No Result
View All Result
المشاهدات 0
صلاح الدين مسلم_
كانت المدينة وما زالت وحشاً يبتلع كلَّ شيء جميل، وصارت تتّسع دائماً وأبداً على حساب المجتمع، وأضحت تقتات على الريف، وهي السبب في الحروب والنكبات، فما من مدينة قديمة إلا ونشأت فيها الحروب، وهي موطن العنف، والحروب، والسلب، والجرائم، وهضم الحقوقِ… ومن يذكر هذا القول يقالون عنه: القرويّ المتخلّف.
لم يكن هناك خيار للمثقّف إلّا الاشتراكيّة أو الرأسماليّة، إمّا اليمين وإمّا اليسار، أو دمجها وتطعيمها بالقومية والدين، لذلك أصبح المكان مرتعاً خصباً للعودة إلى الذاكرة، والتاريخ المجيد، في العودة إلى سيرة حياة الخلفاء والأنبياء والقادة والسلاطين، والعودة إلى السلف الصالح، فكان أرضيّة خصبة لنشوء التيارات الراديكالية المتعصّبة التي وصلت إلى داعش، وبالطبع أثّر كلّ هذا على مناحي الحياة كلّها، وعلى الفنون على وجه الخصوص.
إنّ المعنى الأوّليّ لليبرالية هو تسخير الدولة لخدمة الاحتكار الاقتصادي كلياً، وتصيير الدولة السياسية دولة اقتصادية، فالليبرالية دون دولة يعني ترك الماشية دون راعٍ، إذْ تسوّقُ الليبراليّةُ وتسلِّعُ كلَّ شيء في خدمة الفرد على حساب الجماعة، وقد باتت الليبرالية أيديولوجيّة اللا انتماء والتفرّد والتبعيّة، والتي تعتبر نفسها الكلمة الفصل في التاريخ، وأنّها أبديّة أزليّة، واعتبر منظّروها أنّها نهاية التاريخ.
وقد بات يتردّد هذا المصطلح في ذهنيّة المشرقيين دون التمعّن جليّاً فيه، فشأن هذا المصطلح هو شأن جميع المصطلحات التي ختمت بالطابع الشرقيّ، فالشرق يبتلع جميع المصطلحات، منذ أن ترجم الفارابي كتب أفلاطون وغيّرها حسب المزاج الشرقيّ حتّى الآن، لكنّ الليبرالية انتصرت في كثير من المجالات، وفي الكثير من الدول الشرقيّة، وما زلت تنتصر، لكنّها لا تصل إلى الليبرالية الغربيّة، وقد تكون هناك ليبرالية شرقيّة، أو ليبرالية ذات طابع شرقيّ.
لقد استفادت الرأسماليّة من التراكمات الفكريّة على مرّ التاريخ مجملها، وصبّتها في خدمتها، وزانت تلك الأفكار واصطفت منها ما يؤمن الربح، والمال، فجعلت العلم سلعة، وحوّلت الأفكار التي تخدم مصالحه إلى فلسفة، بل باتت ديناً جديداً تبثّه عبر وسائل المجتمع في المدارس التي احتكرتها، والكتب التي احتكرتها، فالكتاب الذي يروق لها، تروّج له ويصبح متاحاً أمام الجميع عبر الدعاية المنظّمة الممنهجة، وتقوم بعرضها أمام الملأ على أنّها الليبراليّة أو الوضعية منقذة المجتمع، فالليبرالية والوضعية دين الرأسماليّة، وكتابها المقدّس في أيديولوجيتها.
أضحى الشرق الأوسط مستنقعاً تتخبّط فيه الحداثة الرأسماليّة بنسختها الغربيّة، فتخبّطت وانهزمت كثيراً، على الرغم من صولاتها وجولاتها، وما خلْق حالات الفوضى والدمار والهلاك في العالم الذي ترى أنّها سيّدتها الأولى إلا تعبيرٌ واضح لعجزها، حيث صرفت الكثير الكثير من أموالها التي سرقتها من هذا الشرق الدامي وصرفتها على هذه المنطقة، وقد فشلت الحلول الوضعيّة في هذه البقعة، وبات العقم مسارها، سواء الوضعيّة الرأسماليّة أو الاشتراكية العلميّة الوضعيّة أيضاً، فأنتجت نسخة رأسماليّة مشوّهة، يمكن تسميتها الرأسماليّة الشرقيّة.
No Result
View All Result