القبة تاريخياّ وأثرياً و”تراثياً”

محمد عزو_

أشارت التنقيبات، والبحوث الأثرية، إلى أن حضارات ما قبل التاريخ (والحديث يخص تطور بناء القبة في الفترات السابقة من المرحلة الإسلامية)، قد شيدت منشآت معمارية مقببة، باستخدامهم لمواد بيئية محلية بدائية الشكل، مشيدة من الطوب، أو الحجارة المكونة من عنصرين، وذلك في بلاد الشرق الأوسط، لكن تحديد زمان، ومكان بناء القبة الطينية الأولى، مجهولان رغم أنه توجد إشارات أركيولوجية، تشير إلى أن طفولة القبة الأولى المشيدة من الطين الفراتي، كانت في “بابل”، و من السكان الأصليين، في أنحاء شتى من العالم، ما زالوا يبنون مثل تلك القباب في زمننا المعاصر.. وعلى الأرجح كانت القباب تبنى على أشكال قباب مخروطية مصنوعة من مواد غير طينية مثل، أغصان الشجر، والخشب والقصب، وتغطى إما بالقش أو الجلود، ولما أن البناء صدى الحياة وتطورها، فقد تم استخدام التربة المدكوكة، والآجر الطينين والحجر الصلب في بناء القبب… في المشرق… كانت القباب تبنى فوق المنازل المستديرة، وكانت المادة الإنشائية التي تشيد منها هذه القبة هي مادة الطوب، والحجارة المدكوكة المكونة من عنصرين، التي يعود تاريخها إلى أواخر العصر الحجري الحديث… مثل هذه المنازل المستديرة المقببة، كانت تخص الطبقة الفقيرة في المجتمع.. تزخر أرض، “الرقة” في زمننا المعاصر بالقباب الطينية، التي تعدّ بدائل أقل تكلفة من المنشآت المعمارية المستطيلة والمربعة ذات الأسقف المسطحة حاضراً وماضياً، كونها تستهلك مواد أقل كمية، وتكلفة إضافة إلى أنها تحافظ على البرودة صيفاً والحرارة شتاءً أي أن المساكن المقببة، تقلل معدل انتقال الحرارة صيفاً لأن مساحتها السطحية أقل.. الأختام الأسطوانية المكتشفة في مواقع أثرية عدة من “بلاد الرافدين” وفي “عيلام”، وعلى “الفرات” و”البليخ” في “سورية” تظهر الاستخدام الواسع للقباب المبنية بالطوب الطيني، التي كانت تستخدم كمخازن للحبوب مثل القمح، والشعير، والذرة وغيرها، مثل هذه الأختام تعود إلى الفترة الواقعة ما بين/6800 و3000 ق.م.

كما تم العثور على مبان ثانية مشيدة من اللبن الطيني، تقنية البناء فيها تشبه أسلوب بناء القبة المألوفة، لا سيما في المدن “الحلفية” و”العبيدية”، وتم العثور على مبان مقببة في كل من تل “خويرة” وتل “الرماح” تعود إلى الألف الثاني ق.م، وفي مقبرة “أور” الملكية السومرية تم العثور على قبة كاملة، تتوضع فوق دعائم خشبية مؤقتة، يعود تاريخها إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد.

وفي أنحاء عديدة من الجزيرة الفراتية عثر على العديد من القباب، التي تعود إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد… وفي النقوش الآشورية الحديثة في “نينوى” تشاهد مباني، مقببة. أما المنشآت المقببة في سوريا، تعود إلى الألف الرابع ق.م. في العصر الهلنستي استخدم “الإسكندر” فكرة الخيام المقببة على الطراز البدوي التقليدي، التي كانت تقام بها الاحتفالات والمهرجانات في زمن ملوك الدولة الأخمينية، وتبني الأسكندر لهذه الفكرة، جاء بعد غزوه للإمبراطورية الفارسية في عام/333 ق.م/. أما الرومان والبيزنطيون بعد احتلالهم لسورية، فقد استوحوا ظلة العرش المقببة من الخيام البدوية التقليدية.