نسرين عبد الله: وحدات حماية المرأة ستبقى حامية ثورة الخبز والورد

قامشلو/ ميديا غانم –

أكدت الناطقة الرسمية باسم وحدات حماية المرأة نسرين عبد الله بأنهن لا يعتبرنَ اليوم العالمي للمرأة يوماً للاحتفال، بل يوم تجديد العهد لمواصلة حماية ثورة الخبز والورد بريادة المرأة.

– يوم واحد من 365 يوماً أُعلِن يوماً عالمياً للمرأة، كيف ُتقيّمه وحدات حماية المرأة؟

في كل بلدان العالم يتم مباركة اليوم العالمي للمرأة بأشكال مختلفة، ونحن وحدات حماية المرأة كما في أنحاء العالم أجمع نبارك هذا اليوم ولكن بشكلٍ آخر، لأننا لا نعتبره يوم للاحتفال إنما يوم لنستذكر فيه جميع النساء اللواتي ضحين بأرواحهن في سبيل ذلك، 72 امرأة ضحين بأرواحهن لتحصيل هذا الحق، فلن نقبل السياسة المُتبعة من قبل الذهنية الذكورية بتخصيص يوم واحد للمرأة من العام كله ليكون يومها، ومن هذا المنطلق لا نعتبره يوم لنحتفل به بل يوم نُقيّم فيه ذواتنا وننظم مخططاتنا المتعلقة بتحصيل حقوق المرأة وقيمها.

كما أؤكد بأننا في وحدات حماية المرأة لا نعتبر قضية المرأة قضية حماية حقوق جنسها فقط، بل قضية الشعوب، لأنه إذا استطعنا أن نحل قضية المرأة ستُحل قضية الشعوب، وبالتالي سيتم استئصال النفاق المتفشي ضمن القانون والمحاكم فقد بات العالم يحترق نتيجة الأفكار السلطوية للذهنية الذكورية وبحل قضية المرأة نستطيع إطفاء هذا الحريق، لذا المقاومة التي نُبديها ليست مجرد حمل مجموعة من المقاتلات للأسلحة، بل مقاومة كافة أشكال وأفكار الذهنية السلطوية وخلق امرأة واعية بذاتها ذات نهج وفلسفة حرة وهذا هدفنا منذ تأسيس “YPJ” ولحد الآن.

وكلي إيمان بأننا كوحدات حماية المرأة استطعنا حمل رسالة النساء المناضلات اللواتي ضحين بأرواحهن منذ فجر التاريخ في سبيل حرية المرأة، فالعشرات ضمن وحدات حماية المرأة حملن اسم كلارا وروزا ليحمين ميراث النضال الذي بدأنه، وما لم تستطع هؤلاء المناضلات تحقيقه نحن نُكمل مسيرتهن بنضالنا، لذا تعتبر وحداتنا يوم المرأة العالمي؛ يوم تجديد العهد لرفع وتيرة النضال لأننا واعيين بمضي كل يوم تزداد حاجتنا للمقاومة أكثر.

– لماذا أضحت وحدات حماية المرأة قبلة نساء العالم؟

أضحت وحدات حماية المرأة قبلة لنساء العالم لأننا بفكرنا ومبادئنا استطعنا أن نكسر الهويات المصطنعة كاختلاف الأعراق والمكونات واللغات والطبقات والأديان والمذاهب، فبشمال وشرق سوريا خلقنا نموذجاً تحمل فيه المرأة هويتها الخاصة مجردة من أي هوية أخرى سوى أنها امرأة، لأننا نؤمن بأن هذه الهويات المصطنعة هي التي تجزء كيان النساء وتبعدهن عن ذاتهن وجوهرهن وبالتالي تقيّد حريتها، لذا ضمن وحدات حماية المرأة بدأنا من ذواتنا في كسر تلك الهويات المصطنعة فكانت نتيجة ذلك انضمام النساء من مختلف الشعوب والبلدان، فتجد ضمن ypj  مقاتلات كرديات وعربيات وسريانيات وتركيات وألمانيات وبريطانيات إلخ.. وعلى الرغم من بعدهن الثقافي والجغرافي واختلاف اللغات ناضلنَ واستشهدن على هذه الأرض وظهر ذلك جلياً بشهادة المناضلات آفاشين وهيلين وليكرين وغيرهن من الشعوب الأخرى لهذه الأهداف المباركة.

ولأننا نؤمن بأنه على الرغم من توقيع العديد من المواثيق والاتفاقات الدولية والعالمية ضمن إطار تحصيل حقوق المرأة وحمايتها، ولكن مع الأسف على أرض الواقع تبقى مجرد أوراق مكتوبة وغير فعلية، فحتى الآن حق المرأة مضطهد ضمن المجتمعات؛ بدءاً من حق العمل والزواج وحق تقرير المصير، ومن طرف آخر لا يزال ختان النساء واغتصابهن والجرائم التي ترتكب بحقهن مستمرة في مختلف دول العالم، وهذا يثبت صحة إيماننا بأن لا أحد يحمي المرأة غيرها ويزيدنا إصراراً على المقاومة وتجديد العهد بلون المرأة من خلال السعي لتوحيد قوة النساء وتنظيمهن في العالم أجمع، لنبارك معاً الثامن من آذار من خلال تجديد عهدنا لمواصلة سير النضال.

– قيّمتم المرأة بأنها رمز السلام، فلماذا ارتبط اسم YPJ بالسلاح؟

في عالم تسوده الحرب من المؤكد بأن الحماية الذاتية تكون واجبك الأساسي، وهنا في شمال وشرق سوريا منذ سنوات نواجه الحروب الشرسة من كل صوب، سواءً من النظام أو المحتل التركي والمرتزقة، حتى بتنا مجبورين على حمل السلاح، ولكننا كوحدات حماية المرأة نحن قوات ذات فلسفة تحمي، والسلاح ليس غايتنا في هذه الحياة، بل هي أداة لنحمي بها نفسنا وأرضنا ورغم كل ظروف الحرب التي نمر بها لنا شعار واحد متمسكين به “لو أن قوة العالم كلها بيدنا لن نهاجم أحد ولو هاجمنا العالم كله سندافع عنا أنفسنا” ومنذ كونفرانسنا الأول كان هذا نهجنا ووضعنا قوانينا الخاصة على أساس ذلك، ولن نصبح أبداً قوة تهاجم بل قوة تحمي وسنواصل نضالنا على هذا النحو.

ولكن حملنا للسلاح لم يكن عن عبث بل لحماية شعوبنا، ولم يكن هذا كافياً لذا إلى جانبه بدأنا التدريب والتوعية لأننا على يقين بأن لا أحد يستطيع حماية المرأة لا والدها ولا أخاها ولا زوجها ولا أحد غيرها.. وأكبر مثال مرَّ أمام أعيننا نساء شنكال اللواتي تعرضن للإبادة والسبي والبيع في سوق النخاسة، ولكننا نشدد على أن الحماية ليست فقط بالسلاح لأن المرأة التي تحمل السلاح دون وعي تؤذي أكثر مما تحمي، والحل يكون بالوعي وبشكلٍ خاص أن تعرف المرأة ذاتها وبذلك تستطيع حماية نفسها وشعبها، فربما يأتي يوم يحل فيه الأمان والسلام حينها لن نحمل فيه السلاح، ولكن نهجنا وفلسفتنا ستبقى وسنواصل السير على مبادئنا.

ومن ناحية أخرى نحن ضد التجييش الذي هو من صنع السلطات، ومؤمنون بضرورة وجود قوات حماية جوهرية مجتمعية، لذا أحد مبادئنا في الحماية هو القوات المجتمعية وليس التجييش، فالجيش مجرد أداة بيد السلطات التي تحتكر أبناء ذاك الشعب لمحاربتهم به وخدمة الأنظمة وليس حماية المجتمع، لذا في شمال وشرق سوريا انتصار منظومتنا الدفاعية كان نتيجة هذه التجربة التي نجدها ناجحة جداً، وعلى كل شخص أن يعلم بأن كل ثورة يحميها شعبها ويقرر مصيره بذاته ينتصر والبلاد التي يكون فيها القرار بيد السلطات والأنظمة تتفكك وتُهدم.

– على مرِّ الزمان اندلعت الكثير من الثورات وانطفأت، برأيكم ما سر استمرار ثورة روج آفا؟

يجب أن نعلم جيداً بأن ثورة روج آفا هي تجربة ثورات الشعوب ولم تأتِ من فراغ، فقد ظهرت العديد من الثورات والكثير منها لم تنتصر، وهنا يجب الإشارة إلى أنه ليس كل ثورة لم تنتصر بأنها فشلت، فإذا بقي قلب ينبض للثورة فهي لم تفشل، ونحن الكرد أيضاً كان لدينا ثماني وعشرين انتفاضة حيث نستذكر شهدائها بكل فخر، ونؤكد على أن ثورتنا هذه شرارة من تلك الثورات.

وبالنسبة لأسباب استمرار ثورة روج آفا وانتصارها هناك نقاط أساسية اتخذناها كانت السبب في ذلك، ألا وهي التعلم من تجارب الثورات السابقة، وأيضاً ركزنا على أن ثورة بلا قيادة تفشل فثورة روج آفا كانت دوماً لها قيادة، ولكن لم تكن قيادتنا أشخاص محددين بل شعبنا وإيمانه بنا، فالعدو استهدف الكثير من قياداتنا واستشهدوا، ولكن لم نبقَ بلا قائد يوماً لأن شعبنا هو من يقود هذه الثورة، السبب الآخر بأنها لم تكن ثورة عشوائية بل لها عواميد قوية مبنية على الوعي والتدريب، لذا كل ما سعى إليه العدو لإيجاد نقاط ضعف لنا استطعنا أن نهزمه وحوّلناها لنقاط قوة.

وأيضاً كان لثورتنا خواصها الأساسية هي التحرير والحماية والإدارة الذاتية، فلم نؤجل عمل لانتهاء آخر بل إلى جانب ثورة الشعوب بدأنا ثورة الزراعة والثقافة والمجتمع والبيئة والمرأة والإعلام وهكذا… فكل مجال كان مغلق أمامنا سابقاً حققنا فتحاً ونصراً فيه وعلى كافة المستويات، فكانت ثورة شمولية مستندة على شعبنا والحماية الجوهرية وليس فقط بحمل السلاح بل إدارة أنفسنا، لذا من المؤكد بأنه لو تبقّى شخص واحد منا ستنتصر ثورتنا، وما يثبت ذلك تعرضنا لأشرس الحروب من وتركيا ومرتزقتها من داعش وغيرهم والحكومة السورية وعدم استطاعتهم هزمنا بالرغم من التغيير الديمغرافي على أرضنا من عفرين لسري كانيه لم يستطيعوا كسر إرادتنا لأننا لا نتمسك بقطعة أرض بل متمسكون بجوهرنا ببقائنا وكياننا، فنحن منتصرين بإرادتنا وبها سنحرر أرضنا.

والأمر الآخر الأكثر أهمية الذي جعل ثورتنا متماسكة ومستمرة هي المرأة التي بقيت صامدة ومقاومة، كيف لا وأضحت ضمن هذه الثورة أم شهيد وزوجة وأخت ووالدة الشهيد وأصبحت مقاتلة وشهيدة، وبهذه الروح الفدائية كانت القيادية والمناضلة في الثورة، فلو لم تكن بكل هذه الروح الثورية لأخذت ثورتنا طابعاً ذكورياً ولكن يجب التنويه بأن ثورة روج آفا لم تأخذ طابعاً أنثوياً أيضاً بل حافظت المرأة ضمنها على كيانها ولونها الخاص، ووجدنا ذلك جلياً أثناء خروج الآلاف من الرجال في تظاهرات باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وهذا يعتبر أكبر انتصارات هذه الثورة على الذهنية الذكورية.

– كلمة أخيرة لكم بمناسبة يوم المرأة العالمي؟

في هذا اليوم نشدد على أن هذا الوقت من أكثر الأوقات ضرورةً لوحدة وتنظيم النساء، فالعالم بحاجة ماسة لقيادة وريادة المرأة الآن، لأنه ضمن النظام الذكوري يتم قتل الإنسانية، فالقضية كبيرة تتطلب منا إرادة وقوة ومعرفة كبيرة، لذا أقول لنساء العالم بأن يوم الثامن من آذار يوم لمناشدة نساء العالم لتوحيد الصف والموقف المشترك ليكون تحقيق حرية المرأة وتحصيل حقوق الشعوب.. ويوم السعي لحياة آمنة ومسالمة ضد هذا العالم الذي يقبل كل هذا الظلم، وفي هذا اليوم نجدد العهد بأننا كوحدات حماية المرأة سنبقى حُماة ثورة الورد والخبز.