No Result
View All Result
المشاهدات 0
صلاح الدين مسلم_
لطالما غدا العرف الثقافي السائد في الأوساط الثقافيّة، هو أنّ الأديب أديب، والسياسيّ سياسيّ، وكأنّ السياسة والأدب مهنتان لا توافُق بينهما، وكأنّ السياسة فنُّ المراوغة والحيل والخداع، والأدب هو البعد عن الخداع واللجوء إلى عوالم رومانسيّة خياليّة بعيدة كلّ البعد عن الواقع.
فعندما يكتب أديب ما في السياسة يقولون له: -ما لك وهذه الصراعات؟ – فلا تخدش كلماتك في هذه المعمعة، التي لا تليق بك، وعندما يكتب سياسيّ ما في الأدب يقولون له: – ما لك وهذه العوالم الخياليّة؟ عليك أن تترفع عن الأدب، فهو شأن الحالمين الغارقين في عوالم بعيدة عن الواقع.
تكمن المصيبة الكبرى في أنّ من يتحدّث في هذا الشأن، لا يمتلك أدنى تعاريف للسياسة والفن، ولا تاريخ للسياسة، ولا تاريخ الفكر ولا تاريخ الفن… وكم من روايات صنعت ثورات، وكم من روايات خلّدت ثورات، فمهمّة الفن هي البحث عن المطلق؛ الخير المطلق، والحقّ المطلق، والجمال المطلق، وكلّ إنسان هو سياسيّ بالضرورة، فالهارب من الواقع أيضاً يتّبع سياسة الابتعاد عن الواقع، ورافض الإيديولوجيا هو الذي ينتهج سياسة وأيديولوجيا رفض الأيديولوجيا.
لنتناول السياسة الاقتصاديّة على سبيل المثال، فالمرأة الريفيّة الزراعيّة أو الرعوية لها سياسة اقتصاديّة عظيمة، فهي تعرف كيف تؤمّن مؤونة الشتاء؟! وتعرف كيف تؤمن الكلأ والملبس لسنة كاملة؟! فهي تمتلك سياسة اقتصاديّة، وبالمقابل تحفظ فولكلورها الثقافي (الأمثال، القصص، الملاحم الشعريّة، الصور، المراثي…) وهي في هذا المجال مثقّفة لأنّها حاضنة الميراث الثقافي والأدبي.
استطاع أدباء عظام أن يثيروا النفوس، ويغيّروا تاريخ الجبن عبر رواياتهم الخالدة، فمكسيم غوركي قد صوّر المرأة المقموعة، وأثارها من خلال روايته الأم، فيقول على لسان أمّ بافل الثائر: (كل ما يفعله الرجال هو الاعتداء علينا نحن النساء.) ويقول بافل لأمّه: (متى سيصبح لدينا أمهات يرسلن أولادهن إلى الموت مبتسمات؟) وأمثلة هذه الثورة موجودة في ثورة روج آفا، فلأوّل مرّة في التاريخ تغنّي الأمّ، ويغنّي الأب والأخ والأخت ويرقصون في مراسيم الشهيد، صور لا تراها إلّا هنا، هي صور واقعيّة فنّيّة، وهي سياسة الفن والأدب.
الأدب عند داعش هو الشعر التحريضي على الموت، فعندما تسمع أغنية داعشيّة، دون أدوات موسيقيّة بالطبع، نراها تعتمد على الصور الشعريّة الفنّيّة في خلق مقاتل يعشق القتل، فيصوّر الأدبُ القتلَ على أنّه الجمال المطلق، ولا جمال سواه، وكلّ من لا يتّبع أيديولوجيّته فهو مستحقّ للقتل، بينما مقاتل وحدات حماية الشعب يصوّر الحياة على أنّها مقاومة عبر الرسائل الفنّيّة والأدبيّة.
يقول تولستوي في روايته الحرب والسلم: (أينما يوجد القانون يوجد الظلم) ويقول غابرييل غارسيا ماركيز في روايته الحب في زمن الكوليرا: (أتمنى أن أحضر مراسيم شهادتي، هذا إن حالفني الحظ واستشهدت.) ويقول ديستوفيسكي في روايته الأخوة كارامازوف: (عشقت ذنوبي عندما رأيت إيمانهم المزيف)، ولا إيمان مزيّف مثل إيمان داعش وأردوغان والائتلاف والإخوان…
No Result
View All Result