No Result
View All Result
المشاهدات 0
صلاح الدين مسلم-
إنّ المفهومَين “أقليّة” و”أغلبية” حديثا العهد نسبياً في القانون الدولي، رغم وجود الاختلافات بين المجتمعات المحلية على مرّ التاريخ، ومنحت بعض النظم السياسية في الواقع حقوقاً مجتمعية خاصة لأقلياتها، على الرغم من عدم استناد ذلك إلى أي اعتراف بـ “حقوق” للأقليات بهذا المعنى، فنظام الملّة في الإمبراطورية العثمانية، على سبيل المثال، كان يتيح قدراً من الاستقلال الذاتي على الصعيدين الثقافي والديني للطوائف الدينية غير المسلمة، من قبيل المسيحيين الأرثوذكس والأرمن واليهود وغيرهم، وأعلنت الثورتان الفرنسية والأمريكية في أواخر القرن الثامن عشر حرية ممارسة العقيدة بوصفها حقاً أساسياً، رغم أن أياً منهما لم تعالج بصورةٍ مباشرة المسألة الأوسع نطاقاً المتعلقة بحماية الأقليات، واعترف مؤتمر فيينا لعام 1815، الذي فكك إمبراطورية نابليون، إلى حد ما بحقوق الأقليات، وكذلك فعلت معاهدة برلين لعام 1878، التي اعترفت ببعض الحقوق الخاصة لطائفة جبل آثوس الدينية.
لقد نشأت الأقليات القومية: مع ظهور الدولة القومية في الغرب والشرق، وبعد أن وضعت الحدود، فبالضرورة أن تكون هناك أغلبية عددية قومية، وأقلية عددية قومية، وحاولت الدولة القومية الاعتماد على الأغلبية القومية في تذويب الأقليات العددية اللغوية في بوتقة الأكثرية، فالأمة الحاكمة تسعى إلى خلق مجتمع قوميّ نمطيّ متأطّر بلواء حدود صارمة وقطعية مقدّسة، وصارت حلمًا فردوسيًّا للأغلبيّة وجحيمًا للأقليّة، سواء كانت تلك الأقلية أصيلة في تلك الأرض وأقدم من اللغة الأكثرية.
لقد اختُرعت المصطلحات في تمجيد اللغة الرسمية على أنّها لغة وطنيّة جامعة، ومنهم من اعتبر اللغات غير اللغة الرسميّة على أنّها لغات ثقافيّة، وضعفت لغات الأقليات أمام هذا الاهتمام الكبير بلغة الأغلبية، وبالتالي بثقافة تلك اللغة التي جعلتها سيّدة الثقافات، وقويت اللغة الرسميّة وتضخمت فوق طاقتها أيضًا، فعلى سبيل المثال أتذكّر عندما كنتُ بالجامعة أنّ محاضرًا قدّم رسالة ماجستير بعنوان (الفاعل في اللغة العربية)، وكذلك رأيتُ كتابًا ضخمًا عن الفاتحة، التي تُقرأ في أقل من دقيقة.
وصار هناك تمجيد مبالغ لعرق دون عرق آخر، وظهرت الطبقية العرقية ضمن مجتمع الدولة القومية، مع أنّ التجمعات الأثنية الكبيرة التي تؤلّف الإنسانية قد أسهمت مساهمات خاصّة في التراث العام، فلا يمكننا الحديث عن الشرق الأوسط دون الحديث عن الكلدان والآشور والسريان والأرمن والكرد… على سبيل المثال الذين أصبحوا أقلّيّة في حدود دولة مزّقت تلك الجغرافية قبل قرن من الزمان، بعد أن كانوا أكثرية في زمن لم تكُن هناك مشكلة كبيرة لظاهرة الأقليات الحاليّة.
ففكرة الدولة القومية التي انبثقت من الغرب وانتشرت في الشرق عن طريق المستشرقين والمتنورين قد ألقت بظلالها السلبية على كلّ هذه المآسي في الغرب والشرق على حدّ سواء، فكلّ المآسي التطهيرية الإباديّة من تطهير الأرمن قبل قرن إلى عمليات الصهر والإبادة في كلّ دول الشرق الأوسط قد ألقت بظلالها المأساوية، فلم نرَ هكذا عمليات تطهير ممنهجة قبل قرن من الآن، فصحيح كان هناك نسف للحضارات وعمليات انتقام من الحضارات المغلوبة، منذ البابليين والآشوريين وصولًا إلى هولاكو، لكن عمليات التطهير كانت لبسط السيادة الإمبراطوريّة، وليس عمليات قولبة للمجتمع وصهره في لغة ودين الأغلبية.
No Result
View All Result