من مجزرة زاركله إلى برخ…. إراقة دماء الأبرياء خزي على جبين المعنيين

قامشلو/ بيريفان خليل ـ

---

يتكرر سيناريو الإبادة الجماعية، التي يرتكبها المحتل التركي بحق شعوب باشور كردستان بدءاً من مجزرة زاركله، وحتى مجزرة برخ بزاخو ليقابل هذه الدموية صمت للحكومتين المعنيتين؛ حكومة إقليم كردستان وحكومة العراق، ليتساءل الشعب: هل وضعوا ستاراً على ظلم الدولة التركية؟!

تتزايد الانتقادات الشعبية تجاه ما يحصل على الساحة في باشور كردستان، فالقصف التركي يستمر، وارتكاب المجازر يحصل أمام مرأى المسؤولين من حكومة الإقليم، وحكومة العراق ضاربة سيادة الدولة عرض الحائط، ومجزرة زاركله، وبرخ، أمثلة حية على تكرار المشهد، وسط صمت، وعدم اتخاذ مواقف جدية تجاه المحتل.

وفي الذكرى السابعة لمجزرة زاركله ومرور أحد عشر يوماً على مجزرة برخ، تتعرض المناطق الحدودية من باشور كردستان لقصف تركي، لم يتوقف حتى بعد الانتقادات الشعبية، والأممية تجاه هذا الإجرام، ففي الأول من آب، استهدفت طائرة مسيرة تابعة للاحتلال التركي سيارة مدنية في ناحية جارقورنا، التابعة لقضاء رانيا بإقليم كردستان، وكإحصائية أولية فقد تم الكشف عن إصابة شخص واحد، وتم نقله إلى المشفى.

مجزرة زاركله الدموية

في الأول من آب من عام 2015 سالت دماء أبرياء، أصحاب أرض كانوا يعيشون في قريتهم بسلام، لتطالهم يد الغدر وهمجية دولة تجد في ارتكاب المجازر ملذة لها، وتحقيقاً لأطماعها.

في ذلك التاريخ قصف المحتل التركي إحدى قرى قنديل “قرية زاركله” مرتين، بوساطة أربع طائرات حربية، وأسفر عنه استشهاد ثمانية مواطنين (عائشة أحمد مصطفى، وهيبت رسول حمه أمين، وصالح رسول حمه أمين، وكاروخ حمه أمين خضر، وعبد قادر أبو بكر أحمد من العائلة نفسها، كما استشهد عضوان من بلدية قنديل، ومواطن من روجهلات كردستان) وأصيب ما لا يقل عن عشرة مدنيين، ناهيك عن الأضرار المادية، التي لحقت ببيوت، كانت تأوي ساكنيها ومسجد يؤدي فيها أهالي القرية طقوسهم الدينية.

صمت دولي مخز يؤلم ذوي الضحايا

مجزرة زاركله كانت إحدى المجازر المتكررة، التي ارتكبها المحتل التركي في باشور كردستان، وقلبت صفحتها، نتيجة صمت الجهات المعنية، فبعد مرور سبع سنوات على المجزرة لم تظهر حكومة إقليم كردستان، حتى الآن أي موقف تجاه هذه المجزرة، ولم تعدّ ضحايا المجزرة شهداء، وبقي موقف الحكومة العراقية، وحكومة إقليم كردستان خجولة جداً دون إدانة للفاعل (المحتل التركي).

وعقب المجزرة الدموية، قام وفد من مفوضية حقوق الإنسان في برلمان إقليم كردستان، بزيارة القرية، التي حصلت فيها مجزرة زاركله، بناء على طلب رئيس مجلس النواب، وبعد إرسال التحقيق، تم إعداد تقرير ورفعه إلى مجلس النواب، ووصف التقرير استشهاد ثمانية مواطنين بالقتل الجماعي، وطالب بتعويضات لذوي الشهداء، الذين فقدوا فلذات أكبادهم، وكذلك تعويض أهالي القرية، ولكن بقيت هذه المطالب حبراً على ورق، فحتى اليوم لم يتم تعويضهم، ولم يتم اعتبار من فقدوا أرواحهم في الهجوم شهداء.

شهود على المجزرة يزيلون الغبار عن الحقائق

 

في الذكرى السنوية السابعة لهذه المجزرة، يروي الشهود، وممن فقد ذووهم في المجزرة، بعض التفاصيل مشيرين إلى حيثيات القتل الجماعي لوكالة ROJNEWS. حامد رسول، وهو نجل الشهيد صالح، الذي استشهد في القصف، كان ألمه كبيراً لأنه فقد أكثر من شخص، حيث استشهد والده، وخالته، وزوجته، وثلاثة من أبناء عمومته في الهجوم.

يوضح رسول موقف الحكومة من الشهداء من عائلته قائلاً: “حتى الآن لم يأتِ أحد لأجلنا، حتى العمة هيبيت، التي استشهدت في القصف، تم قطع راتبها الذي كان 250 ألف دينار، حكومة الإقليم غير مبالية أبداً بقضية الشهداء وحقوقهم”.

وما زاد معاناة رسول بعد فقدانه لأكثر من شخص من عائلته، هو تزييف الحقائق “ظلم آخر وقع على الشهداء، وهو أن النعي، والتقرير الطبي للشهداء، لم يذكر أنهم استشهدوا جراء قصف الطائرات الحربية التركية، كتبوا عنهم أنهم فقدوا حياتهم نتيجة السقوط، أو الأزمات القلبية، وأسباب أخرى مختلفة، هذا ما جعلنا قلقين أيضاً”.

وشدد حامد رسول على أن الطب الشرعي، ما كان ينبغي له أن يغطي على مجزرة الدولة التركية: “الطب الشرعي هو تحقيق، وبحث وليس سياسة، لذلك ظلموا الشهداء وذويهم، وضعوا ستاراً على ظلم الدولة التركية، ونظامها السياسي وسلطتها ضد الشعب الكردي، وحيثما يوجد كردي فإنهم يقفون ضده، أدعو الشعب الكردي بالتوحد ضد الظلم، والمحتلين وعدم خلق انقسامات بينهم”.

الحكومة طامعة براتب زوجة الشهيد

كما تحدث المواطن نصر الدين مصطفى، والذي تعرض للإصابة خلال المجزرة، مشيراً إلى استمرار المعاناة بعد القصف: “لدي تقرير طبي، وقد حصلت على إذن بعدم الاستمرار في البيشمركة، لكن بعد ذلك عمل مسؤولو وزارة البيشمركة على تقريري الطبي، وألغوا هذا التصريح، وحذفوا اسمي من قائمة البيشمركة”.

وبمرور سبعة أعوام على دموية المحتل، وصمت الحكومتين المعنيتين، يشكو مصطفى “في الحقيقة أن الحكومة، لم تقدم أي خدمة لذوي الضحايا والجرحى، عار كبير على الحكومة، أن تقطع راتب 250 ألف دينار كتعويض شهيد لامرأة ولديها طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، الحكومة طامعة براتب زوجة شهيد استشهد بدون ذنب”.

المجازر المتكررة متشابهة

مجزرة زاركله لم تكن الأولى، وليست الوحيدة، التي ارتكبها المحتل التركي في باشور كردستان، فالإبادة الشعبية تتكرر حتى يومنا هذا، والهجمات التركية الجوية، والبرية على المناطق الحدودية لازالت مستمرة، والمجزرة التي حصلت قبل بضعة أيام بتاريخ 20 تموز كانت خير مثال على إن إراقة الدماء بفعل الفاعل نفسه مستمر.

ووصلت الإحصائية، التي كشفت عنها الوكالة إلى 28 شخصاً، استشهدوا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، بالإضافة إلى تسعة سياح عرب، استشهدوا في قرية برخ بقضاء زاخو مؤخراً، ليصل عددهم إلى 37 شهيداً.

لم يكن المحتل التركي القاسم المشترك بين تلك المجازر فقط، بل موقف الحكومتين أيضاً كانت نفسها؛ حكومة الإقليم وحكومة العراق، غير أن الأخيرة في آخر مجزرة ارتكبها المحتل التركي في زاخو، قد استفاقت من سباتها، واستنكرت الفعل الإجرامي، الذي قام به المحتل، واعتبر استهداف السياح في قرية برخ خطر، يهدد أمن ارضها، وطالبت بإلزام تركيا على سحب جيشها العسكري، وقواعدها من العراق.

وأكد وزير الخارجية في كلمته أمام مجلس الأمن، عقد اجتماعاً طارئاً بعد مجزرة برخ إنه “منذ عام 2018، تم توجيه (296) مذكرة رسمية ثنائية صادرة عن وزارة الخارجية العراقية إلى تركيا، للاحتجاج على هذه الانتهاكات، والتي بلغَ مجموعها 22,742 انتهاكا حتى الآن، والموثقة بموجب الرسائل المتطابقة البالغ عددها ثمانية”.

أما بالنسبة لحكومة إقليم كردستان، فبقيت متحفظة بصمتها مثل المجازر الأخرى، التي ارتكبها، ولازال يرتكبها المحتل، فلم يكن هناك إدانة واضحة، أو موقف جدي يثبت أن الحكومة، لن تقبل أن يمس شعبها ضرراً، بل زادت على موقفها تأسفاً، أنها اتهمت حزب العمال الكردستاني، واعتبرته سبباً في حدوث تلك المجزرة؛ ما زاد الغضب الشعبي تجاه موقفها، الشعب الذي بات على معرفة بحقائق تصمت عليها الحكومة.

ويزيد مأساة الشعب لدى تحريف الحقائق في تقرير الطب الشرعي، والادعاء، بأن سبب وفاة الشهداء هو سقوط أو أزمة قلبية، أو أسباب أخرى.