سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تركيا وثقافة الغزو

 

 

اتبعت بعض القبائل التركية، ومنذ مجيئهم إلى الأناضول، قبل مئات السنين سياسة الغزو والاحتلال في سياق تثبيت وجودها في منطقة الشرق الأوسط، والتوسع على حساب جيرانها من الكرد والعرب، والأرمن والسريان. الخ. وهذه السياسة أصبحت ثقافة ملازمة للطبقات التركية الحاكمة، حتى يومنا هذا، وكأنهم يعدون أمان الأتراك وسلامتهم، لا يتم إلا من خلال إبادة الشعوب الأخرى، وتهجيرهم من أراضيهم التاريخية، وهذه مقاربة ذهنية خاطئة، ولا تجلب سوى الدمار، والحروب والفتن في الشرق الأوسط.
 وما تعرض له الأرمن والسريان والآشوريين، والكلدان من حملة إبادة وتهجير كبرى في الربع الأول من القرن الماضي، على يد الدولة العثمانية التركية (مقتل حوالي مليون ونصف أرمني، ونصف مليون سرياني على أقل تقدير، وتهجيرهم من أرضهم وموطنهم التاريخي.) وكذلك أعمال القمع والاحتلال والإبادة بحق الكرد، خير مثال على النتائج الخطيرة لثقافة وعقلية الغزو والاحتلال على واقع المجتمعات والشعوب الأصيلة في المنطقة.
ما تتعرض له شمال وشرق سوريا، حيث أرض الآباء والأجداد لكل من الكرد والعرب، والسريان من أعمال الاحتلال العسكري التركي، لبعض المناطق (عفرين، سري كانيه، كري سبي) والتهجير القسري، ونهب الممتلكات والتضييق على المتبقين من أبناء تلك المناطق. تعدّ جرائم ممنهجة ضد الإنسانية، وهي نتاج عقلية وذهنية الغزو (والتي تعني انتهاك حقوق الآخر، والاعتداء عليه، والهجوم عليه وقتاله).
أليس من الغرابة أن يعتقد عاقل، أن يكون اتفاق شعوب شمال وشرق سوريا، على توحيد إرادتهم، وبناء مشروعهم الديمقراطي في إدارة مناطقهم بأنفسهم ضمن نظام أسموه “الإدارة الذاتية” خطراً أمنياً على جيرانهم كتركيا مثلاً؟!! كيف ذلك؟!! وهل يمكن اعتبار وجود إدارة تركية في الأناضول مثلاً خطراً على أمن ووجود الكرد، والعرب والأرمن في المنطقة؟!!
كلا، لم يعترض أي كردي أو عربي، او أرمني أو سرياني على وجود إدارة تركية في المنطقة، ولكن الاعتراض على اتباع تلك الإدارة سياسة الغزو والاحتلال، والحرب على الشعوب الأخرى، وبالمقابل لا يحق لتركيا أيضاً أن تعترض على وجود إدارات كردية عربية، سريانية أرمنية في المنطقة أيضاً، وبالتالي احترام حقوق البعض واجب فيما بينهم، وهذه المنطقة تتسع للجميع، فلمَ هذه الأنانية، والغطرسة والعدوانية؟ أليس من الأفضل ولمصلحة الجميع الاعتراف المتبادل بهويات وحقوق جميع شعوب المنطقة؟!! ماذا تخسر تركيا، إن اعترفت بحق أبناء شمال وشرق سوريا في إدارة أنفسهم ذاتياً؟!! أليس من الأفضل، أن يتم حل القضية الكردية بشكل ديمقراطي في تركيا، بدلاً من اتباع سياسة الحرب والقمع والإبادة؟!!
إن دول الشرق الأوسط لا تعرف الاستقرار، والأمان، والسلام؛ بسبب الحروب المتواصلة، وحملات الإبادة بحق الشعوب الأصيلة، والتي تتم بمباركة النظام العالمي المهيمن، والتي لا تريد الخير للشرق الأوسط، ولشعوبها وتريد أن ترى المنطقة في حالة أزمات.. حروب.. فتن.. تخلف علمي، وثقافي دائم، أي تدمير حضارة وإرث المنطقة.