بائع صغير تفوح منه رائحة البخور.. يتغلب على مآسيه بالأمل

جل آغا/ أمل محمد – حاملاً بيديه الصغيرتين علب للبخور يتجوّل في أزقة وشوارع مدينة قامشلو، وينادي بصوتٍ خافت تغلبه الحسرة والانكسار “بخور”، إنه الطفل أنس حتروش الذي أرغمته قساوة الحياة في أن يُعيل عائلته بعد أن تيتم وفقدَ والده، اليوم يبلغ أنس العشرة أعوام من عمره، ولكن بعقلية بالغ في العمر يحاول جاهداً ليكافح الحياة.

ألقت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد منذ حوالي أحد عشر عاماً واقعاً مراً على الجميع، ولم تميّز هذه الأزمة بين صغير وكبير ولا امرأة ولا رجل، الجميع مُجبّر على مواجهة هذا الواقع الصعب، غدا الأطفال بالغين بالعمر فجأة وعليهم العمل لعلهم يخففون شيئاً من حياتهم التي لم يكن لهم الاختيار فيها، وعلى العكس الأطفال الذين عليهم أن يتواجدوا في المدارس وبين مقاعد الدارسة بدوا يتواجدون في أماكن العمل، وبالرغم من أنهم اليوم يعيشون أجمل مراحل العمر إلا أن هذه المرحلة تحولت فجأة إلى واقع مؤلم ومعيشة في غاية القسوة، فتجردَّ الأطفال من طفولتهم عنوةً وانخرطوا في عالم لا يشبههم البتة.

بائع صغير بأحلام كبيرة

في مدينة قامشلو يحاول الطفل أنس حتروش من أن يُقنع أحد الجالسين على مقعد في مطعم صغير بأن يشتري منه علبة بخور ويبدأ حديثه بجملة “أنا يتيم” لعله يستعطف الشارين، هذه الجملة التي يُسمعها للجميع بغية إقناعهم بالشراء منه لا تشعره بالفرحة بل على عكس ذلك تؤلمه كثيراً لأنه فقد والده قُبيل ثلاثة أعوام من اليوم، ولكنه يضطر لقولها لعله يعود للمنزل ومعه بضع الليرات لإعالة والدته وأخوته الخمسة.

حدثنا الطفل أنس حتروش عن عمله البسيط هذا قائلاً: “في الصباح أتردد للمدرسة أنا في الصف الثاني وأحب الدراسة كثيراً، وبعد العودة للمنزل أحمل بعض العلب وأذهب للأسواق أنادي لأبيع البضاعة، حتى وقت متأخر من الليل، كثيراً ما أعود خالي الوفاض ولا أتمكن من بيع شيء وأحياناً ما يُحالفني الحظ، أنا أكبر إخوتي وعليَّ تحمّل مسؤوليتهم لم أشاء ذلك، ولكن أجبرتني الظروف”.

فسحة أمل

 يقوم عم أنس حتروش بإعالة الطفل وأسرته ولكن مع ذلك يقوم أنس بالعمل ليقدم يد العون لعمه، وعن حلمه في المستقبل يقول: “أرغب في إتمام دراستي وأن أحصل على شهادات تمكنني من العمل، بسبب ظروفي الصعبة لا يمكنني شراء ما أحب من طعام ولا حتى ألعاب أمرُّ بجانب ما أشتهي ولكن دون القدرة على فعل شيء”.

مع صعوبة الحياة هذه إلا أن أنس حتروش يجد وقتاً ليُرفه به عن نفسه وذلك عندما يلتقي بأصدقائه ويصف ذلك بأنه فسحة الأمل الوحيدة في حياته: “أصدقائي ومدرستي أجمل شيء في هذه الحياة، أجد معهم المتعة وأرى بهم الأمل وهذا يُشعرني بالتفاؤل بأن غداً أجمل”.