زاوية اضاءات مسرحية ـ وليد العمر

“القانون حسب وجهة نظر المسرح “

كثيرة هي المواضيع، والأفكار، والعلاقات الإنسانية والسياسية، والاقتصادية، التي يتصدى لها المسرح، وليس مجبراً أن يقدم حلولاً لها، فوظيفته الأساسية هي إلقاء الضوء على تلك الأمور اللامنطقية، التي تفرزها الحكومات، وتتعامل من خلالها مع المجتمع، فتسبب لأفراده القهر، والوجع، والتشتت، وتدخله في دوامة الدوائر، متناسية أن الإنسان هو الهدف، وعليها، أقصد الحكومات، والقوانين، مواجبها، وتأمين الحياة الكريمة والاستقرار لأفراد المجتمع، في أي بلد كان، فمثلاً مسرحية “النقيب كوبينك” للكاتب الألماني، كارن تسو كماير، يعاني بطل المسرحية “السيد فوكت” من البيروقراطية، وأقصد حكم المكاتب، ويدخل في دائرة الصراع مع القوانين والأنظمة البالية، التي لا تخدم أفراد الشعب، ومنهم السيد فوكت، فقصته ببساطة أنه زوّر جواز السفر لأسباب إنسانية، ولكن قبض عليه، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وخرج من السجن لحسن السيرة والسلوك، وعاد إلى المجتمع ليتابع حياة كريمة، لكنه صُدم بجدار القوانين المهترئة، والأنظمة البالية، وذلك من خلال البيروقراطية، اذ أنه ممنوع من العمل في مصنع للأحذية، لأنه لم يخدم بالجيش، بسبب دخوله السجن، وممنوع من السفر إلى خارج البلاد، لأنه دخل السجن، فليس لديه ورقة “لا حكم عليه، “وهكذا  دخل السيد فوكت في دوامة القوانين والأنظمة البيروقراطية، فقرر اقتحام  المجلس البلدي للحصول على جواز السفر، ولكن ألقي القبض عليه مرتدياً بدلة عسكرية ممزقة، مردداً “البقة تأتي أولاً، ثم يأتي نظام البق”، وهكذا، وهنا نستطيع القول: إن السيد فوكت كان ضحية القوانين والأنظمة البيروقراطية، التي لا تأخذ اعتباراً للنفس الإنسانية، بل تساهم في قهر الإنسان دائماً.

 وهنا نستطيع تفسير الجملة، التي يرددها السيد فوكت وهو في حالة الجنون، بأن الإنسان خُلق أولاً ثم النظام الإنساني، إذ إن الإنسان، هو من وضع القوانين والأنظمة، وذلك من أجل تنظيم المجتمع ونقله إلى الحضارة، ولكن الذي حصل للسيد فوكت، بأن الأنظمة والقوانين قمعته، وأذلته وحرمته من العمل، والعيش حتى خارج وطنه.

حكاية السيد فوكت حصلت، عندما كانت ألمانيا تعيش في زمن القياصرة، وحالياً تم تكريم السيد فوكت، فصنعت له تماثيل في مدينة كوبينك، ذلك لأن الحكومات الألمانية المتعاقبة استفادت من تجربته، في تطور يُدرس في مدارس ألمانيا، وأصبح شخصية أسطورية ساهم في تطور القوانين في ألمانيا، وجعلها أكثر إنسانية، وهدفها الإنسان أولاً، ثم تنظيم حياة الافراد، والدولة الألمانية، للوصول إلى حضارة عريقة، ونحن هل سنتعلم من تجربة السيد فوكت، أم أن القوانين ستطبق على المجتمع؛ تنفيذاً لأجندة معينة لا تمس الإنسان بأي حال من الأحوال، نعم أيها السادة… هذا هو القانون من وجه نظر المسرح.