المسرح.. أشعل الحروب وغيّر القوانين

وليد عمر_

مسرحية “كوخ العم توم” للكاتبة “هاريت ستو”  تسببت بإشعال حرب أهلية في أمريكا، بسبب التفرقة العنصرية، وعملت على إلغائها عام 1852، أما مسرحية “بيت” للكاتب النرويجي هنريك أبسن 1879 فقد أدت إلى إلغاء القوانين التي تحرم المرأة من ممارسة حقوقها المالية، وقد عُرضت هذه المسرحية مئات المرات، وغيرت وفجرت قضية تحرر المرأة من قيود الرجل والمجتمع، واضطهاد المرأة وحرمانها من حقوقها، وغيّرت تلك النظرة الدونية لها كمجرد دمية، وأبطلت قانون يحرم المرأة من استقلالها الاقتصادي، والتوقيع على أي معاملات مالية بدون ضامن، ويجب أن يكون رجلاً، وقد كانت لمسرحية “بيت الدمية” أصداء كثيرة ساهمت في تقوية الحركات التحررية النسوية آنذاك، وإلغاء القوانين المجحفة بحق المرأة.

 إذا نستطيع القول وبكل تأكيد، إن الفن المسرحي يدعو إلى تغير المجتمعات، وبكل بساطة إلى الأفضل، فالمسرح فن مؤثر وتطويري لذلك فهو يرفض المصطلح الفن للفن، فالمسرح فن للمجتمع وبشكل مطلق، وهو فن الانعكاس، وبالنسبة لنظرية الفن للفن فقد ظهرت في مطلع القرن التاسع عشر بفرنسا، وقد جردت الفن من أي غرض أو نفع وقد سميت بالبرناسية، وقد تبنّى الموالين لنظرية الفن للفن بأن الفن قضية جمالية، وليس لها علاقة بقضايا المجتمع، ومن رواد نظرية الفن للفن الشاعر الفرنسي تيوفيل جوتيية، وبودلير، ومالا رمية، وت.س إليوت.

وقد تأثرت نظرية الفن للفن بالفيلسوف الألماني “كانت” وفلسفة المثالية، التي تؤمن بالخيال، وإن الحقيقة هي نتاج النفس البشرية ليس لها وجود في العالم المحسوس الخارجي، لذلك ليس من الضروري التعامل مع هذه الحقيقة وتبنيها في العروض المسرحية وغيرها من الفنون، أما نظرية الانعكاسية فهي واحدة من نظريات النقد الاجتماعي، والغاية منه حصر غاية التلقي على الانعكاسات المتبادلة بين الأدب والواقع الاجتماعي، وتقول النظرية، إن الأدب مرآة عاكسة للواقع الاجتماعي، أي ما بين الأدب والمجتمع علاقة جدلية (علاقة تأثير وتأثر) وقد ظهرت نظرية الانعكاس سنة 1930 ومن روادها جورج لوكاتش، ويقول جازماً، يجب أن يكون الانعكاس جوهرياً، أي على الأديب عكس جوهر الواقع، وألا يقدم الواقع كما هو نقل سطحي.. آلي .. حرفي، وأن يقدم لنا صوراً من خلال عقل يحاكي، ويناقش ويوضح جوهر العلاقات الاجتماعية، أما الأساس الفلسفي، الذي قامت على أساسه نظرية الانعكاس، هي مقولات الفيلسوف كارل ماركس مؤسس، الاشتراكية  نظرياً، فقد قسم المجتمع لبنية تحتية وبنية فوقية، فالبنية التحتية هي أدوات الإنتاج والعمال والمصانع، أما الفوقية فهي الدين، القانون، الثقافة، الفنون، العادات، التقاليد، والأدب، حسب مقولة كارل ماركس، وهنا نستطيع القول: إن البنية التحتية هي الأساس، وأن أي تغير يحدث في البنية التحتية يتبعه تغير في البنية الفوقية، الذي يعود بدوره فيؤثر في البنية  التحتية بالرفض، أو التعديل أو التثبيت، فعلى سبيل المثال الرأسمالية أحدثت تغيرات جوهرية في بنية المجتمع، وشكلت بنيات جديدة على المستوى الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، ويتبع هذا التغيير تغير آخر في البنية الفوقية، فظهرت أشكال أدبية وفنية جديدة على مستوى الشكل والمضمون، وهنا نؤكد كمسرحيين أن نظرية الانعكاس هي الصورة المثالية لتطوير المجتمع نحو الأفضل.