الحقيبة الوزارية التركية الجديدة…. لا تغيير في السياسة والذهنية

بيريفان خليل _

يسعى أردوغان باختياره حقيبة وزارية تركية جديدة إلى الإظهار، بأنه سيدير تركيا بذهنية وفكر وحكم جديد، فيما تخالف ادعاءه حقائق الواقع الموجودة، فهل سيتمكن من تزييفها والتحايل على الشعب، كما فعلها سابقاً، وهل سيقوى على تجاوز الأزمات الداخلية المدمرة لبنية تركيا؟

بعد الانتهاء من الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية، والتي لعب فيها حزب العدالة والتنمية دوراً كبيراً في التلاعب والحيل، ناهيك عن التضيق على مرشحي منافسه كليجدار أغلو، فحقق الحزب برئاسة أردوغان أهدافه بالبقاء في السطلة.

وبدأ الرئيس اللاقانوني لدولة الاحتلال التركي وضع شجرة جديدة للسلطة التركية بحيلة جديدة، يريد من خلالها كسب المزيد من الأصوات والتظاهر بأنه يسعى لتخليص تركيا من الأزمات بالتشكيلة الجديدة لسلطته.

الحقيبة الوزارية تكشف النوايا

وبتاريخ الثالث من حزيران الجاري أعلن أردوغان أسماء الوزراء في سلطته الجديدة وهم:

نائب رئيس الجمهورية: جودت يلماز، وزير الخارجية: هاكان فيدان، وزير الداخلية: علي يرلي قايا، وزير الدفاع الوطني: يشار غولر، وزير التجارة: عمر بولات، وزير الخزانة والمالية: محمد شيمشك، وزير الطاقة والموارد الطبيعية: ألب أرسلان بيرقدار، وزير النقل والبنية التحتية: عبد القادر أورال أوغلو، وزير الصحة: فخر الدين قوجة، وزير الثقافة والسياحة: محمد نوري أرصوي، وزير الشباب والرياضة: عثمان أشقين باك، وزير الصناعة والتكنولوجيا: محمد فاتح قجر، وزير الزراعة والغابات: إبراهيم يومقلي، وزير التربية الوطنية: يوسف تكين، وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي: محمد أوز حسكي، وزير العدل: يلماز تونج، وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية: ماهينور أوزدمير غوكطاش، وزير العمل والضمان الاجتماعي: وداد إشيق هان.

بداية سعى أردوغان في اختيار التشكيلة الجديدة إلى إبعاد صبغة التحزب عن الحقيبة الوزارية، وبذلك تمكن من إضفاء صفة “حكومة الدولة” بدلاً من “حكومة حزبية”.

بعيداً عن أهداف أردوغان من الشخصيات، التي اختارها في حقيبته الوزارية، فإن اختياره رجال الدولة، ممن كانوا يشغلون مناصب حساسة، أولى الخطوات، التي نجح فيها أردوغان في لفت انتباه العالم إلى أنه غير نظرته، ورؤيته القديمة.

وعلى الرغم من أن أردوغان سعى باختياره إلى التحايل على الشعب، بأنه اختار أصحاب الخبرة ضمن مسمى (التكنوقراط) بدلاً من التحزب، إلا أن نواياه تتكشف شيئاً فشيئا، بأنه اختار ممن ينسجم مع سياسته، التي أصبحت مكشوفة للعيان سواء السياسة العنصرية، أو الاحتلالية لأراضي الغير، أو الدموية في قتل الأبرياء.

ويعلق الباحث والصحفي التركي محمد طاهر أوغلو على هذا الموضوع، بإن شخصية أردوغان التي تركز على أدق التفاصيل، ومتابعتها في شتى الملفات تحتم عليه اختيار شخصيات منسجمة معه في المقام الأول، ولذلك فإن الحكومة لا يمكن وصفها بأنها تكنوقراط بالمفهوم الشامل للكلمة، رغم تمتع الوزراء الجدد بالخبرة والخلفية المهنية.

الأكثر عداءً للكرد في المناصب الحساسة

بعد الإعلان عن أسماء الوزراء، تبين بأن العديد منهم كردي بأصله، وهذا ما أثار الرؤية العامة للموضوع.

ومن الوزراء ذوي الأصول الكردية نائب أردوغان؛ جودت يلماز، الذي ولد في جوليك في عام 1967. في البداية عمل على وضع استراتيجية الدولة، بعد ذلك عمل في الوكالة الوطنية، وحصل مؤخراً على المسؤولية في لجنة تخطيط الميزانية في البرلمان التركي.

وأيضاً هاكان فيدان، ينتمي إلى الأصول الكردية، ولد في أنقرة عام 1968، وهو من مدينة وان وينتمي إلى عشيرة حسينة. تلقى تعليمه في مدرسة القوات البرية في تركيا، وهناك تدرب وأتقن اللغة التركية، وحصل على الدكتوراه في السياسة، وعلوم الإدارة. في عام 2010، أصبح مسؤولاً في وزارة الاستخبارات التركية.

ومن خلال ألقابه يبرز أنه الرجل الوفي لأردوغان، فإنه يلقب بـ “كاتم أسرار أردوغان، ثعلب المخابرات”، وعلق كثيرون على سبب اختيار أردوغان له، بعبارات تكشف النوايا “رجل الظل يخرج علناً….  خروج الرجل، الذي اعتاد دائما على العمل وراء الكواليس إلى دائرة الضوء.

ويشغل هذان الشخصان وغيرهما من الأصول الكردية مناصب حساسة في الحكومة الجديدة، إلا أنهم تعلموا في نظام الدولة منذ الطفولة، وتم استبعادهم من أن يكونوا كرداً. حتى هم أنفسهم لا يرون أنفسهم كرداً، وينكرون أصولهم الحقيقية.

هؤلاء الأشخاص في حكومة أردوغان الجديدة لهم تاريخ في القتال ضد الكرد، على وجه الخصوص، كان وزير الداخلية محافظا لمدينة شرناخ منذ 11 عاماً، وهي مركز الحرب ضد الكرد. أيضا، كان هاكان فيدان رئيسا للاستخبارات التركية لمدة 13 عاما، وكذلك يسار جولر القائم على قيادة الجيش التركي المحتل منذ عام 2018، وخلال قيادته واصل الهجوم والحرب ضد الكرد إلى أعلى مستوياته. وهذا ما يستبعد الرؤية، التي طرحها بعض المحللين، والمراقبين، أن أردوغان بسياسته الجديدة سيتقرب من الكرد، على العكس تماماً، فإن ترجيح احتمال توسيع الحرب ضد الكرد أكثر رواجاً خاصة بعد تصعيد دولة الاحتلال التركي من هجماتها على الأراضي الكردستانية، في روج آفا وباشور كردستان، ومناطق الدفاع المشروع.

ورداً على التخمينات والتوقعات، التي تكشف عنها شخصيات تسعى لتلميع صورة أردوغان، وسياسته أمام الكرد، يؤكد المحلل السياسي والباحث المتخصص بالشؤون التركية، خورشيد دلي على أن تعيين أردوغان شخصيات كردية بارزة في حكومته الجديدة، كنواب، ووزراء، لا يعكس وجود رغبة لديه في إيجاد حلول سلمية للقضية الكردية، فهو قد اختارهم من أجل إيجاد حلول للعديد من الأزمات التركية، كالأزمة الاقتصادية، التي على ما يبدو وجد أردوغان أملاً في حلها باختيار شيمشك، المعروف بخططه الاقتصادية”.

كما صرح أردوغان في تصريحات “للعربية.نت” أن “اختيار هذه الشخصيات كوزراء أمر لا يلبي تطلّعات الكرد، وقد تمّ تعيينهم نتيجة خبراتهم، كما هو الحال مع هاكان فيدان وزير الخارجية الجديد، الذي يوصف بصندوق أسرار أردوغان”.

ورأى دلي، أن التجربة التاريخية تؤكد دمج الهوية الكردية في بنية الدولة التركية، حيث يتمّ استخدام هذه الطبقة لخدمة الدولة، وإظهارهم في مناصبهم للترويج للمساواة بين الأتراك والكرد، لكنهم في الواقع بعيدون عن المسألة الكردية.

ملامح الذكورية في التشكيلة الجديدة

معروف عن السياسة التي ينتهجها أردوغان ضد المرأة، هي القتل، والاغتصاب، والاعتقال، والإقصاء، فكلها مراحل تمر بها المرأة، منذ عهد أردوغان، وما يصدره من قوانين بحق المرأة مكمل لمسلسل إقصاء المرأة في تركيا.

واليوم لدى تخصيص مقعد واحد ضمن التشكيلة الوزارية الجديدة في تركيا، يظهر علناً بأن الذهنية التي تتولى السلطة الجديدة في تركيا، معادية للمرأة ولوجودها، في إشارة إلى أن الممارسات اللاأخلاقية، واللاإنسانية، واللاقانونية ستزداد في السلطة الجديدة وبوتيرة عالية.

فاختيار مقعد واحد للمرأة من أصل 17 خير دليل على أن حقوق الرجل سيكون مضاعفاً 17 مرة من حقوق المرأة.

ومما سبق نتساءل: كيف لأردوغان أن يحكم تركيا بحكم جديد بهذه الذهنية، وهذه السياسة، وهل سيتمكن من مواجهة أزماته الداخلية بالجبهة الجديدة؟ وهل ستزداد عجلة الجرائم، والانتهاكات في عهد سلطته الجديدة؟ الأيام والشهور والسنوات والوقائع القادمة ستكون رداً واضحاً على هذه التساؤولات.