فقاعة إيصال الدعم إلى مستحقيه

روناهي/ درباسية-

يجرى الحديث في الآونة الأخيرة، وبشكل مكثف، عن سياسة اقتصادية تتبعها حكومة دمشق، سمتها (سياسة إيصال الدعم إلى مستحقيه)، وتهدف هذه السياسة، كما هو مُعلن في التبريرات الحكومية، إلى إعادة تصنيف فئات الشعب على أساس من يستحق الدعم، ومن لا يستحقه.

ما الدعم؟

نسلط الضوء بشكل سريع على هذه السياسة (سياسة الدعم)، التي لطالما مننت حكومة دمشق الشعب السوري بها، منذ ستينيات القرن الماضي، أطلقت الحكومة سياسة دعم المواد الأولية، مثل الخبز، والسكر، والطحين… إلخ وذلك (لتخفيف العبء على المواطنين)، حيث إن مصطلح الدعم هُنا يعني بيع تلك المواد للمستهلك (المواطن) بسعر أقل من سعر تكلفة إنتاج هذه المواد، ولكن منذ عام 2005، ومع تبني، ما أسمته الحكومة في حينه باقتصاد السوق الاجتماعية، والذي لم يكن سوى اقتصاد سوق حر، تم تقليص الدعم شيئاً فشيئاً عن هذه المواد، وجرى ذلك على عدة مراحل، يتم في كل منها إلغاء الدعم عن مادة، أو عدة مواد مُعينة، وتسليمها لتجار السوق، وإطلاق يدهم في تحديد سعرها، لتكن آخر مرحلة وصلتها حكومة دمشق في هذا الاتجاه، هي تلك التي أسمتها (إيصال الدعم إلى مستحقيه)، والتي لم تكن سوى استبعاد فئات، وشرائح أوسع من هذا الدعم، لصالح حفنة من حيتان المال والفساد الكبير.

إن سياسة دعم المواد الأولية، التي تم تبنيها على مدى العقود السابقة من قبل حكومة دمشق، لم تكن مكرمة من هذه الحكومة على الشعب، بل كانت تعبيراً عن التشوه الكبير الحاصل بين دخل الفرد (الراتب الشهري)، وبين التكاليف المعيشية للمواطن، أي إن دعم المواد كان للتغطية على السرقات الكبيرة، التي تحصل على حساب المواطن، ولكن هذه السرقات باتت تتكشف يوما بعد آخر؛ لتتحول إلى سرقة (على عينك يا تاجر) منذ عام 2005.

تجاوز (الخطوط الحمراء)

مع كل موجة إلغاء الدعم عن بعض المواد، كانت الحكومة تُطربنا بعبارة (الخبز خط أحمر)، والتي تعني أنه لن يتم رفع الدعم عن مادة الخبز، وسيبقى يُقدم للمواطن بسعر أقل من سعر التكلفة، إلى أن جاء ذلك اليوم، الذي تجاوزت هذه الحكومة كل (الخطوط الحمراء)، التي كانت هي من وضعتها. حيث وضعت في الآونة الأخيرة أسساً ومعايير جديدة، للفئات التي يحق لها الاستفادة من دعم المواد، ومن ضمنها الخبز، ولا يمكن تصنيف هذه الأسس، والمعايير سوى أنها شروط تعجيزية، الهدف منها إضفاء طابع شرعي على سياسات رفع الدعم هذه، حيث يُستبعد من الدعم كل من يمتلك سيارة موديل 2005 وما فوق، كما يستبعد من الدعم كل من يمتلك أكثر من عقار على اسمه، وغيرها من الشروط الخيالية المفروضة على الشعب، حتى تحولت هذه الشروط إلى نكت، وجمل ذات طابع كوميدي بين الناس، كوسيلة للتعبير عن غضبهم من هذه السياسات التعسفية، كتلك التي تقول “استبعدوني من الدعم لأن عندي أكتر من عقار، وأنا عايش بالإيجارات”، وتلك الأفكار التي يطرحها البعض على سبيل الفكاهة، إلا أنها تحمل الكثير من الصواب والأحقية، مثل “نبش القبور وإخراج الموتى، لأنهم الوحيدون، الذين باتوا يستحقون الدعم، حسب حسابات الحكومة”.

الهدف من إلغاء الدعم

أن إلغاء الدعم عن المواد الأساسية، يعني، كما أسلفنا، تسليم هذه المواد للتجار، وللسماسرة، وبالتالي السماح لهم بتحديد أسعارها على هواهم، ووفق مصالحهم، وبعبارة أدق، فإن رفع الدعم يعني تسليم رقاب العباد لحفنة من التجار، كما أن فئة التجار هذه لا تعمل بمفردها، بل تربطها صلات وثيقة مع كبار الفاسدين في مراكز القرار الحكومية، ولولاهم لما كان للتجار أن يتجبروا على الناس، أي أن كل هذه القرارات الارتجالية، والتعسفية تصدر خدمة لقوى الفساد الكبير، التي باتت تُسيطر على مفاصل القرار في حكومة دمشق.

ما العمل؟

يُلاحظ المتابع للأحداث في سوريا، إنه كلما تقلصت دائرة الحرب، وجرى الحديث عن حل مرتقب للأزمة السورية، تتحفنا حكومة دمشق بقرارات تجعل المواطن يتحسر على أيام الحرب والقذائف، فما الذي تعنيه هذه السياسة؟ المعنى من هذه التصرفات: هو أن مع كل اقتراب جديد للحل في سوريا، فإن الفاسدين الكبار يُكشرون عن أنيابهم بشكل أوضح، محاولين الاستفادة من كل دقيقة باقية من عمرهم، قبل أن يتم القضاء عليهم من خلال الحل الناجز.

لذلك فإن المطلوب اليوم، هو الإسراع في الحل السياسي على أساس القرار الأممي 2254، والذي يعني عمليا الوصول إلى تغيير جذري شامل في البنية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية للنظام القائم، والوصول إلى نظام جديد قادر، ويمتلك الإرادة، لإعادة توزيع جديد للثروة لصالح السواد الأعظم من الشعب.