No Result
View All Result
المشاهدات 2
صلاح الدين مسلم_
يقول المفكّر والقائد عبد الله أوجلان في الجزء الأوّل لمجلّده مانيفستو الحضارة الديمقراطيّة: “فالقاعدةُ الأساسيةُ في التعاطي الدينيّ، هي الحراكُ بموجب الكلام المُعزى إلى الآلهة، التي تُعَدُّ فوق الطبيعةِ والمجتمع، بصفتِها غاية الحياة وسبيل الوصول إلى الحقيقة، وانحرافُ المرءِ أو حَيدُه عن هذا الكلام، يعني تحمُّلَه كل أنواع الأشغالِ الشاقة، وعيشُه شتى ضروبِ العبوديةِ، وهو على قيد الحياة؛ بينما يكون مصيرُه بعد المماتِ جهنم وبئسَ المصير، إننا على عتبةِ عهدِ إنشاءِ الآلهة المقَنَّعة”.
كانت الثورة الدينيّة التوحيدية ثورة مجتمعيّة، وكان الأنبياء والمرسلون والزاهدون والأولياء دعاةَ خير، باحثين عن العدالة الاجتماعيّة، رافضين كل أشكال التمييز، وقد خرجوا من فئات المجتمع المسحوقة، كالراعي والحدّاد… فإبراهيم عليه السلام ثار على الحكم، والملك باسم الآلهة، ورفض العبوديّة، وهو من أوائل من دعوا إلى وحدانيّة الله، وجعله فوق الطبيعة والمجتمع، وخارجاً عن نطاق الحدس.
وقد استطاع الأسلوب الدينيّ أن يكرّس الأخلاق ضمن المجتمع، واستطاعت الفضيلة أن تكون عنوان المجتمع الباحث عن الخلود، وبات المجتمع الإنسانيّ في طور التطوّر الأخلاقيّ، الذي تميّز عن عالم الحيوان، إذّ يتجسّد الجانبُ الإيجابي في الأسلوب الديني؛ في قطعه أشواطاً ملحوظةً في ظاهرة الأخلاق ضمن المجتمع. ففي هذه المرحلة، وفي ظل هذا الأسلوب، تعرضَت ثنائيةُ “الفضيلة – الرذيلة” لتمايزاتٍ كبرى، فقُيِّدَت بأحكامٍ قطعيةٍ صارمة. فما يميّز هذا الأسلوب، هو مرونةُ ذهنِ الإنسان، هذه الذهنيةُ التي تُمَيِّزُ الإنسان عن عالَم الحيوان، إنما تشكِّل الأرضيةَ الخصبة للتطورِ الأخلاقي.
من دون العودة إلى الأخلاق، لا يمكنُ تحقيقُ المجتمعيةِ، أو القيامُ بالإدارةِ والتوجيه، فالأخلاق في الأسلوب تكوينةٌ وحقيقةٌ وإدراكٌ إداريٌّ لا غنى عنه بالنسبة للمجتمع. ومن دونِ الدخول في الجدال حول مضمون الأخلاق الإيجابي أو السلبي، فإنَّ التطورَ على هذا الصعيد يُعدُّ ضرورةً قصوى للوعي الاجتماعي.
لا شك أنَّ الأخلاق وعيٌ ميتافيزيقي، وقد تفوقت الأخلاق الدينيةِ نسبةً إلى الأخلاق البدائية السائدةِ في العصر الميثولوجي، على الرغم من أن المجتمع الميثولوجيّ كان أخلاقيّاً لدرجة كبيرة، فإنّنا بمجرَّدَ التفكيرِ بالمجتمع البشري مجرداً مِن الأخلاق، هذا يعني انقراضَ الجنسِ البشري، أو القضاءَ على بيئة الحياةِ التي تحيطُ به، مثل انقراض الديناصورات لأنها لم تُبْقِ شيئاً من النباتِ الذي يُمكنُها أنْ تتغذى منه.
الأمران سيان، ويخرجان من البوابةِ نفسِها، ويفيدان في نهايةِ المآلِ بسقوطِ الإنسان في حالةٍ يغدو فيها نوعاً عاجزاً عن تأمينِ سيرورتِه. مع العلمِ أنّ التدَنِّيَ الفظيعَ للأخلاق هو السببُ وراء تفاقُمِ قضايا كبرى من ضمنها البيئة في راهننا لدرجةِ الوصولِ بالبشريةِ إلى حافةِ الهاوية.
لكن في النهاية وكالعادة اعتنقت الدولة هذا الدين التوحيديّ، وجعلته أداة طيّعة لها، لترسيخ مبدأ السطوة والاستغلال، ووصلت الدوغمائيّة الدينيّة ذروتها في العصور الوسطى في أوروبا، إلى حدّ قتل أي شخص بتهمة الهرطقة، ومنع المفكّرين والعلماء من التفكير، وهذا ما مهّد لهذا العطش الفكري الأوروبيّ، وتفجير الطاقة الكامنة العلمية لنسف كلّ ما يمتّ إلى الأسلوب الدينيّ والميتافيزيقي والفلسفي المثالي.
No Result
View All Result