داعش جزءٌ من كل

مصطفى بالي_

قدر الشعوب أن تصرخ وتجاهر بصوتها صراخاً عالياً مدوياً في آفاق الظلم والإبادة، تجلجل أركانه وتقاوم طغيانه، كما أنه قدرها، أن يخرج عليها الكَذَبَةُ الدجالون يحيدونها عن درب تحررها وانعتاقها، متسربلين بعمائم النصح والإرشاد، لابسين ثوب (الحكمة والسياسة) فضفاضاً على قاماتهم القزمة، لا هم لهم سوى وضع العصي في عجلة الشعوب إذ تسير بخطى ثابتة نجو انعتاقها، هي ذي الشعوب التي (تعلمت باكراً أن الحق لا يعطى لمن يسكت عنه، وأن على المرء أن يحدث الضجيج حتى يحصل على ما يريد).

الحرب المفروضة على الشعب الكردي عموماً، لم تتوقف في أي لحظة، إنما تغيرت تجلياتها، أساليبها، شخوصها، أدوارها وفي كل هذه التجليات، كانت الأنظمة الغاصبة هي مطبخ السموم، بين الشيف الأكبر هي الطورانية التركية، هذه الحقيقة لا جدال فيها ولا نقاش، لا ينكرها أحد في العالم بما فيهم الأتراك، إلا (الكرد الجيدون) أنصار حركة حجوش كردستان (حجك)، وهو أمر مثير للشفقة والغثيان في آنٍ واحد.

في هذا السياق، بدأت داعش هجوماً على مدينة الحسكة وأحيائها، مستهدفة – كما عادتها – الحياة دون تمييز بين مدني وعسكري وطفل وشاب وشيخ وامرأة، هذا الهجوم لم يكن مفاجئاً وهو جزء من حرب إبادة شاملة تشنها كل من تركيا والنظام السوري وإيران، بالتناوب أحياناً والتكامل أحياناً أخرى، تستهدف الكرد في وجودهم، وتستهدف المشروع الديمقراطي المتمثل بالإدارة الذاتية بصفتها الحل السياسي لكل القيح المزمن الذي راكمته أنظمة الاستبداد المتمثلة بالدولة القومية على مدى قرنين من الزمان.

هذه الحرب المستمرة دون توقف ودون هوادة لم تتوقف ولن تتوقف حتى يبلغ الأمر منتهاه.

بدأت بفصائل مرتزقة، ثم حركات سلفية ثم داعش ثم الطورانية التركية بنفسها، وعادت الآن تشن الهجوم بمسمى داعش بعد أن عجزت الطورانية التركية من تنفيذ تهديداتها بآلياتها ومسمياتها الرسمية، وهذه الحرب لم تبدأ هذا الأسبوع بقدر ما بدأت بإغلاق المعابر البرية كلها، حيث كان إغلاق تلك المعابر بمثابة ساعة الصفر لهذه المرحلة الجديدة من الحرب وستستمر حتى النهاية.

في هذه الحرب ثمة توزيع للأدوار واضح للعيان مثلما كان دائماً، تُغلق المعابر وتُحمل المسؤولية لمؤسسات اجتماعية في شمال وشرق سوريا، تختلق أزمات من خلال خلايا نشطة في البلاد، تبدأ حملة تجييش في السوشيال ميديا للحديث عن نقص بعض المواد، التشهير بالمؤسسات من زاوية القضايا الخدمية، التطبيل ضد المؤسسات العسكرية والأمنية فيما إذا اعتقل مشتبه ما وتضخيمه كأنه مناضل فذ، حتى لو كان مجرماً والتشهير بالإجراءات الاحترازية من زاوية ما يسمى (المجتمع المدني) والحريات الإعلامية المزعومة.

يُضاف لما سبق من توزيع أدوار، هو الدور القذر الذي تلعبه (حجك) بالتزامن مع هجوم داعش والمتمثل بطرح الأسئلة المتعلقة بكيفية ظهور هذه الخلايا، ولماذا لم تستطع الجهات المسؤولة من اتخاذ التدابير لمنع هذا الهجوم، ومن ثم الإيغال في السفسطة الكلامية ومنمق الحديث الذي قد يعطيهم حسب – حسب ما يعتقدون – دور الناصح.

باختصار أولئك الذين منَّوا أنفسهم بمنحهم دوراً بعد الاحتلال التركي لعفرين وسري كانيه، وتحدثوا عن جلب مرتزقتهم إلى كلا المدينتين هم أنفسهم أولئك الذين تحالفوا مع لواء أحفاد الرسول عامل (2014) للدخول إلى كوباني، وهم أنفسهم المتذاكون على السوشيال ميديا بطرح أسئلتهم الغبية، وهم أنفسهم الفرحون حالياً بما تمر به البلاد من هجوم همجي داعشي الشكل تركي الهوية، أولئك الذي لم يحصدوا سوى الخيبة والعار في كل مراحل حرب الإبادة هذه، لن يكون نصيبهم أكثر من ذلك في أي مرحلة أخرى من مراحل هذه الحرب.