تشكل “القهوة العربية” منذ قرون بعيدة ركناً أساسياً في بنية الثقافة العربية، فتعود أصولها إلى القرن الخامس عشر، حيث ظهرت لأول مرة في اليمن، ثم انتقلت إلى الحبشة والجزيرة العربيّة، ومن ثم انتشرت في أنحاء العالم العربيّ.
تعدُّ “القهوة العربيّة” أحد الموروثات لدى العرب والسوريين، سيما “البدو” منهم، والذين اشتهروا في المحافظة على العادات والتقاليد الخاصة بالقهوة، وربطوها بصفات “الكرم والشجاعة والنسب”.
وتميزت “القهوة العربيّة” بنكهتها الفريدة والمميزة، وأصبحت رمزاً للضيافة والترحاب في الثقافة العربية، إذ يتم تقديمها في المناسبات الاجتماعية والعائلية للضيوف والزوار.
تقاليد راسخة في طقوس القهوة
لتقديم القهوة العربية عادات خاصة يجب على الضيف والمضيف الالتزام بها، ومن هذه العادات:
ـ هز الفنجان: عادة هز فنجان القهوة هي عادة قديمة جداً ومن دلالات شرب القهوة في المجتمعات العربية، يعود أصلها عندما قام كبار الشيوخ في المجالس بتعيين شاب أخرس لخدمة مجالس الكبار حتى لا يتم نقل حديثهم بين الناس، فكان إشارة الشيخ بهز الفنجان دلالة على اكتفائه من شرب القهوة وحتى يفهم الشاب فلا يقدم القهوة له مرة أخرى.
ـ صبة الحشمة: في عادات تقديم القهوة العربية يجب أن لا تزيد كمية القهوة المصبوبة في الفنجان عن ثلثه، وهو ما يعرف بصب الحشمة، كما يجب عدم ملء أكثر من نصف الفنجان، لأنه في حال زادت الكمية عن ذلك يفهم الضيف أنه غير مرحب به وعليه أن يشرب قهوته ويرحل.
ـ كسر الفنجان: ومن عادات الشعوب المتوارثة كسر فنجان الضيف بعد الاكتفاء منها، حيث بلغ من شدة إكرام الضيف أن يُكسر فنجان قهوته بعد الاكتفاء منها، إشارة إلى أنهم لن يأتيهم ضيف في منزلته ليشرب في فنجانه ذاته.
أمور أخرى متعلقة بتقديم القهوة
من الأمور المتعلقة أيضاً بعادات تقديم القهوة للضيف ما يأتي:
ـ يجب على من يصب القهوة حمل الدلة باليد اليسرى، وحمل فنجان القهوة باليد اليمنى.
ـ بعد الانتهاء من شرب الفنجان عدم وضعه على الأرض، بل يجب الاحتفاظ به في اليد حتى يعود مقدم القهوة لجمع الفناجين الفارغة وصب القهوة في الفنجان أقصاه ثلاث مرات.
أسماء الفناجين عند العرب
تسمى الفناجين عند العرب: الهيف، والضيف، والكيف.
ـ فنجان الهيف: وهو الفنجان الأول والذي يقوم بشربه المضيف، وذلك للتأكيد على أن القهوة غير مسمومة.
ـ فنجان الضيف: وهو الفنجان الأول الذي يشربه الضيف ويدل على كرم ضيافة المضيف.
ـ فنجان الكيف: وهو الفنجان الثاني الذي يشربه الضيف للاستمتاع بطعم القهوة.
ويضاف للثلاثة الأساسية فناجين ذات مناسبات خاصة مثل:
ـ فنجان السيف: ويشربه الضيف للدلالة على أنه سيقف مع مضيفه في حال تعرضه لأي أذى.
ووصل احترام البدو العرب، في السابق للقهوة، أنه إذا كان لأحدهم طلب عند شيخ العشيرة أو المضيف، يضع فنجانه وهو مليء بالقهوة، على الأرض، ولا يشربه، فيلاحظ المضيف أو شيخ العشيرة ذلك، ومن ثم يبادره بالسؤال: “ما حاجتك؟” فإذا رأى إمكانية قضاء حاجته، طلب منه أن يشرب قهوته اعتزازاً بنفسه. وإذا امتنع الضيف عن شرب القهوة وتجاهله المضيف، ولم يسأله ما طلبه، فإن ذلك يعد عيباً كبيراً في حقه.
وينتشر أمر هذا الخبر في القبيلة. وأصحاب الحقوق عادة يحترمون هذه العادات فلا يبالغون في المطالب التعجيزية ولا يطلبون ما يستحيل تحقيقه.
معنى وضع السكين على الدلة
من عادات تقديم القهوة العربية لدى البدو وضع السكين على الدلة، وهو ما يعني عدم وجود رجل في الدار، وعليه يجب على الضيف أن يقدم الضيافة لنفسه، ويأكل ويشرب دون أن يطلب من المبيت.
والبعض يعبر عن عدم وجود رجل بوضع الفنجان فوق الدلة.
القهوة العربية في المآتم
كانوا في البادية قديماً يستخدمون “دلة القهوة” للدلالة على الحداد، فترك الدلة مقلوبة لمدة محددة وسكب القهوة على الأرض يعادل اليوم تنكيس العَلم في الدول الكبرى، وفي مناسبات العزاء يحذر على الضيف قول “دايم” وإنما عليه بعد إنهاء فنجانه الترحم على المتوفي.
ما يقال عند وجود عيوب في القهوة
جرى في عادات تقديم القهوة العربية ألاّ يتم القول علناً في حال وجود عيب في قهوة المضيف، وذلك لحساسية الأمر عند العرب.
ويمكن لفت انتباه المضيف للخلل دون أن يشعر أحد بالقول “قهوتك صايدة” وفي هذه الحالة على المضيف أن يغير قهوته فوراً. وذلك في حال وجد الضيف أحد العيوب التالية:
ـ القهوة صايدة: وهي القهوة التي وقعت بها حشرة وتؤثر على طعمتها.
ـ القهوة غراق: وهو ما يعني أن القهوة غير محمصة جيداً.
ـ القهوة حراق: وهو ما يعني أن القهوة قد تم تحميصها حتى وصلت لدرجة الاحتراق.
ـ القهوة كثيرة الماء: عندما يتم إضافة الكثير من الماء للقهوة بنسبة مرتفعة.
ـ القهوة مسربة: وهي رواسب القهوة التي تتبقى في نهاية الدلة بعد نفاد القهوة بها.
ـ القهوة دافية: وهي القهوة التي انخفضت درجة حرارتها بشكل كبير.
ـ القهوة شايشة: وهي القهوة التي يتم صبها قبل أن تتسرب المواد الصلبة بها أسفل الدلة.
أدوات صنع القهوة
إن عملية إعداد “القهوة المرة” حساسة جداً، إذ يمكن أن تتأثر بأي رائحة أو طعم؛ ما يستوجب الحرص، فمن القواعد أن يكون الماء المستعمل شريباً أي صالحاً للشرب، ويكون مغلياً ومخمراً في الدلة فيسمى “التشريبة”، ويكون البنّ المحمّص طازجاَ فكلما قدم تحميصه كلما تراجعت نكهته، وأن تدق القهوة وتطبخ فوراً.
ومن أدوات صنع القهوة العربية ما يلي:
1-المحماس: ويستخدم المحماس لحمس وتحميص البن، ويصنع المحماس من الحديد السميك حتى لا يحترق البن أثناء الحمس.
2- النجر(الهاون): ويستخدم النجر لدق البن وطحنه، ويصنع النجر من النحاس.
3-المبرد: وهو وعاء خشبي مجوف يتم استخدامه لتبريد القهوة.
4-الدلال: تصنع من النحاس الأصفر والأحمر، وهي رمز الكرم والجود لدى أبناء البادية.
طائر الغرنوق ودلة القهوة العربية
تبرز بعض العادات بمعانيها العميقة وتراثها الغني. واحدة من هذه العادات تتمثل في وضع صورة “طائر الغرنوق” على دلة القهوة لدى البدو. هذه العادة ليست مجرد زخرفة عابرة، بل هي تعبير عن احترام وتقدير لدور هذا الطائر في حياة البدو اليومية.
قديماً في الصحراء كانت تعيش القبائل العربية وكانوا بأمس الحاجة للماء وعندما كانوا يرون “طائر الغرنوق” أو ما يسمى “طائر الماء الأبيض” يركبون ويلحقون به لكي يعرفوا أين ينام هذا الطائر وحيث ينام يجدون الماء كونه لا يعيش إلا قرب الماء في الصحراء، وكون هذا الطائر من بعد الله قد أعطاهم الحياة في الصحراء، لذا فإنه طائر مقدر وعزيز على قلب البدو ووضعوه فوق مصب القهوة تكريماً له.
والجدير ذكره: أن القهوة العربية تحظى بمكانة مرموقة في المجتمعات، وتبجلها القيم العشائرية بطقوس من الاحترام، وذلك دفع منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) إلى أن تم إدراجها ضمن قائمة التراث غير المادي عام 2015.