت جفافاً بيئياً وتصحراً وتقليصاً للرقعة الزراعية وتهجيراً للسكان، كما أدى إلى توقف محطات الطاقة الهيدروكهربائية التي تعتمد على المياه في تشغيلها، الأمر الذي أدى إلى تعثّر المشاريع الحيوية والاقتصادية ومشاريع البنية التحتية، وأثر على مساحات كبيرة وعلى معيشة ملايين من السكان في شمال وشرق سوريا”.
القادم سيئ إذا لم تتضافر الجهود
ويشكّل التصحر والجفاف تهديداً للنظام العام وأمن الأفراد البيئي والغذائي والصحي والاقتصادي والمائي والاجتماعي منها انتكاس الأمن الغذائي مما يؤدي إلى انتشار الفقر والمجاعة وسوء الأحوال الاقتصادية، التي تؤدي بدورها إلى انتشار سوء التغذية بين السكان، وخلص الباحث إلى أن مستقبل المنطقة سيكون أكثر سوءاً ما لم يتم إيجاد حلول فعالة لمشكلة التصحر والجفاف.
ويؤكد الخبراء أن التصحر لن يقتصر على المنطقة التي تأثرت بها فقط، بل سينتقل إلى المناطق الأخرى، وهذا ما تؤكده ظهور مؤشرات نظام الإنذار المبكر بحدوث نوبات الجفاف، وتغير المناخ، بالإضافة إلى انتشار بعض النباتات الصحراوية في مناطق لم تكن موجودة من قبل. كما أن هناك أدلة فيزيائية وبيولوجية واقتصادية واجتماعية تشير إلى استمرار تقدم ظاهرة التصحر في المنطقة.
يؤكد عارف المسلم، على ضرورة تضافر جهود جميع الأطراف ذات الصلة لمواجهة تحديات التصحر. فالأمر يستدعي تكاتف المؤسسات المحلية والجهات الدولية، بالتعاون مع سكان المناطق المتأثرة، لاتخاذ التدابير والإجراءات الوقائية المناسبة.
ونوّه إلى أن سكان الأراضي الجافة هم الأكثر قدرة على مكافحة التصحر، نظراً لخبرتهم الطويلة ومعرفتهم الدقيقة بمتطلبات البيئة التي يعيشون فيها. وهذا يتيح لهم اتباع ممارسات زراعية فعالة، كزراعة الأشجار، وتبنّي سياسات بيئية سليمة، مما يسهم في الحد من مشكلة التصحر.
وكالة أنباء هاوار