No Result
View All Result
المشاهدات 0
صلاح الدين مسلم_
بدأت الشعوب في شمال وشرق سوريا تحصد ثمرات التراصّ الاجتماعيّ، من خلال الالتفات حول قوّة منظّمة متكاتفة الصفوف، فالقوّات العربيّة والسريانيّة والأشوريّة ترى في حلّ الدفاع المشروع ملاذاً لها ضدّ منظومة الحداثة الرأسماليّة هذه، وما كانت قوافل المتطوّعين في شمال وشرق سوريا لصدّ هجمات المرتزقة إلا دليلاً على عظمة المشروع الاجتماعيّ الموحّد، فتلك العقليّة المزدوجة بين الدين والقوميّة الضيّقة، التي تحاول بشتّى جهودها أن تقتحم مجالات التطوّر المجتمعيّ الذي لا مثيل له بين الكرد والعرب والطوائف في شمال وشرق سوريا.
إنّها الانتصارات رغم الليبراليّة الاستشراقيّة المتلوّنة بألف لون ولون، فقوى الحداثة الرأسمالية تتصارع الآن بحدّة فيما بينها، وكأنّها تنهش في نفسها، والصراع الروسي الأوروبي في أوكرانيا خير دليل، وهذا يعني أنّ المجتمع الديمقراطي في الشرق الأوسط يعيد ترتيب أوراقه، ويستعيد أنفاسه، ويستجمع قِواه، ليغدوَ القوة القادمة أمام عُقم النظام الرأسمالي العالمي الذي ما عاد ينتج الحلول، بل بات يتآكل وينتج الفوضى والدمار واللا حلّ رغم ترسانتها العلميّة والصناعويّة المميتة ومالها المكدّس.
فما سادَ في القرون الأخيرة من قبيل الحروب وعمليات السلب الاستعماريّ وتعريض المجتمع إلى عبودية مأجورة عصرية أسوأ بكثير من العبودية الكلاسيكية، بل وتعريضه إلى البطالة على نحو أكثر تعسّفاً وجوراً وبهتاناً، وفقدانه بالتالي وحدتَه وتكامله الأخلاقيّ والسياسيّ، من خلال تخريبِ البيئة، والإخلال بالتوازن البيولوجيّ العالميّ، وذلك إفراغٌ وامتصاص ما في باطن الأرض، وتلويث ما على سطحها، وكذلك الكوارث المناخية، وإنّ أفظع أشكال التردّي الأخلاقيّ والشناعة والقبح يتولّد عن نمط الحياة المنغمسة في الرجعية والجهل والبدائية، ولا يكمن الحل في الهروب والالتجاء إلى المدينة الرأسماليّة، حيث يصوّر على أنّها الحلّ للمجتمع، من خلال الوعيٍ الذي خلقته الحداثة، هي إقناعها الفرد بإمكانية عيشه من دون أيّة أواصر اجتماعية، وإفراغ المجتمع الكوميني القروي الطبيعيّ من الذاكرة الأخلاقيّة السياسيّة.
إذاً أهناك ثورة أخلاقيّة في الكون تشابه الثورة الكرديّة؟! إنّه السؤال الذي يجب أن يسأله كلّ من يسعى إلى الحرّيّة والأخلاق، ويجاوب عنه بأخلاقيّة، فتأييد أيّ شعب للشعب الكرديّ ضدّ الإبادة المنظّمة عليه، وما نضاله الحاليّ ومقاومته ضدّ أكبر عدوّ يهدّد الإنسانيّة هو النقاش الذي يجب أن يدور في المحافل المجتمعيّة كافّة، فالحياة المجرّدة من الأخلاق والعدالة والسياسة، هي حياة ينبغي عدم عيشها على صعيد المجتمعية أبداً، لطالما تكمن غاية الإنسان في البحث عن الحرّيّة والديمقراطيّة والأخلاق والمساواة والعدل والعيش المشترك.
لقد طوّرت نظرية الحداثة الديمقراطية موقفها في هذا الشأن المتمثل في الأمة الديمقراطية كنتيجة للحلّ الديمقراطيّ؛ فالأمّة الديمقراطية هي قيام الشعب بنفسه بتحقيق تحوّله الوطنيّ والتحوّل إلى أمة عبر التسيس اللازم لأجل ذلك، دون الاعتماد على السلطة أو الدولة، بعد عقم الحلول الدولتيّة وحلول الحداثة الرأسماليّة، بنظرياتها التخريبيّة في الرأسماليّة الغربيّة والشرقيّة على السواء، وأضحت براديغما الأمّة الديمقراطيّة في صراع فكريّ مع الرأسماليّة الشرقيّة، وما زال الصراع محتدماً في شمال وشرق سوريا، فما هو المبرّر لكلّ هذا الكمّ الهائل للمنظّمات الدوليّة في الرقة على سبيل المثال إلّا لترسيخ الحرب الفكريّة الضروس مع الإدارة الذاتية التي لا تنتهج نهج الرأسماليّة الشرقيّة؟
No Result
View All Result