ناتو عربي بين الحلم والواقع

محمد خليل_

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة موحدة شبيهة بحلف شمال الأطلسي «الناتو» عن مسؤولين عرب لهم ثقلهم في الشرق الأوسط مثل “محمد بن سلمان”، ولي العهد السعودي والملك عبد الله الثاني ملك الأردن إضافة للقيادة المصرية.

بالعودة إلى ثلاث سنوات كانت هذه الفكرة من طرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الدول الحليفة لأمريكا، وكان الهدف الأمريكي منها هو تخفيف الاعتماد على القوات الأمريكية في حماية مصالح حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، ولاقت تلك الفكرة تأييداً عربياً كبيراً حتى من إسرائيل التي أيدتها على الرغم من تخوفها من أي وحدة في الشارع العربي خشية الانقلاب ضدها كون الهدف المعلن من هذا التحالف هو وقف التمدد الإيراني في المنطقة مما يخفف على إسرائيل أعباء المواجهة إلا أن هذه الفكرة لم تنجح على عهد ترامب.

واليوم بعد زيارة خاطفة لولي العهد السعودي للأردن أُعيد طرح الحلم من الأطراف الثلاثة السعودية والأردن ومصر على أن تُنظم له دول عربية أخرى لتشكيل ذلك التحالف، أما الحديث عن تشكيل تلك القوة عدا الأسباب التي ذكرناها التي دفعت أمريكا وإسرائيل على دعم هذا المشروع يتبين أن مصلحة دول العربية بدت أكثر في تشكيل تلك القوة، فالسعودية أصبح الخطر الإيراني يهدد حدودها الجنوبية مع اليمن حيث أصبحت إحدى أكبر القواعد المؤيدة للإيرانيين وحدث في السنوات الماضية أن وصلت الفصائل المدعومة من إيران إلى أهم قواعد البنى التحتية في السعودية وضربها فتكرار ضرب تلك القواعد يقلق المملكة السعودية.  أما عن الأردن فوصول المليشيات المدعومة من إيران إلى الحدود الشمالية للمملكة الأردنية مع سوريا وتواصلها مع حزب الله اللبناني الموجود سابقاً قد يشكل قوة عسكرية ضخمة من المحتمل أن تهدد أمن المملكة الأردنية.

ومن المرجح أن تنظم دول خليجية أخرى كالإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان، وذلك لنفس الأسباب والتي هي بحاجة لقوة كبيرة تحميها في حال حدوث أي صدام في الخليج العربي والتي تسعى إيران الهيمنة عليه ناهيك عن وجود عدة ملفات متنازع عليها مع إيران مثل جزر الإماراتية التي تسيطر عليها إيران علاوةً عن تراجع ثقة حكام الخليج بالقوات الأمريكية التي يمكن أن تنسحب بأية لحظة نتيجة التقلبات السياسية الدولية وسعيها إلى التقليل من اعتمادها على النفط العربي.

أما الحديث عن نجاحه فقد يصطدم بعدة عوائق من شأنها أن تؤدي إلى ولادته ميتاً، منها الظروف السياسية التي تعيشها الكثير من الدول العربية مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن والتي أطلقت لإيران يدها في التدخّل في قرار تلك الدول مما سيفقد تلك القوة القدرة على إيقاف التمدد الإيراني فيها أو تحقيق أهدافه.

أيضاً تركيا التي تسعى للسيطرة على العالم الإسلامي والتي ترى في هذا الحلف عائقاً في تحقيق مطامعها الاستعمارية وحلمها في إحياء العثمانية الجديدة، فبعد تشكيل هذه القوة لن تستطيع التدخّل في شأن دول الشرق الأوسط مثل ليبيا وسوريا والسودان والعراق، بحجة حماية الإسلام والمسلمين ومن ناحية أخرى هذه الدول التي تطمح لتشكيل هذا الحلف معروفة بعدائها لتشكيلات الإخوان المسلمين التي تدعمها تركيا مما يضعف موقفها، وأيضاً إسرائيل التي أيدت هذا الحلف هي حذرة جداً من انقلاب هذا الحلف ضدها بالضغط من الشارع العربي الذي يتعاطف مع القضية الفلسطينية ويرفض إشراك إسرائيل في هذا الحلف على غرار التطبيع مع بعض الحكومات العربية، إضافة إلى موقف بعض الدول التي لها مصالح مع الأنظمة العربية ترى في ذلك التحالف خطراً على مصالحها، لذا فمن العجلة الحكم على هذا التحالف هل سيولد أم لا، وإذا ولد ما هي الصيغة التي سيتشكل بها، وما هي مدى صلاحياتها، وهل ستحقق توازن بين الأطراف التي تخشى من تشكلها وبين تفنيد المخاوف العربية من التمدد الإيراني؟

هذا ما سنراه على طاولة القمة الأمريكية الخليجية المزعم انعقادها في منتصف تموز القادم في مدينة جدة السعودية ضمن جولة لرئيس الأمريكي بايدن إلى الشرق الأوسط.