الغزو التركي بين خباثة هذا وسذاجة ذاك

مصطفى بالي

قبل أيام، ظهر شخص بصفته قيادي في حركة جحوش كردستان (حجك) على قناة روداو متحدثاً عن أهداف الغزو التركي لمناطق شمال وشرق سوريا، مبرراً الغزو داعماً له مُعبّراً عن وجهة نظر الجهة التي ينتمي لها بصفتها صاحبة النهج القومي/ ريباز، مُذكراً إيايَّ بتصريح مشابه على نفس القناة، لمثيل له في باكور كردستان ذات يوم عندما قال بأن مشروع حزب الشعوب الديمقراطي لا يمثل الشعب الكردي، لذلك حزبنا (الديمقراطي الكردستاني شخطة تركيا) سيصوّت للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية.

في الحقيقة لم أستغرب تصريحه هذا، لم أسأل نفسي من هذا و ما هو اسمه، كما إنني لم أستغرب ظهوره على قناة تركية ناطقة باللغة الكردية، ذلك أنه في التصريحات الرسمية لا يهمنا كثيراً الشخص بقدر ما يهمنا جوهر التصريح والجهة التي ينتمي إليها، كذلك استغربت من استغراب البعض أو استنكارهم لاستضافة روداو هكذا شخصيات، وكأن ردواو لها مهمة أخرى، وليست مهمتها استضافة هكذا شخصيات وهكذا نهج بالذات، وكأن روداو لم تتأسس لمهمة واحدة محددة بالضبط ألا وهي تحويل الخيانة والارتزاق إلى وجهة نظر.

استغرب الكثير من الناس هذا التصريح، بينما الأصل أن هذا التصريح لم يخرج عن السياق العام المرسوم لحركة الجحوش، بدءاً من الغزو التركي لعفرين مروراً لغزو سري كانيه وكري سبي/ تل أبيض، وليس انتهاءً بالتهديدات التركية ضد كل من شمال وشرق سوريا وروج آفا ضمناً، وما زالت ذاكرتنا مترعة بالتصريحات التي صدرت عن قيادات (حجك) الداعمة للغزو التركي حتى وصل نشوة النصر العسكري التركي بأحد جحوشهم بأن خرج علينا بشرح خطته العبقرية لتحرير (كوردصتانا صوري) من سلطة (بي واي دي) بدا من دخول ما يسمى بيشمركته (بعض الشباب البائس الهارب من الحرب واللابس للمبرقعات)، من محور سيمالكا وتحرير رميلان والحسكة والعبور إلى جبل كزوان ومن ثم الوصول لكوباني، ويا للمفارقة أن هؤلاء المساكين البائسين الذين هربوا من كل روج آفا قبل أن تطلق طلقة واحدة في كل روج آفا، هربوا بحثاً عن فرصة عمل أو لقمة عيش، في خيمة ذليلة، أصبحوا عامل ابتزاز لأهالي روج آفا بعد أن تم تأمين رواتب لهم من ذات خزانة تمويل روداو وحركة الجحوش، ليس عبثاً قالها أجدادنا كمثل دارج (الحجاج ذهبوا إلى مكة وقليلي الشرف ذهبوا إلى عكا).

غالباً، إن استنكار البعض لهكذا تصريحات واعتبارها تصريحات شخصية، تنم عن خباثة أدهى وأمر في المشهد العام الكردي، كذلك شخصنتها من البعض الآخر يندرج في إطار السذاجة والتسطيح العاطفي لا أكثر، حيث أن (حجك) بصفتها تتدعي تمثيلها للنهج / الريباز القومي، لا تخجل من تصريحاتها ولا تتردد في إصدار كل ما يدعم التهديدات التركية والغزو الهمجي، وبالتالي لا يمكن اعتبار تصريح لشخصية عامة تنتمي لإطار سياسي له ما له من كتلة شعبية مجرد تصريح شخصي، إنما مُعبر عن نهج وريباز حقيقي، له مشروع متكامل ولا تخجل تلك الجماعة عن التصريح عن مشروعها، بينما بعض (النشتاء) يخجلون ويحاولن ترقيعها وتمويهها وإظهارها كأنها رؤى شخصية.

قصارى ما يُقال في هذا السياق، أن روج آفا ومعها كل الشعب الكردي أمام تهديد وجودي، هذا التهديد حتى تركيا لا تنكره، بل وتهدد به، وهناك خياران لا ثالث لهما، إما أن تكون في خندق مواجهة هذا الغزو، أو مجنداً في جحافل هذا الغزو، وحركة الجحوش قد أحرقت مراكبها ولا عودة، تماماً كحركة حرية كردستان التي هي أيضاً بدورها أحرقت مراكبها ولا عودة، وعلى الباغي ستدور الدوائر، بينما روداو المُكلفة بتحويل رؤى حركة الجحوش إلى وجهة نظر، الطبيعي لها أن تكون منصة لشخوص تلك الحركة لا العكس.