أوكرانيا دروس وعبر ـ4ـ

مصطفى بالي_

هذه الحرب القذرة الدائرة في هذه البقعة الباردة من العالم، لا شك أنه لا ناقة ولا جمل للشعبين الروسي والأوكراني فيها، سوى أنها أزمة أخرى من أزمات نظام الحداثة الرأسمالية، ووجه آخر من وجوه الصراع بين أطراف وأجنحة النظام الرأسمالي، لا يخفى على كل ذي بصر وبصيرة أنه خلاف على شكل النظام العالمي لما بعد الحداثة الرأسمالية والنيوليبرالية، وغالباً أن أجنحة هذا النظام وصلت إلى طريق مسدود فلجأت إلى العنف لفرض رؤاها على بعضها البعض.

في هذا السياق، كان واضحاً سقوط الأقنعة عن الوجوه، وسقوط ورقة التوت عن عورة الكذب والجل الليبرالي حول الحريات، والعولمة، وكل لغتها الاصطلاحية المتعلقة بالانفتاح على العالم والثقافات والتعددية والتنوع، وظهرت شمولية ومركزية النظام الليبرالي بأبشع صوره وتجلياته من خلال جملة من المقاربات سنحاول إيجازها في ثلاثة أمثلة على سبيل المثال لا الحصر، دون أن ننسى أن هذه الدروس والعبر هي بمعزل عن الموقف السياسي الروسي أو الأوكراني ودون أن ننسى بأن روسيا وأوكرانيا وجهان لعملة واحدة هي (الدولة).

1- صدر قرار من جامعة ميلانو في إيطاليا بمنع تدريس روايات ديستويفسكي، كما ألغت بعض دور الموسيقا مقاطع لتشايكوفسكي من برامجها الموسيقية، وفي الحين الذي كانت تتشدق الليبرالية بأنها خلاصة مفهوم الحريات، وقعت سهواً في شرنقة أكاذيبها عندما عبرت عن نفسها كخلاصة لأعلى درجات الانتماء القومي والعرقي العنصري، الذي يرفض حتى تقبل فكرة دراسة رواية عالمية لروائي عالمي أو تقبل الاستماع لمقطوعات موسيقية لواحد من أعظم الموسيقيين الذين مروا في تاريخ الموسيقا العالمية، لا لشيء فقط لكونهم من روسيا.

2-في تداول قضية اللاجئين الأوكرانيين ومقارنتهم باللاجئين من الشرق الأوسط عموماً ومن سوريا خصوصاً، ظهرت أكذوبة القيم والأخلاق الليبرالية بأبشع صورها، حينما راحت كل وسائل الغرب الليبرالي بالمقارنة بين المهاجرين على خلفية انتماءاتهم العرقية أو الدينية وراحت تفضل اللاجئين الأوكرانية وفق ذلك، لا بل زادت السفاهة حينما راحت تقارن بناء على لون البشرة والعيون والشعر، وأصبحت وسائل الإعلام الغربية تتحدث بأسفٍ وأسى وحزن عن لاجئين ببشرة بيضاء وشعر أشقر وعيون زرقاء، وكأن لسان حالهم يقول أن اللجوء والنزوح هو نصيب ذوي البشرة الملونة والشعر الأسود، وفي هذه الجزئية بالذات أظهر هذا الغرب مدى عنصريته، عندما راح يتساءل باستغراب ودهشة، كيف يمكن أن تحدث هذه الأمور لشعوب أوروبية؟ فالاقتتال والحروب يجب أن تكون في الشرق فقط.

3-هذه الليبرالية المتوحشة، وبشموليتها شديدة السطوة، وصلت بها الجرأة والتصريح أن عاقبت حتى القطط الروسية، فالجمعية الدولية لمحبي القطط (FIFE) وفي بيان رسمي أعلنت فرض عقوبات على سلالة القطط الروسية، أو حتى تلك التي تم تربيتها في روسيا، هل هناك شمولية وعنصرية مقيتة ظهرت في أي مرحلة من مراحل التاريخ كهذه؟؟

خلاصة القول، هذه الحرب ليست حرباً روسية/ أوكرانية، وهي قطعاً ليست حرباً بين الشعبين الروسي والأوكراني، إنما هي إحدى تجليات انسداد أفق الحل في بنية النظام العالمي الليبرالي، وهي إثبات جلي ساطع بأن الليبرالية ونظام البنك الذي يقود العالم منذ عهد الميركنتلية في استوكهولم، ما هو إلا سرطان في جسد وبنية الشعوب، ولم تورث للشعوب سوى الحروب والعوز والفاقة.

بشرنا فوكوياما في نهايات تاريخه بجنة الليبرالية، وها نحن نعيشها وليس بعد طول انتظار، وأخبرنا أمين معلوف بسقطة وهزيمة الليبرالية في لحظة إعلانها النصر في (اختلال العالم) بينما راح قائد الشعب الكردي القائد عبد الله أوجلان يمسك بيدنا ويخبرنا الخلاصة ويدلنا على الخلاص في مجلداته الخمس (مانيفستو الحضارة الديمقراطية) فهل نتعظ ونرى ونتبصر؟؟ أم سنكون كاللذين قيل فيهم (سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)؟