No Result
View All Result
المشاهدات 0
صلاح الدين مسلم_
ظلّت الثقافةُ المجالَ الذي دعت له المؤسسات الثقافيّة في الشرق، ما بعد الثورة، وما قبلها من خلال تشجيع الأحزاب السياسيّة المسموحة والممنوعة له، لكنّ ظلّ المثقّف منبوذاً عمليّاً، فكلّ أعضاء الأحزاب الفاعلين، حاربوا المثقّفين، ونشروا فكرة: أنّ المثقّف لا يعرف كيف يتعامل مع المجتمع، أيّ أنّهم عرّفوا المثقّف على أنّه مبتعد عن المجتمع، وبالتالي تمّ ترسيخ فكرة المثقّف الفردي على أنّه تعريف للمثقّف بشكل عام.
وبالمقابل تمّ تهميش المثقّف المجتمعي، حافظِ الفلكلور، والمطّلعِ على الذاكرة المجتمعيّة، فكان متزعّمو الثقافة ينظرون إليه تلك النظرة الكلاسيكيّة؛ على أنّه مروِّحٌ للنفس، ولا يمتّ إلى الحضارة بصِلة، فالمطرب الشعبيّ مهمَّشٌ، إن لم يشارك في الأعراس، وميّع الأغاني من خلال تطعيمها بالفنّ الغربيّ الغريب عن المجتمع.
وكان أي قياديّ يشجّع المثقّف، الذي يصفّق، ويمجّد الحزب، وبالتالي صار المثقّف الحقيقيّ هو المثقّف الانتهازيّ. وكان المثقّف الملتزم هو المثقف الوحيد، القادر على أن يثبت نفسه في الساحة، لكنّه التزام بفكرة الحزب المعيّن، وليس التزاماً بقضيّة، وهناك فارق ما بين الأديب الملتزم بقضيّة، والأديب الملتزم بفكرة الحزب، والسياسة المتغيّرة، لذلك استُبعدت، وخُرّبتْ أرضيّة خروج المثقّف المبدع، الذي يستطيع أن يغيّر التاريخ.
لقد حاربت المنظومة الرأسماليّة العالميّة المثقّفين المتنورين في الشرق عامّة، بعد أن انتهت منهم في الغرب، لأنّهم وحدهم القادرون على تغيير التاريخ، فكانت تلك المحاربة من خلال شرائهم، فكانت ثورة الربيع العربيّ تفريغاً لكلّ ما هو حالة ثقافيّة في سوريا ولبنان، فعندما يزجّ المفكّر في معمعة السياسة الدوليّة، يقع في فخ تفريغه من فكره، ويصبح تابعاً للخطّ المرسوم له، فمُيِّعت الكتابات السابقة كلها للمفكّرين، وصاروا مهمّشين، لا يستطيع أيّ مثقّف، أن يقرأ مقولة واحدة منهم. بينما ظلّت مقولات المفكّرين الغربيين راسخة في الوجدان رغم الفترات الزمنيّة الطويلة للكثير منهم.
إذاً السؤال المطروح: -هل الثقافة وبالٌ، ونقمة على الشرق؟ وكأنّ هناك حرباً على المثقّف الشرقيّ، فالعروض الغربيّة تنهال عليه؛ كي تجذبه، فتبدأ هجرة العقول، حيث الوارد المالي أفضل، والحياة أفضل بالمقاييس العلميّة، وليس بالمقاييس المعرفيّة، فبات كلّ شخص يريد أن يتخصّص في مجال مرتبط بالتحصيل المادّي.
فكلّ الدارسين يريدون أن يدرسوا الطبّ لأنّ الوارد المالي للطبيب أفضل، وبالتالي ارتبطت المعرفة، والثقافة، والفكر، والعلم بمدى الوارد المالي، وهذه الذهنيّة نشأت في أواخر القرن الماضي، وظلّت تتفاقم حتّى الوقت الراهن.
لماذا صارت المعرفةُ وبالاً علينا؟ فكلّ دارس في مجال ما، يجعل من معرفته وسيلة للهروب إلى واقع أفضل، فهل استطاعت جامعاتُنا أن تصنع المثقّف المتنوّر القادر على إيجاد الحلول، والبدائل لكلّ هذه الحرب الشعواء من المنظومة العالمية، ضدّ أي فكر مجتمعي؟
هنا يكمن التحدّي الحقيقي، فقد استطاعت ثورة روج آفا، خلال عقد من الزمن أن تنشر أفكاراً جديدة، أو لِنقُلْ: -إحياء الفكر الطبيعي البعيد عن المنفعة الشخصيّة، وترسيخ الفكر المجتمعيّ، لكنّه تطوّر بطيء يتحوّل تدريجيّاً إلى نهضة شرق أوسطيّة.
No Result
View All Result